قال مسؤولان سابقان في وزارة الخزانة الأمريكية، إن المشكلة مع قطر ليست في تمويلها لبعض الجهات المعتدلة أو التي يختلف تصنيفها بين معتدلة متطرفة حسب الظروف والدول التي تصنفها، ولكن المشكلة الكبرى لدى قطر هو تمويلها لتنظيم القاعدة. ورأى "ماتيو ليفيت" و"كاثرين باور" أن الأزمة بين قطر ومحيطها الخليجي والعربي، سببها "علاقات الدوحة الوثيقة" مع مجموعة متنوعة من العناصر المتطرفة التي تمتد من طالبان حتى إيران وصوًلا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكن العلاقة الأكثر إثارة للقلق في قطر هي علاقتها مع تنظيم القاعدة، والتي لقد حان الوقت كي تنتهي، مشيرين إلى أن قائمة المطالب الخليجية. وقال المسؤولان إن تنظيم القاعدة في سوريا يحظى بشرعية "في غير محلها" داخل قطر، وذلك تحت مبرر أن التنظيم في سوريا يقاتل نظام بشار الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يدفع الكثير من الممولين في قطر للنظر إلى تنظيم القاعدة في سوريا كنوع من "المتطرفين المعتدلين"، وأشارا إلى أن من يمولون القاعدة تحت هذا الستار في قطر هم صنفان أولهما مؤيد لأيدلوجية القاعدة ويراها أفضل من غيرها من البدائل، أو آخرون على استعداد لوضع القضايا الأيديولوجية جانبًا حتى "ينتهي نظام الأسد" وهو ما يدفعهم لتبرير دعمهم تحت عشرات الذرائع، لكن الحقيقة أنه لا شيء آخر إلا تمويل صريح يخرج من قطر لتمويل تنظيم القاعدة. وأضافا أن الحقيقة تكمن في أن التمويل القطري، منح القاعدة فرصًا جديدة للانتعاش اقتصاديا وعملياتيا في سوريا، وزاد من فرص التنظيم لتهديد الغرب، وفي يوليو 2016 قال تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تنظيم القاعدة في سوريا "لا يزال واحدا من أكثر فروع تنظيم القاعدة فعالية في العالم"، كما أن العديد من كبار عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي انتقلوا من جنوب آسيا إلى سوريا للاستقرار هناك، وهو ما يمنح التنظيم قوة ووجودًا متزايدًا، ويجعل وقف مصادر الإيراد والتمويل للقاعدة في سوريا يحتل أهمية قصوى. وقد اعتمد تنظيم القاعدة المركزي على التبرعات لفترات طويلة، وحتى أجنحته في العراق وسوريا، ولكن هذه الأجنحة نوعت أساليبها للحصول على التمويل، وقللت دائمًا من اعتمادها على التبرعات، فيما بقيت القاعدة في سوريا هي الاستثناء الرئيسي، ووفقًا لمجلس الأمن، فقد واصلت المجموعة اعتبارًا من يناير 2017 الحصول على إيراداتها "أساسا من التبرعات الخارجية"، إلى جانب مصادر إجرامية للتمويل مثل الاختطاف من أجل الفدية والابتزاز وغنائم الحرب، وهي تشكل معًا ميزانية تزيد عن 10 ملايين دولار. ولهذا السبب تحديدا أشار وزير الخزانة الأمريكي ديفيد كوهين في عام 2014 إلى قطر كجهة تتساهل كثيرا في تمويل الإرهابيين، وقال أن المشكلة مع الدوحة لا تقتصر على تمويل حماس، بل هي تتجاوز الأمر لتصل إلى الدعم القطري للجماعات المتطرفة العاملة في سوريا، وخلص إلى القول "إن هذا يهدد بتفاقم الوضع المتقلب بالفعل بطريقة خطيرة وغير مرحب بها". كما أنه وحسب صحيفة، فايننشال تايمز، فقد نجحت قطر في الإفراج عن أفراد من الأسرة الحاكمة الذين اختطفوا في العراق من خلال دفع عدة مئات من ملايين الدولارات كفدية لعدة قوى متطرفة في العراق من ضمنها القاعدة، وهو ما جعل الأموال نتنقل بشكل مباشر من خزانة الدولة القطرية إلى جيوب تنظيم القاعدة بشكل علني ومباشر. ولقد اتخذت قطر بعض الإجراءات المحدودة ضد بعض ممولي الإرهاب مثل: تجميد الأصول، وفرض حظر على السفر، وإغلاق الحسابات، وإغلاق جمعية مداد أهل الشام الخيرية المرتبطة بالقاعدة في سوريا، ومواصلة العديد من الملاحقات القضائية. ولكن في كل هذه الحالات، تصرفت الدوحة فقط نتيجة ضغوط أمريكية كبيرة، وكانت مترددة بشكل ملحوظ في تلقى التهنئة على نجاحاتها في هذه القضايا بشكل علني. ووفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2014، قامت السلطات في الدوحة بترحيل ممول إرهابي أردني مقيم في قطر كان يعمل في مؤسسة خيرية قطرية في تلك السنة؛ فمن الممكن أن يكون هذا هو عبد الملك عبد السلام، ولكن هذا لم يتم تأكيده علنًا. وفي الواقع، تمت محاكمة خمسة ممولين إرهابيين هم "إبراهيم البكر، سعد الكعبي، عبد اللطيف الكواري، عبد الرحمن النعيمي، خليفة السبيعي". ومن بين هؤلاء، تم تبرئة اثنين (الكعبي والنعيمي) في عام 2016، وأدين ثلاثة منهم هم سبيعي وبكر وكواري، وأدين بكر غيابيا ولا يزال طليقا في مكان ما خارج قطر، ولكن هذا لم يكن اعتقاله الأول، فقد اعتقل بكر في قطر في "أوائل العقد الأول من القرن العشرين" و "أطلق سراحه من السجن بعد وعده بعدم القيام بنشاط إرهابي في قطر". وكان سبيعي قد أدين غيابيا في البحرين في يناير عام 2008 وألقي القبض عليه بعد شهرين في قطر، حيث قضى مدة ستة أشهر فقط في السجن. ويقال إن كواري يقضي عقوبته قيد الإقامة الجبرية في قطر. وفي حين يعلن المسؤولون القطريون أن الكعبي والنعيمي والسبيعي يخضعون للمراقبة المنتظمة، غير أن طبيعة هذه المراقبة مسألة جدال، وفى حالة سبيعي ذكرت لجنة الامم المتحدة حول العقوبات المفروضة على تنظيم القاعدة انه استأنف انشطة تمويل الارهاب بعد إطلاق سراحه من السجن عندما كان يزعم انه تحت المراقبة. ولذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن مسؤول الخزانة الأمريكي السابق "دانييل غلاسر" أعرب عن أسفه في فبراير 2017 بأن عددا ممن صنفتهم الأمم المتحدة والولايات المتحدة كممولين للإرهاب يواصلون العمل "بشكل صريح ودون عوائق" في قطر، وقال غلاسر ان قطر لم تتخذ بعد "قرارات جوهرية" حول مكافحة تمويل الإرهاب كفيلة بإغلاق البلاد أمام ممولي التطرف مشيرا الى أن الخطوات الايجابية القليلة التي اتخذتها قطر كانت "بطيئة بشكل مؤلم". ومؤخرا أعلنت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين بشكل جماعي عن قائمة من ممولي الإرهاب أو الإرهابيين تضم 59 فردا و 12 مؤسسة (وضمنهم الخمس الذين حامتهم قطر). وكثر من هذه الكيانات سبق أن وصفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة كممولة للإرهاب، وهذه القائمة توفر فرصة للدوحة لحل مشاكلها مع جيرانها الخليجيين مع حفظ ماء وجهها، حيث يمكنها أن تتخذ فورا إجراءات على الأقل ضد هؤلاء الأشخاص الكيانات المدرجة أسماؤهم في القائمة والذين سبق أن أعلنتهم الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة إرهابيين أو ممولين للإرهاب، كما يمكن لقطر أن تركز على وقف العديد من ممولي تنظيم القاعدة في القائمة ممن يتواجدون على أراضيها، وأن تتخذ إجراءات بناء على التزامها الأخير بمكافحة تمويل الإرهاب في قمة الرياض التي حضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. من المؤكد أن قطر قد تأخرت في الحد من تمويلها للجماعات الإرهابية، ولا سيما التابعة للقاعدة السورية. ولكن معالجة متأخرة لهذه المشكلة ستكون أفضل بكثير من عدم وجودها على الإطلاق، وقائمة المطالب الخليجية توفر الفرصة لذلك.
مشاركة :