قيم الفروسية وعلوّ الهمة

  • 7/9/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ظاهرة متميزة في تاريخ الإمارات والشعر النبطي المعاصر، فهو قائد شديد النشاط، يسهم في سياسات المنطقة، ويقدم لوطنه كل يوم مشروعاً تنموياً باهراً جديداً، ويتابع من خلال جولاته الميدانية أعمال الدولة عن كثب، وهو فارس متألق معروف على مستوى عالمي واسع النطاق في مجال الفروسية والخيول الأصيلة، وهو في الآن ذاته شاعر متميز يسكن الشعر أقطار نفسه. وقد رأيناه في الآونة الأخيرة ينشر القصيدة تلو القصيدة على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، متفاعلاً مع وطنه وأمته بما يعصف بهما من الأحداث الجسام، فهو على الرغم من انشغالاته الكثيرة يدرك قيمة وأهمية دور الشعر في حياة الأمم، وأنه من العناصر الأساسية لتحفيز الأمم والارتقاء بها، ألم يقل أبو تمام قبل ألف عام: ولولا خلالٌ سنَّها الشِّعرُ ما درى                          بُغاةُ النَّدى من أين تُؤتى المكارمُ وقصيدة «خيل الليالي» التي نشرها اليوم هي من ذلك النوع بالذات الذي قلما نجده في شعرنا المعاصر، ولكنه ليس نادراً في شعر الشيخ محمد لعلو همته، ولأن شعره يعبر عن شخصية شاعر فارس يحتل موقعاً مهماً في صياغة القرار، ويذكرني شعره من ذلك الباب بشكل غير مباشر بالشاعر الفارس الأمير أبي فراس الحمداني، والشاعر الفارس الأسطوري عنترة بن شداد، وبشكل خاص بشاعرنا الحكيم الخالد أبي الطيب المتنبي الذي كان دائماً معتداً بنفسه وقيمه. وقصيدة «خيل الليالي» تقع في عشرة أبيات مطلعها: مـتـوقِّـفهْ خــيـلْ الـلـيالي عـلـىَ الـبـابْ                         أســمَـحْ لــهـا وإلاَّ أســـوقْ إعــتـذاري وكان المتنبي يكثر من ذكر الخيل والدهر مثل قوله: أُطاعِنُ خَيلاً مِن فَوارِسِها الدَهرُ                       وَحيداً وَما قَولي كَذا وَمَعي الصَبرُ والشيخ محمد يتحدث عن خيل الليالي أي الدهر، ولكنه لا يضطر إلى طعانها، بل هو في موقع المتحكم يسمح حيناً ويعتذر حيناً، طبعاً في حدود الإنسان المجتهد. ثم يقول: والـوقتْ مـتلوِّنْ مـثِلْ بـعضْ الأصـحابْ                        لــي ظَــنْ نـفـسهْ كـاسيْ وهـوهْ عـاري والـلِّـي إدخَـلَتْ فـجأهْ لـها وجـهْ كـذَّابْ                       مــتـعَـطِّـرَهْ يــاغــيـرْ مــنـهـا حــــذاري وهنا يقدم الشاعر صورتين جديدتين، فالصاحب المتلون يظن نفسه كاسياً وهو عارٍ، ولم يتحدث الشاعر عن ألوان الطيف، ثم يتحدث عن الوجه الكاذب، ولكنه لا يتحدث عن امرأة منمقة الوجه، بل عن متعطرة، فينقلنا من حاسة البصر إلى حاسة الشم، ولعل ذلك مما سماه النقاد تراسل الحواس، ويقول: ومـنـهو قــرا الـدِّنيا غـلَبْ قـاريْ كـتابْ                       وأنــــا كــسَـبـتْ الـمـعـرفـهْ بـإخـتـبـاري وهنا نرى الشاعر ينتصر للخبرة على العلم النظري البحت، ويذكرنا بقول أبي تمام: السيف أصدق أنباء من الكتبِ ثم يقول شاعرنا باعتزاز وشهامة: مـشـيتْ فـيـها بـسـيرةْ إقـرومْ وأنـجابْ                       وآدَلْ فـــــي لــيــلـي دلالـــــةْ نــهــاري مـايـهـمِّني الــكـذَّابْ لــهْ قـلـبْ مـرتـابْ                       ولاطـــرتْ لـــي مِـــنْ أمـــورَهْ طـــواري آخـالـفهْ فــي الــرَّايْ حـاوَلْ ولا صـابْ                      وأبـديـتْ لـهْ فـي الـلِّي يـقولْ إعـتذاري والــرَّايْ كـانـهْ وِعْــرْ مِــنْ يـتـبعَهْ خـابْ                      وأنـــا عـلـىَ نـهـجْ الـشِّـهامهْ مـسـاري فشاعرنا لا يقيم للكذابين وزناً ويخالفهم الرأي بصراحة وصدق ويشرح لهم النهج السليم القويم، أما المنافق ذو الوجهين فهو أكثر رفضاً واحتقاراً له، فهو لا يأبه بملاقاته أو عتابه، فشاعرنا واضح للكل لا يفرط في قيمه وشيمه، ويترفع عن أصحاب اللف والدوران مهما كان لهم من نفوذ، فيختم قصيدته هكذا: وما أحسِبْ لبوُ وجهينْ لوُ يكبَرْ حسابْ                      ولا ألــتــقــيــهْ ولا أبــــثِّــــهْ عـــتــابــي هــــذا أنـــا واضـــحْ لـلأبـعَـدْ ولــقـرابْ                        لـــي ســيـرةٍ مـتـعـلِّيهْ فـــي الـسِّـحابِ التحية مزجاة لشاعرنا الذي يعتز بقيم الفروسية التي طالما أثارت إعجاب المستشرقين بالشعر العربي الأصيل.

مشاركة :