سان مارينو... أقدم دولة وأصغر جمهورية برئيسين

  • 7/10/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يلفت اسم سان مارينو كثيرين، وبالكاد يأتي ذكرها في الأخبار. لكن نظام حكم هذه الجمهورية الأوروبية الصغيرة، الذي استلهمته من روح الأمبراطورية الرومانية، يجعل قوانينها ذات خصائص مثيرة للاهتمام بحق. فحين تزورونها ستكونون في دولة تملك رئيسي دولة لا يحكمان يملي العُرف عليهما عدم إجراء مقابلات إعلامية ومدة ولايتهما ستة شهور فقط، أي أنه يتعاقب عليها أربعة رؤساء سنوياً. أنتم في ربوع أول بلد ألغى عقوبة الإعدام ومحاط بدولة واحدة عضو في الاتحاد الأوروبي (إيطاليا) الذي هو ليس عضواً فيه. لا تتجاوز مساحتها 61 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها 33 ألف نسمة، لتكون بذلك الأقل لجهة عدد السكان بين أعضاء بلدان مجلس أوروبا. هي أصغر جمهورية في العالم تملك حدوداً برية مشتركة، وأقدم دولة ذات سيادة، إذ يعود تاريخ تأسيسها واستقلالها عن الامبراطورية الرومانية إلى أيلول (سبتمبر) 301. كما أنها صاحبة أقدم دستور لا يزال ساري المفعول سُنّ في القرن السادس عشر، وهو عبارة عن كُتبٍ باللغة اللاتينية بستة أجزاء. عيّن أول رئيس فيها في تشرين الأول (أكتوبر) 1243. ولمزيدٍ من التفرد، فإن الرئيسين اللذين يحكمانها حالياً منذ نيسان (أبريل) الماضي حتى تشرين الأول (أكتوبر) المقبل هما امرأتان. وأكثر من هذا، فإن إحداهما في الواقع أصغر رئيسة في العالم وهي فانيسا دي أمبروزيو وتبلغ من العمر حالياً 29 سنة، بينما يبلغ عمر «زميلتها» الرئيسة الأخرى ميما زافولي 54 سنة، وهي من مواليد إيطاليا. وأكد وزير خارجية سان مارينو نيكولا رينزي لـ «الحياة» أن لمنصب رئيس الديبلوماسية في بلاده دوراً حاسماً بالنظر إلى أن الحكومة مؤسسة جماعية لا يقودها رئيس وزراء. وقال إن لبلاده صلات ودية ومثمرة مع كل الدول الأوروبية تقريباً، وبخاصة إيطاليا التي تعتبر الشريك الأهم. وذكر أن لسان مارينو علاقات مع أكثر من 120 دولة، وهي عضو في الأمم المتحدة ومجلس أوروبا. ورداً على سؤالٍ لـ «الحياة» في شأن تنمية العلاقات مع الدول العربية، قال رينزي إن بلاده تنظر بعين الاهتمام والحرص إليها، ولذلك وقعت اتفاقات ثنائية لتعزيز العلاقات التجارية وتطويرها، مثل مذكرات تجنب الازدواج الضريبي وحماية الاستثمارات.   رئاسة مؤنّثة وتعتبر سان مارينو الدولة الرقم واحد في العالم في «تأنيث» الرئاسة، إذ تعاقب على المنصب 16 امرأة. وإن كان كل ذلك لا يكفي، فإن الرئيسين يختاران عادةً من الأحزاب المعارضة وينتخبهما البرلمان المسمى «المجلس العام والكبير» والمكون من 60 نائباً وتغلب على تشكيلته أحزاب يسار الوسط. ويعني ذلك أن أحزاب الائتلاف الحكومي، ولها حالياً 35 مقعداً، تصوت لمصلحة اختيار شخصيتين من المعارضة في موقعي الرئاسة. ووحدها سان مارينو تسمي الرئيس «كابتن ريجنت» أي «الزعيم الوصي على العرش». وعلى رغم أن المنصب شرفي، فإن مهمة الرئيسين هي تمثيل البلاد وضمان احترام الدستور ويتمتعان بحق النقض المتبادل في ما بينهما، ما يفنّد مقولة «كثرة الطباخين تفسد الطبخة»! ومع أنهما من المعارضة، فإن عليهما واجب الحياد. كما أنه لا يحق لأي منهما التصويت على قرارات البرلمان ومجلس الدولة المنبثق منه، على رغم نهما عضوان في البرلمان الذي يملكان حق حله. ويقرر مجلس الدولة الذي يعد بمثابة الحكومة، السياسات الخارجية والمالية والأمنية والمصادقة على المعاهدات الدولية. ويتكون عادةً من عشرة أعضاء هم نواب في البرلمان يعينهم زملاؤهم. وللأعضاء فترة ولاية مدتها خمسة أعوام، كما النواب، لكن يحق للبرلمان إقالتهم بتصويتٍ على الثقة. مدينة سان مارينو هي العاصمة، لكن أكبر المدن هي سيرافالي. وباستثناء الوضع الخاص للفاتيكان، فإن مدينة سان مارينو هي العاصمة الوحيدة في العالم المدرجة بأكملها، وليس مجرد شارع أو مَعْلَم ما، على قائمة منظمة «يونسكو» لمواقع التراث العالمي التي تضم أيضاً جبل «تيتانو»، وهو أعلى قمة جــبلية في ســـان مارينو ويقع مباشرةً شرق العاصــمة ويــحوي ثلاث قمم تضم كل منها برجاً للمراقبة.   خالية من الدين العام اقتصادياً، تقع البلاد في المركز الـ 13 في قائمة الدول الأكثر دخلاً بمتوسط دخل فردي سنوي يُقدّر بـ 45 ألف دولار أميركي. ويعتمد الاقتصاد على القطاعين المالي والسياحي. وهي من البلدان القليلة جداً التي لا يوجد فيها دَين عام. ويحتل جواز سفر سان مارينو المرتبة الـ 19 في العالم ويمكّن حامله من دخول 155 دولة من دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة. وأكثر من ذلك، فهي الدولة الوحيدة التي يبلغ عدد المركبات فيها أكثر من السكان، إذ يصل عددها إلى نحو 55 ألفاً. أسهل طريقة للوصول إليها هي عبر مطار «فيديريكو فليني» في مدينة ريميني الإيطالية الذي يبعد عنها 16 كيلومتراً فقط، ومن ثم ركوب الحافلة أو استئجار سيارة أجرة إيطالية، على اعتبار أن الحدود معدومة على رغم أنها ليست ضمن فضاء «شينغن». ولكن إن أردتم هدية تذكارية بكلفة لا تتجاوز 5 يورو، يمكنكم التوجه إلى مكتب السياحة للحصول على ختمٍ رسمي على جواز السفر. ويفخر سكان سان مارينو ببلدهم وعراقته وإرثه. ولعل أكثر ما يعبر عن هذه المشاعر مهرجان «أيام العصور الوسطى»، بنسخته العشرين صيف هذا العام، والذي يحوّل البلدة القديمة إلى مسرحٍ في الهواء الطلق ورحلةٍ لا تنسى عبر التاريخ. قد تكون سان مارينو أقرب إلى نموذج الدولة-المدينة، إلا أن مقولة الرئيس الأميركي الراحل إبراهام لينكولن لدى قبوله مواطنتها الفخرية لا شك صحيحة: «على رغم أن أرضكم صغيرة، فإن دولتكم مع ذلك واحدة من أكثرها تقديراً عبر التاريخ».

مشاركة :