لا تقصص رؤياك

  • 7/10/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا أنكر أن الكاتب الذي يستطيع أن يشدني لعالم روايته لمدة 100 صفحة يستحق أن أشكره، تمنيت لو استطاع فعلها لأنهي الرواية بالطاقة ذاته والشغف الذي أصابني وأنا أفتتح صفحاتها الأولى. تبدأ الرواية بداية مختلفة عن باقي الروايات، فيبدأ البطل بالحديث عن تفاصيل يومه؛ كمحاولة من الكاتب لجعل القارئ يفهم أسلوب عيش البطل، ويكون هذا الفصل كمرجعية للأحداث أو قاعدة تبنى عليها الحقائق، هنا يصيبك الملل وتشعر بالسأم من التفاصيل الزائدة، ثم فجأة -وبلا مقدمات- يجرك إلى عالمه وهو يتحدث عن الكابوس الذي يرويه البطل "بسام" الذي يستيقظ منه فزعاً بعد أن يموت ورحلة البحث عن تفسير لهذا الكابوس والوجه الذي يراه باستمرار، يلعب على وتر الفضول وإن كنتَ قد قضيت على فضولك منذ زمنٍ إلّا أنه ينجح في بثِّه من جديد، ليجعلك تفكر: ما هو تفسير كابوسه؟! تعتمد الرواية على طريقة سرد الأحداث بلسان الشخصيات، مرة بلسان البطل "بسّام"، ومرات أخرى بلسان من شاركوه الحكاية، هذا النوع من السرد يعطيك الفرصة لتفهم الأحداث من وجهات نظرٍ مختلفة من جهة، ويكشف بقية التفاصيل من جهة أخرى. في بداية الرواية، تشعر بأنك أمام رواية اجتماعية، أو ربما ستتحدث عن سيرة هذا الشخص، مع الوقت تتحول لرواية سياسية، تحكي عن أحداث سياسية حدثت بالكويت في عام 2010م. مما لا شك فيه أن المؤلف منذ بداية الرواية أشار إلى أمر هذه الأحداث والبرلمان وفساد أعضائه، والقبائل التي ترضع من الدولة ولا تشبع ولا تبلغ الفطام، لكن في منتصف الرواية تقريباً، يصبح الحديث عن الأحداث بتفاصيلها أكبر، ويدخل حيز الملل، هنا تحديداً تفقد شغفك في الرواية وتكمل؛ لأنك تريد أن تعرف ماذا حدث بعد ذلك. تعرض الكاتب للحديث عن حال المجتمع الكويتي وانقسام أفراده لسُنة وشيعة، وأثر ذلك على حظهم ومكانتهم في الدولة، ومحاولة كل فئة لتثبت أحقيتها.. كان الكاتب حيادياً حين تحدث عن الشيعة، ومع أن مذهب البطل في الرواية كان شيعياً فإنه تعرض لأشياء يفعلها الشيعة لا مبرر لها، كسبِّ الصحابة وكرههم لعمر وأبي بكر، كذلك زواج المتعة الذي يُرَوَّج له باسم دينهم! المشاكل التي تحدث عنها الكاتب في روايته كثيرة؛ منها إهمال الأولاد، تحكُّم الزوجة، نزوات الرجال، التحرش بالأطفال.. إلخ. لكن طوال الرواية ركز على فكرة الخيانة والتي سوَّق لها باسم الحب! وجعلها مستساغَة عند القارئ، بحيث يشفق على (ن) ويتمنى أن تختفي "نادية" وأبوها ليبقى "بسام" مع (ن). (ن) الشخصية المجهولة التي عرَّف عنها في بداية الرواية بأنها صديقة مقربة للبطل، ثم تتحول لحبيبة، تنتشل "بسام" من مرضه، وكوابيسه حيث يكون آخر كابوس رآه عندما كان معها! الخيانة أخذت أكثر من جانب بالرواية؛ فبالإضافة للخيانة الزوجية، كانت خيانة الصديق، "يوسف" صديق "بسام"، الذي بدأ يسمع لزوجة بسام (نادية)، حيث بدأت بالتواصل مع يوسف للشكوى من "بسام" ووضعه ومحاولة معرفة ما به، ولجمالها كان هذا الصديق يشتهيها! في طريق عرض جريء من المؤلف! ثم يتطور الأمر بينهما مع احتدام مكالمات الليل! المال الفيتامين المرادف لفيتامين (و) الواسطة، علّتان من علل المجتمع لا ينكر أثرها، فبالأولى تشترى الذمم وبالثانية تُرفع أقدار الناس وتُحط، وهذا ما أشار إليه الكاتب بالتصريح والتلميح، وكان من أظرف تعليقاته على المال، أن المال جعل ذاكرة كبار القبيلة نشطة، وتذكروا قرابات تمدهم بأشخاص انتسبوا حديثاً للقبيلة؛ في إشارة ذكية من الكاتب إلى ضياع حقيقة أنساب الداخلين على القبائل والمستظلين باسمها، دون معرفة حقيقية بتاريخهم، أو عوائلهم الأصلية! "عبد المحسن"، الشخصية الغائبة، ابن بسام، كان دوره مهمَّشاً جداً في الرواية، فبالكاد يقدم الكاتب على ذكره، مع أنني كقارئة تمنيت لو أن الكاتب عرض جانباً من الأحداث بلسانه، فالولد المهمل الذي أصبح شاباً يستحق جانباً من التركيز. نواف الذي ظهر فجأةً بالرواية بطريقة غير موفَّقة كان هو حل الكابوس واللغز الذي يخنق "بسام"، ورغم تشابك الخيوط في قصته، وتحول الرواية عنده لرواية بوليسية فإن قصته قدمت الجانب المظلم والفاسد من الشرطة، فـ"مجبل" الضابط الذي استغل صلاحياته لتصفية حساب شخصي من "نواف"، وتعذيبه بتهمة لا يعرفها المتهم، واستخدام قوته ونفوذه ليخفيه عن الأرض من دون أدنى خوف من عقوبة، كذلك خَطْف (ن) -التي كانت زوجته سابقاً- وتعذيبها في أقبية بعيدة عن مرأى العالم، كلها تشير إلى الفساد في سلك الشرطة والذي لا يعرفه إلا من عاشه. تفسير الرؤيا بين الشيخ المفسر أو المشعوذ كما كان يحلو لـ"يوسف" تسميته، والطبيب النفسي- لم يأخذ حقه، بداية الرواية أخذت منحى جميلاً حين أصبح الصراع في نفس "بسام" بين رأي العلم، ورأي الدين، ثم لم يطل به المقام ليختفي فلا هذا أعطاه الحل المنطقي، ولا ذاك، ولم يعد على ذكرهما إلا عندما تحدث عن الندوة السياسية التي حضرها. فَتح كُثير من الأبواب يستوجب منك مهارة في الإغلاق، تحتم عليك احترام عقل القارئ وإدراكه، لم يكن حل العقدة منطقياً ألبتة، خاصة حين انتهى كل شيء بموت "نواف"، وهرب (ن)، لا تنتهي القصص المعقدة بهذه البساطة، وإن أردت رأيي فالقصص السياسية المعقدة في بلادنا العربية لا تعرف النهايات. ما أشكر الكاتب عليه حقاً، أسلوبه السلس الذي حوى نغمة تهكم في بداية رواية اختفت في منتصفها، أسلوب يجعلك تقرأ دون أن تشعر بثقل اللغة أو ركاكتها، يصف كل شيء وفق ما يستحق. الأمر الآخر الذي شدني جداً وجعلني آخذ اقتباسات عديدة من الرواية، هو الحِكم التي تأتيك بين السطور، تستطيع معها استيعاب الموقف وتترك أثراً في عقلك لا يمحى.. في النهاية؛ ما كُتب هنا رأي شخصي من قارئة استمتعت لحد لا بأس به فيما قرأت.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :