باحث مغربي يطبق منهج التصديق والهيمنة في القرآن الكريم على سورة البقرة

  • 7/10/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الباحث د. صابر مولاي أحمد في كتابه "منهج التصديق والهيمنة في القرآن الكريم.. سورة البقرة نموذجا" الصادر أخيرا عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، أن العلاقة، التي أسسها القرآن الكريم، بما سبقه من الكتب، فيها اعتراف صريح وتصديق لتلك الكتب، وفيها، في الوقت ذاته، هيمنة على ما تتضمّنه تلك الكتب بفعل نسخ أحكامها وشرائعها، وتبيين ما تمّ إخفاؤه، أو تبديله منها، باطلاً وزوراً، والكشف عمّا تتضمنه من الحق. وقال إن جلّ مفسري القرآن أكدوا أنّ القرآن شاهد على ما قبله من الكتب السماوية، ومؤتمن عليها، على الرغم من وعيهم بهذا المعطى المنهجي الخاص بالقرآن دون غيره، لم يكرّسوا جهدهم في العمل على إظهار القضايا والموضوعات، التي عمل القرآن، من خلال سوره وآياته، على تصديقها، والهيمنة عليها؛ أي استرجاعها بمدخل نقديّ ينفي عنها ما لحقها من التبديل والتحريف. كما أنّهم، عند حديثهم عن موضوع التصديق والهيمنة، لم يشغلوا أنفسهم بالحديث عن الآليات، التي وظّفها أهل الكتاب في تحريفهم وتبديلهم ما جاءهم من الكتاب، والتي جاء القرآن على ذكرها. وعمل الباحث من خلال الكتاب على بيان أهمية الوعي المنهجي بموضوع التصديق والهيمنة في القرآن الكريم، وبين الخصوصيات المنهجية، التي اتصف بها الخطاب القرآني عن غيره من الكتب؛ من بينها أنّه خطاب عالمي يشمل كلّ الناس، كما أنه خطاب مفتوح على الكون والإنسان، فجلّ آيات القرآن الكريم تتحدّث عن الكون (عالم الطبيعة). وحديثه هذا يلتحم بما توصل إليه العلم في كثير من حقول العلم والمعرفة. ومن خصوصياته، كذلك، أنّه كتاب يتصف بالخاتمية؛ فالرسول الخاتم جاء بالكتاب الخاتم، فلا رسول، ولا كتاب، بعد بعثة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الخصوصيات المنهجيّة، التي خص الله بها كتابه "القرآن" دون غيره من الكتب. وفي تقديرنا أنّ هذه الخصوصيات، وغيرها، هي ما جعلت منه كتاباً يتّصف بالتصديق والهيمنة على ما قبله. وأجرى الباحث التطبيق حول ذلك على سورة البقرة مثالاً تطبيقياً، يظهر، من خلاله، بشكل جلي، الاسترجاع النقدي، الذي قام به القرآن، من خلال سورة البقرة، لما هو وارد في الكتاب المقدس حول قصّة الخلق، واستخلاف آدم، وغير ذلك، وقد بينّ الباحث وفقاً لمنهج المقارنة، ما أخفته وبدّلته نصوص الكتاب المقدس، وتمّ بيانه، وإظهاره من لدن الآيات القرآنية من الحقّ، الذي يعني الناس جميعاً؛ في موضوع يعنيهم جميعاً، وهو قصة أبيهم آدم. وقال "كلّ سور القرآن الكريم ينبغي أن يتمّ التعاطي معها وفقاً لهذه الرؤية والمنهج، ولاسيما التي تتحدّث عن القصص النبوي، بقصد تجلية نظرة القرآن لكثير من الحقائق التي تعني الناس جميعاً. على رأسها تاريخ الرسل والأنبياء ببيان حقيقتهم، والغاية التي بعثوا من أجلها، وهذه مهمّة الباحثين والدارسين، طمعاً في أن يكون القدر حليفاً لنا لنسهم بالقدر المتواضع في هذا الأمر. وأوضح أنّ هذا المنهج "منهج التصديق والهيمنة" ستزداد أهميته، بشكل أكبر، في الوقت الراهن وما بعده. وقال "نحن لم نأتِ في هذا البحث إلا على الجزء اليسير منه؛ ولهذا ينبغي على المتخصصين في الدراسات القرآنية وغيرهم في مختلف التخصصات العلمية؛ العمل على تقوية وتقويم أركان هذا المنهج، وتفعيل مداخله المعرفية، فهو المنهج المعوّل عليه في التأسيس للتعاطي العلمي مع النصوص المؤسسة للديانات السماوية بالوقوف عند نقاط التلاقي والاختلاف فيما بينها بشكل عام، وبشكل خاص، الوقوف عند المراجعات النقدية، التي يتضمنها القرآن الكريم في علاقته بما سبقه من الكتب، كما أنّ هذا المنهج معوّل عليه ليخرج التعاطي والتعامل مع القرآن الكريم من الفهم الضيق إلى الفهم الموسع، ومن الفهم المحلي إلى الفهم الكوني والعالمي". وأضاف أنه لا ينبغي فهم أنّ منهج التصديق والهيمنة ينحصر في علاقة القرآن بما قبله من الكتب، فحسب، بل يمتد إلى الكون بأكمله؛ فالقرآن الكريم كتاب مفتوح على الكون والإنسان؛ فنحن، اليوم، في حاجة إلى دراسات وأبحاث تتجلى، من خلالها، طبيعة التكامل المعرفي بين الحقائق الكونية في الطبيعة، وبين الحقائق والإشارات القرآنية. والعمل على بيان ما صدقه القرآن، وهيمن عليه في علاقته بالحركة الكونية. وهذا عمل لا يتأتى إلا لمن أوتي حظاً وافراً من العلم بالقرآن وحقائقه، والعلم بالكون وأسراره. وفي تقديمه للكتاب أكد د. سعيد شبار أستاذ التعليم العالي والفكر الإسلامي في الجامعة المغربية أن البحث في القرآن لم يأخذ نفَسه التجديدي الإبداعي بعد، وقال "ما زلنا، في معظم دراساتنا، عالةً فيه على غيرنا من سلفنا، الذين أدّوا كثيراً ممّا عليهم. فلم نستأنف النظر فيه، كما فعلوا، تدبراً وتفكراً، وفقهاً واعتباراً، وتعقلاً وإبصاراً... كي نضيف لبناتٍ جديدة في صرح هذا البناء، ونحرّك مساحات جديدة من منظورات مختلفة في عوالم الفكر، والمعرفة، والقيم، والعلوم، والمجتمع. لم نستثمر، في تدافعنا الثقافي والحضاري الراهن، الذي تقوده مركزيّات الهيمنة والتوسع، وفلسفات المتعة واللذة، من عطاء القرآن المجيد التقويمي للفكر والسلوك شيئاً، ولا من كونه كريماً معطاءً، ومجيداً متجدداً، وحقاً بيناً، ومصدقاً مهيمناً.. شيئاً كذلك يمكنه أن يغير، أو ينقل؛ من حال إلى حال آخر". وأشار إلى إنّ محدّد "التصديق والهيمنة" لا يشتغل في منظومة المفاهيم القرآنية مفرداً؛ بل في نسق من العلاقات مع سائر المفاهيم الأخرى إمداداً لها، واستمداداً منها. وهذه مسألة غاية في الأهمية؛ لأنّ كثيرين من دارسي مفردات ومفاهيم القرآن ينتقون آحاداً منها، ويدرسونه وحدة مستقلة، حيث يتمّ تغييب معانٍ ودلالات أخرى لها علاقة بسائر بنية المفاهيم، ومن ثَمّ يكون عرض ذلك المفهوم، أو تلك المفردة، أبعد ما يكون عن روح الإسلام، وإن زعم صاحبه أنّه يعالجه من منظور إسلامي. فهذه آفة كثير من القراءات "الإسلامية" ذات التوجه "السلفي" أو "الحركي"، حيث قد تصل بها الانتقائية، وعدم إدراك شبكة العلاقات المفهومية، إلى الخروج عن حدّ التوسط، والاعتدال، واليسر، والسماحة، إلى الإنكار على المخالف؛ بل وتبديعه وتفسيقه، و- لِمَ لا؟ - تكفيره، وقتاله كما في حالات الغلو والتشدد القصوى، كما نرى، اليوم، في نماذج "السلفية القتالية". ولفت إلى أن هذا "المنهج" يؤدي كذلك، إلى السقوط في فخّ «الشعارات»، التي ليس لها مضامين فكرية، أو واقعية مطابقة، أو إلى ثنائيات متقابلة تعاني في أطرافها اغتراباً في ماضي الأمة، أو في حاضر الآخر، وكلّها اختلالات تُعالج وتُقوّم بالردّ والإرجاع إلى نظام الاشتغال المنظومي لمفردات ومفاهيم الوحي الخاتم.   محمد الحمامصي

مشاركة :