شعراء ونقاد أردنيون يحتفون بتجربة الشاعر والروائي الراحل علي فودة

  • 7/9/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بمناسبة مرور 66 عاما على النكبة الفلسطينية، و35 عاما على استشهاد الشاعر والروائي علي فودة احتفى 23 كاتبا وشاعرا وناقدا أردنيا على طريقتهم بالمشاركة في رصد وتقديم تجربة فودة الشعرية والروائية، من خلال دراسات تتناول تجربة فودة فنيا وجماليا وموضوعيا، وقدموها في كتاب حمل عنوان "علي فودة.. شاعر الثورة والحياة" تقديم وتحرير: نضال القاسم، سليم النجار، ومن إصدار "الآن ناشرون وموزعون". يقول الكاتب سليم النجار إن الحداثة الشعرية فتحت في المشهد الشعري العربي، خلال السبعينيات من القرن الماضي، آفاقاً شكَّل فيها سؤال الهوية الضاغط من برزخ العروبة المحضة، أطيافاً تواشجت مع حركة الحداثة في الشعر العربي. عبر النزوع إلى صياغة جديدة بلغ منها هدير الخطاب الآيدلوجي، ما كان كافياً لتذويب الإبداع بتآكل راهنية الأحداث، وأفول أقطابها الرافدة. ويضيف: تحاول هذه القراءة لأشعار وروايات علي فودة أن تستجلي أهمية هذا الشاعر في الواقع الأدبي العربي المعاصر، كما أنها تحاول أن تقدمه إلى جيل جديد من القرّاء، وأن تتحرر من سطوة النقد الذي انصب، في فترةٍ ما، بغزارة على أشعاره ورواياته. وتقع تجربة "علي فودة" الشعرية في منطقة جمالية خاصة؛ فلطالما كانت مدار أطروحات نقدية في فحص الفضاء الشعري لصاحب: "فلسطيني كحد السيف"، و"قصائد من عيون امرأة"، و"عواء الذئب"، و"الغجري"، و"منشورات سرية للعشب". إن علي فودة شاعر الشارع، والتسكع في أزقة الكلمات التي جعلها تضاريس المدينة التي عاش فيها بدايات تجربته الإبداعية. وعمّان، بجبالها وأزقتها وشوارعها الخلفية هي مفردته اللغوية، التي صاغ منها إبداعاته الشعرية، واحتفى بأمكنتها؛ فكانت عنوان ترحاله بين جبالها السبع، التي احتضنت حكاياه، وعشقه المستور بين خفايا الأشرفية، ووسط البلد. ويلفت النجار إلى أن علي فودة هو ذلك الشاعر الذي اختلف حوله الكثير من الأدباء في عمّان، فمنهم من اعتبره شاعراً يبشِّرُ بميلاد مبدع يفجرُّ صمتَ المدينة، ويحرق خمولها، والآخرون اعتبروه متزيداً لا أكثر ولا أقل؛ وفي كلتا الحالتين فقد كان علي فودة بركاناً متفجراً، سريعَ الغضب؛ فمواقفه تعبرُّ عمّا في داخله، غير آبهٍ بردود الفعل التي تأتيه من هذا النهر الهادر. لقد تجوّل الشاعرُ في معالم عمّان، فكان مأمن أسراره أبا علي صاحب كشك الكتب الأشهر في وسط عمان، بجانب البنك العربي. تلاقيا في أكثر من قصة؛ فبقيت حتى كتابة هذه السطور خافية وغير معروفة؛ فأبو عليّ ما زال مصرّاً على الاحتفاظ بسرّ صديقه. تُرى، ماذا كان يدور بين الاثنين؟ هذا ما سيبقى من أسرار عمّان، التي عادةً ما تحتفظ بأسرارها، لكثرة زوارها وعشاقها وقاطنيها، ولكلٍ حكايته. وتبقى عمّان حارسة السرّ السرمديّ لكل من احترف الكلمة، واحترق بكتابتها. ويشير إلى أن بيروت كانت محطته الثانية، هاجر إليها، كما هاجر لعمّان، بعد أن كانت فلسطين مقرّه وحلمه، لكن الحلم على عادته يخون، ويعتاش على اسمه. وفي بيروت تنقّل بين ثقافة الرصاص وغابة الموت، ووضع من وجوده وردة تتنقل بين من يريد الحرية، ومن يريد العيش على الحرية. ورغم رقة المكان وحلاوة الأنثى إلا أن طباعه لم تتغير. أما تجربته الشعرية فقد تطورت، وأصبح الحلم الذي خانه في فلسطين حارساً لشعره في بيروت، لكن هذا المتسكع بين المدن العربية، لم يعرف أن هذا الحارس ما هو إلا مفتاح لقبره المنتظر. وفي بيروت كتب علي فودة الرواية، فكانت روايته "الفلسطيني الطيب" روايةَ حلمه الفكري والعقائديّ؛ فصاغَ من فقره أملاً لعلّه يجد بين ثنايا السطور وطناً من غير أثرياء، وانتقم منهم في صور روائية تفضح جشعهم؛ فجاءت صوره الروائية جملةً روائيةً، لفكرٍ لا يرى الأثرياء إلا وحوشاً يبيعون كلَّ شيء ولا يعرفون غير البيع. وفي بيروت أيضاً شكلّت تجربة جريدة "الرصيف" مرحلة مهمة في حياته؛ إذ كان من مؤسسيها مع صديقه القاص رسمي أبوعلي، ومع شعراء وكتاب عرب آخرين، و"الرصيف" كان لسان حالها يقول: "ويطولُ السُباتُ، ونحن نترك جماجمنا ملقاة في هيولي الهزيمة، معترفين ونحن بكامل قوانا العقلية والجسدية بأننا نعيش، وبكل مباهج الهزائم، غيبوبة التبعية". فكانت الرصيف بيان المقاومة ضد بيان الهزيمة، التي كانت تباشيره تطلُّ من أكثر من نافذة في بيروت. عندما قرّرَ علي فودة تبليغنا رسالتها: "حينها سنقلع عن كتابة الهزيمة، وسنتيقظ من غيبوبة التبعية". ويضيف "على كلٍّ، فقد كان علي فودة صوتًا شعريًا نافراً ينمازُ بالسهولة الممتنعة، والوضوح المقبول، والرقة الرائقة، لكنه، لم ينل حظه من الشهرة مثلما نالها الآخرون، وهيهات أن تجد في بيانه المحكم السبك ما يتجافى عنه الذوق السليم، وتنبو عنه النفس الشاعرة؛ ومردّ ذلك إلى مكونات الشاعر، من ثقافة واسعة متنوعة، وموهبة فطرية تفاعلت معها أسرار الحياة، فلا عجب وقد تكاملت له عناصر الشاعرية المبدعة أن يهيم في كل واد من أودية الشعر، وأن يصبح بحق دعامة راسخة من الدعائم التي ارتفع عليها صرح النهضة الأدبية المعاصرة. وقد راكم الشاعر علي فودة تجربة ثرية كماً وكيفاً، وهي، عموماً، تستمد نسغها من انفتاح الشاعر على ثقافات متنوعة، وإصراره على تليين تضاريس اللغة، وركوب غواربها؛ لإضاءة عتمات الروح، وأبهائها الداجية، ورغبته في تأثيث المتناقضات والمفارقات، والتوغل في متاهات القول بحثاً عن أصل الأشياء والطمأنينة المفتقدة". ويقول الشاعر والناقد نضال القاسم "كان لبروز حركة المقاومة الفلسطينية، وللمناخ السياسي الذي كان سائداً أواسط الستينيات من القرن الماضي تأثيرٌ كبيرٌ على الحالة النفسية والفكرية للشاعر علي فودة؛ فحملت قصائد مجموعته الأولى ملامح الهوية الفلسطينية المطاردة كشراعٍ في مهب الريح العاتية، وقد أشار أغلب النقاد في تلك الفترة إلى أن ديوان "فلسطيني كحد السيف" 1969 ينتمى إلى أدب المقاومة الذي ازدهر في تلك الحقبة، متقاطعاً مع نضالات المقهورين في مختلف أرجاء المعمورة، ضد المحتلين والمستغلين أينما وجدوا برؤية أممية إنسانية واجتماعية، وهو ديوانٌ يغلب عليه النمط الحكائي، واستخدام المصطلحات التي تعبّر عن مكوّنات تفكير الإنسان الفلسطيني، وتتخلله أسماء الشهداء والأماكن، ومن الأمثلة على ذلك قوله في قصيدة "فلسطيني كحدّ السيف": فلسطيني فلسطيني كحدّ السيف كالمنجل أصولُ، أجولُ، لا أسأل ومثل الشمس قد أرحل لدنيا الغرب.. للأجداد والمنهل وأصرخُ في الوجودِ أنا فلسطيني ... فلسطيني أقولُ أقولُ لا أخجل. ويضيف "بعد ذلك انضمّ علي فودة إلى رابطة الكتاب الأردنيين منذ تأسيسها عام 1973، وأصدر في تلك المرحلة مجموعته الشعرية الثانية "قصائد من عيون امرأة 1973، وفي عام 1974 صدرت مجموعته الشعرية الثالثة "منشورات سرّية للعشب"، بعد ذلك غادر الأردن متجهاً إلى الكويت التي مكث فيها فترة قصيرة، مُنتقلاً إلى بغداد ليعمل في إذاعة فلسطين، لسان حال تنظيم "فتح – المجلس الثوري" بزعامة صبري البنَّا "أبو نضال"، قبل أن يستقرّ به المقام أخيراً في بيروت، التي كانت محطته الأخيرة، حيث أصدر في هذه المرحلة ديوانه الرابع "عواء الذئب" 1977، وأصدر كذلك روايته الأولى "الفلسطيني الطيّب 1979، وصدر له أيضاً في هذه المرحلة ديوان «الغجري 1981 وهو ديوانه الشعري الخامس والأخير. وفي أغسطس/آب 1982 وإثر انفجار قذيفة إسرائيلية بالقرب منه في عين المريسة، استُشهِدَ الشاعر علي فودة بقذيفةٍ وهو يوزع جريدته اليومية "الرصيف" على المقاتلين أثناء الحصار، وأغمضَ العصفورُ المهاجرُ عينيه بعدما ملأ الدنيا صدحاً وغناءً وشعراً وحبّاً. أغمض عينيه ثم أسلم جناحيه للرياح العالية؛ لكي تحمله إلى حيث تطيرُ العصافير ولا تعود إلى أرضنا أبداً. وفي عام 1983، أي بعد عام على استشهاده، صدرت في بيروت روايته الثانية "أعواد المشانق". ويرى الناقد والشاعر مهدي نصير أنه حين كان يقرأ علي فودة ويعجبه "هذا التدفُّق اللغوي العالي وهذه الصُّور التي تقفز مجنونةً لا تضبطها بلاغة اللغة ولا إيقاع العروض الذي بقي علي فودة متمسِّكاً عفويَّاً بتفعيلاته التي طوَّعها ولم تأسره، وساقها لروحه ولم تَسقْه لبلادتها وكهوفها ورتابتها واستعدادها للانقضاض على القصيدة والتهامها قبل ولادتها، أو لتأكل لحمها الطريّ إذا وُلدت على حياءٍ بعيداً عن أوتادها القاسية. ويضيف "كنتُ أقول لنفسي إن علي فودة لا يكتب القصيدة، بل هي التي تفيض عن جرحه، وتتشكَّل في غابات حزنه، فيبرعمها لتحمل من بركان نيرانه الجوَّانية ومن أشواقه المريرة وخساراته ومراراته وأحزانه العُضال، وانكساراته المزمنة وخيباته المتراكمة وأفراحه المغدورة، وربما كان هذا التدفُّق الشِّعري هو ما ساعد علي فودة على الاستمرار والتحمُّل ومواصلة الموتِ البطيء الذي كان يعانقه صباح مساء، وعلى أرصفة المدن التي عشقها وخانته، والتي عبدها فأقصته بعيداً، وقرَّبت الأوغاد والجواسيس والعسسَ: فطوبى للغرباء! لا أكون مبالغاً أو بعيداً عن فهم قصيدة علي فودة إذا ما قلتُ إنه كتب قصيدةً واحدةً طويلةً هي ملحمة النضال الفلسطيني منذ النكسة 1967 وحتى الخروج من بيروت، حيث استشهد برصاص وقذائف الغزو الهمجيّ الصهيوني قبل الخروج الأسطوري للحلم الفلسطيني من بيروت". شارك في الاحتفاء بعلي فودة كل من: د. إبراهيم خليل، د.عـــز الدين مناصرة، أحمد الخطيب، علي البتيري، د. تهاني شاكر، غسان تهتموني، د. ثناء عياش، د. محمـد القواسمة، د. حسين جمعة، محمد خالد عبدالسلام، رسمي أبوعلي، د. محمد صالح الشنطي، سامح المحاريـق، محمد ضمرة، سليـم النجار، د. محمد مقـدادي، د. عبدالرحيم مراشدة، مهـدي نصيـر، د. عبــدالفتاح النجــار، نضال القاسـم، عبـدالله رضـوان، هاني أبـو نعيـم، د. هشام البستاني.   محمد الحمامصي

مشاركة :