أزمة الدراما الأردنية.. مزمنة

  • 7/8/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عمّان: ماهر عريف مجدداً أخفقت الدراما الأردنية في تحقيق مركز متقدم بين أفضل الأعمال العربية التي تم عرضها في رمضان الماضي، في تذبذب يتواصل منذ سنوات، بعدما كانت في صدارة التفوّق عند المشاهدين سابقاً. سبب الفشل الجديد لا ينطوي فقط على تراجع عدد الأعمال المنجزة إلى 5 فقط؛ لأن مسلسلاً بدوياً عام 2006 وتاريخياً طُرح بعده، استطاعا انتزاع المرتبة الثانية والثالثة عند متابعين خليجيين وعرب، وفق استطلاعات إعلامية آنذاك. وجع الدراما الأردنية اليوم ينخر كافة أطرافها، ابتداء من الإنتاج، وصولاً للنصوص والجوانب الفنّية والتمثيل، الذي تعد عناصره الحلقة الأضعف نتيجة تملّصهم من المسؤولية. المعضلة بأطرافها السابقة تنسحب على إنجازات القطاع العام، ممثلاً في التلفزيون الأردني والقطاع الخاص، بشركاته المحدودة، ومحاولاته المنقوصة. القطاع العام ينتج كل عام منذ ثلاث سنوات مسلسلاً أو اثنين بتكلفة مادية شديدة التواضع، ويبدأ التصوير كل مرة متأخراً بسبب إجراءات بيروقراطية، تتعلق بموافقات رسمية على الموازنة، وبأجور زهيدة للمشاركين، وفي تجربتين على الأقل بينهما «العزيمة» العام الماضي، و«تل السنديان» هذا العام، كان النص رهن الأدراج ونُفضَ عنه الغبار، وأعيدت معالجته بما يتماشى مع البيئة البدوية والقروية على التوالي، واتفق قائمون على العملين أن «الورق» اعترته اختلالات لم يمكن تدارك بعضها.المشكلة في إنتاجات القطاع العام أكبر من ذلك، ولا تتوقف عند تقديم أعمال اجتماعية معاصرة دون بصمة لافتة، وطرح عمل قروي حصد هجوماً على الإخراج والإنتاج، والدخول في معترك البدوي دون تحريك خطوة واحدة للأمام، وبقاء جميع تلك الأعمال في إطار العرض على شاشة محلية غالباً، فهذا ليس كل شيء، إنما تتفاقم المشكلة بتكرار خلافات مبطّنة ومعلنة حول دواعي منح الأدوار لأسماء معينة دون غيرها، والحديث عن لعب المصالح والعلاقات الشخصية دوراً أساسياً في ذلك، وظهور سوء توزيع وتجسيد الشخصيات واضحاً على الشاشة، والهمس بتدخل كواليس انتخابات نقابة الفنانين في استقطاب ممثلين واستبعاد سواهم، والاعتماد على منطلق «التشغيل» بداعي المحسوبية تارة، وسوء الظروف المعيشية للبعض تارة أخرى، وليس المعيار المهني الخالص في «تسكين» الأدوار.هذه الخلافات التي تزداد وتيرتها عاماً تلو آخر، وتُبنى عليها حالة هجوم ودفاع بعد عرض الأعمال، أسهمت في إغراق الوسط الفني الأردني في «هوامش» تُضاف إلى معاناة الحركة الدرامية المتراكمة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، بسبب مقاطعة الأعمال الأردنية آنذاك، وانزواء جيل بأكمله خلف المرض والفقر والديون، وافتقاد جيل لاحق لأبسط حقوق الفُرص النوعية، وبقاء عناصره بالتالي رهن العطاء في دائرة مغلقة، ما عدا الذين خرجوا إلى مصر، وظهور مجموعات جديدة بينها من لم يدرس التمثيل، وبعضها تخرّج من كليات فنّية تجب مراجعة مناهجها وآلية الانتساب لها، ومشاريع طلابها النهائية، وتوضيح أساسيات الموهبة، وهناك وجوه «واعدة» ستضرب مستقبل المرحلة المقبلة في مقتل، إذا لم تُطوّر نفسها وتتعب كثيراً حتى تحصد القليل دون استعجال. أما القطاع الخاص فظلّ يراوح مكانه منذ 2011 تقريباً حتى الآن، بالتركيز على المسلسلات البدوية على اعتبارها «تجارة رابحة» ضعف تكاليف إنتاجها وأكثر؛ لأنها مطلوبة للقنوات الفضائية العربية التي تتحكم في تفاصيل التنفيذ.هذا القطاع استسلم تماماً ما عدا استثناءات محدودة للبقاء، رهن البيئة الصحراوية التي شيئاً فشيئاً جفّت موضوعاتها المتجددة درامياً، وأصبحت تجتر نفسها غالباً، ودخلت في عباءة النمطية المعتمدة على «ثيمة» الحب بين فارس و«ابنة شيخ»، تعترضهما خلافات عائلية ومتاهات الثأر والانتقام، ومعارك مفتعلة وحتى عندما حاولت تغيير «مشهدية» الصورة، جنحت إلى جماليات وإكسسوارات وملابس وأماكن وعادات لا تمت للبادية بصلة، وتحججت بالفانتازيا، لتمرير ذلك فواجهت اعتراضات إضافية.العاملون في الدراما الأردنية يتحدثون عن سحب بساط نوعها الاجتماعي المعاصر من تحت ثباتها السابق، وصعوبة استعادته طالما ظل رهن القطاع العام، ويعبرون أن عودة النوع القروي عبر تجربة يتيمة، لم تحقق فارقاً كبيراً كان مأمولاً، بعدما روّج له معنيّون في التلفزيون الأردني، ويؤكدون أن الدراما البدوية بدأت تستهلك نجاحها السابق وتتحول إلى «سدّ فراغ». الممثلون الحقيقيون هم الخاسر الأول؛ لأن الدراما بنتائجها المتواضعة تخلّفت عن إمكاناتهم، ولم تمنحهم ما يستحقون، لا نجومية ولا أجراً ولا تقديراً، والمؤسف اضطرارهم على الرغم من تفرّد مواهبهم، وثراء ثقافتهم المهنية، وتميز أدائهم عند مشاركتهم في أعمال خليجية وعربية من حين لآخر، إلى القبول بإطلالات لا تلبّيهم، ولا تدعم دفع مسيرة الفن المقيّدة بسلاسل لم تُفك حتى الآن.

مشاركة :