محور نيودلهي وتل أبيب يتوج مخططات إسرائيل "للفوز" بالهند بقلم: عدلي صادق

  • 7/10/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محور نيودلهي وتل أبيب يتوج مخططات إسرائيل للفوز بالهندأعلنت زيارة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي عن تحول تاريخي لموقع الهند في خارطة التحالفات الإقليمية وسياساتها الخارجية، فبعد عقود من تزعم كتلة عدم الانحياز وما أنتجته من تقارب مؤثر مع القضايا العربية اتجهت بوصلة نيودلهي صوب تل أبيب تجسيدا لمصالح سياسية واقتصادية متبادلة.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/07/10، العدد: 10687، ص(6)]بوصلة الهند في اتجاه تل أبيب أعلنت زيارة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي عن تحول تاريخي لموقع الهند في خارطة التحالفات الإقليمية وسياساتها الخارجية، فبعد عقود من تزعم كتلة عدم الانحياز وما أنتجته من تقارب مؤثر مع القضايا العربية اتجهت بوصلة نيودلهي صوب تل أبيب تجسيدا لمصالح سياسية واقتصادية متبادلة. القاهرة - في كلمة الترحيب الأولى، التي ألقاها لدى استقبال رئيس وزراء الهند نارندرا مودي في المطار، قال بنيامين نتنياهو إن إسرائيل انتظرت هذه الزيارة لسبعين عاما. ولم يكن نتنياهو في هذه المناسبة معنيا باستذكار الاستراتيجية التي صاغها ديفيد بن غوريون منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي، عندما اخترع تعبير “عقيدة الأطراف” التي تقضي بالتوجه إلى الفضاء الذي كان بن غوريون يراه ضروريا لإسرائيل، لكي يساعدها على التنفس، وتمثله دول وازنة، في الجوارين الإقليمي والآسيوي للعالم العربي، وهي تركيا وإيران والهند. أيامها، أفلح بن غوريون في استقطاب تركيا، ونسج مع إيران علاقات متينة، لم يكن هناك أدق من وصف الشاه محمد رضا بهلوي لها، جوابا على الإلحاح الإسرائيلي بإشهار العلاقة، إذ رد بصيغة الاستفهام التقريري “أليس العشق ألذ من الزواج؟”. في تلك الفترة، لم يفلح بن غوريون في كسب ود جواهر لال نهرو، لثلاثة أسباب، الأول هو موقف المهاتما غاندي الصارم ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، والثاني هو العلاقة الناشئة بين جمال عبدالناصر ونهرو، وهي علاقة نشأت حتى قبل تشكيل حركة عدم الانحياز. والسبب الثالث أن نهرو كان يعارض قيام أي دولة على أساس ديني، قياسا على الحدث الباكستاني، ويرى قيام دول من هذا النمط كوارث من صنع بريطاني. لكن نهرو حاول التوسط عندما أجاد عبدالناصر اللعب على العنصر الإنساني الذي يمثله حق اللاجئين الذين طردوا من ديارهم في العودة، واللعب أيضا على حساسية نهرو من النزعة الدينية العنصرية، وثقة عبدالناصر بأن صاحبه سوف يلمسها عند بن غوريون. ولأن عودة اللاجئين مطلب محق ووجيه، فقد حمله جواهر لال نهرو إلى بن غوريون، وكان موقف الأخير ضعيفا أمام الطلب وحامل الطلب، وحدث أن وافق في المساء على عودة 100 ألف فلسطيني من 800 ألف لاجئ وقتها، لكنه في الصباح الباكر أبرق لنهرو يقول “لم أنم طوال الليل، أرجو أن تنسى ما قلته بالأمس”. بناء على ذلك، امتنعت الهند عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. في البداية افتتحت مكتبا قنصليا تجاريا لها في مومباي، لكن تطورات السياسة في ظروف الحرب الباردة جعلت المكتب مهملا كأنه لم يكن، وقد استمر ذلك حتى العام 1992 عندما تأسست العلاقات مع بدء مسار التسوية، وانفتحت إسرائيل على الهند وبدأت تحث الخطى لتكوين الشراكة مع الحكومات المحلية. وقد شهد ذلك السياق زخما مع تولي ناريندرا مودي رئاسة حكومة ولاية غوجارات في العام 2002. فالرجل ذو النزعة الأصولية الهندوسية والعنصرية المتطرفة انفتح له المجال لقيادة الدولة العلمانية نتيجة تلكؤ وشيخوخة وترهل حزب المؤتمر الحاكم، وهو حزب الحركة الوطنية التاريخية حليفة حركات التحرر في مسائل التنمية ومحاربة الفساد والتخلص من الشخصيات التي أساءت لتاريخ الحزب.الصوت الفلسطيني يصرخ مجددا ويرفض توقيع الهند اتفاقيات مع إسرائيل تحولات متسارعة في الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي إلى إسرائيل، أمضى مودي وناتنياهو معظم الوقت مع بعضهما يتنقلان ويتحركان في ما يشبه الصديقين. كما وقعا اتفاقيات في مجالات التعاون العلمي والتقنية، والفضاء والصناعات العسكرية والمياه، وقد تم الإعلان عن رفع مستوى الشراكة الاستراتيجية، وخاطب مودي الإسرائيليين من أصل هندي في تل أبيب، ووعدهم بتسهيل آليات التواصل مع مناطقهم في الهند وإعفائهم من التأشيرة وغير ذلك. وبالنسبة لقضية فلسطين سجل نارندرا مودي إشارتين سلبيتين، الأولى الامتناع عن زيارة الأراضي الفلسطينية والاطلاع على واقع الاحتلال، والثانية الاقتصار في البيان الختامي على فقرة قصيرة تدعو إلى استئناف العملية السلمية، دون الإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة والمرجعيات والإطار العام للنزاع برمته. لخصت زيارة رئيس وزراء الهند اليمني الهندوسي مستجدات الواقع الهندي، الذي أصبحت فيه الحكومة لا تراعي مشاعر جمهور عريض، تربى على ثقافة حزب المؤتمر. كان المدخل الأوسع لعلاقات إسرائيل مع الهند هو ولاية غوجارات، شمالي شرق الهند، التي كان نارندرا مودي رئيسا لحكومتها المحلية. فقد دخلت الشركات الإسرائيلية الكبرى ليشمل نشاطها معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية، من إنتاج الماس إلى تحلية مياه البحر، مرورا بأعمال البنية التحتية للموانئ والمشروعات الزراعية وتقنياتها، وانتهاء بالتعاون الشرطي والأمني. وقد ترسخت هذه العلاقات أكثر فأكثر مع عموم الهند، عندما أصبح مودي رئيسا لوزراء الهند. كانت لافتة، البهجة الإسرائيلية بدفع العلاقات مع الهند قدما. وكان كل شيء مدروسا في الخطة الإسرائيلية للفوز بالهند، والاستفادة من عجز العرب عن ربط التعاون الاقتصادي بالسياسة، بل وعجز الإيرانيين، عن ربط مصالحهم الهائلة مع الهند بالموضوع الفلسطيني وبالموقف من القضايا العربية. وفي البداية كان خيار الدولة العبرية أن تفتح الثغرة الكبيرة في جسم الهند من خاصرتها الشرقية العليا، وهي ولاية غوجارات، وقد استندت في ذلك إلى ملمحين ديموغرافيين، كان فيهما لنارندرا مودي “مأثرته” السبّاقة المطمئنة لإسرائيل: الأول هو ما يقال عن عدائه اللافت للمسلمين الذين يمثلون الثقل المساند للقضية الفلسطينية. أما الثاني فهو وجود أقلية يهودية كان مودي “حنونا وكريما” معها، حسب تعبير سفير إسرائيل لدى نيودلهي ألون أوشبيز. عندما تسلّم نارندرا مودي رئاسة حكومة ولايته وضع مسألة التنمية نصب عينيه، وجعل النهوض بالولاية هدفه لتأسيس أنموذج تنموي مميز تتمناه كل الولايات الهندية، الأمر الذي يسهّل عليه شق الطريق إلى رئاسة الحكومة الاتحادية في عموم الهند. واجتمعت مصادفات عديدة وفرت المناخ لإسرائيل لكي تلعب لعبة الشراكة الأمنية مع الهند في مكافحة “الإرهاب”، لعل أسوأها الهجوم الإرهابي الكبير في مومباي (26 /11 /2008)، فقد كان من أفدح نتائج ذلك العنف الأعمى، أن افتتحت إسرائيل لصناعاتها العسكرية سوقا واسعة، كان الأوفر ربحا منها هو الأقل كُلفة: أنظمة مراقبة ورصد للشواطئ، وأسلاك شائكة بمجسّات رصد إلكتروني، أوهمت الهنود أنها ستكون سياجهم الواقي من تسلل إرهابيين من باكستان، وطائرات دون طيار.استراتجية الأطراف تهدف إلى الالتفاف على الحصار العربي لإسرائيل والتوسع إقليميا في أفريقيا وآسيا ولأن التعاون يجر التعاون، فقد توسعت المبيعات الإسرائيلية ذات الطابع العسكري والأمني لتشمل الصواريخ وأنظمة التسليح للسفن وللطائرات، قبل أن يتطور الأمر إلى مشروعات صناعية عسكرية مشتركة في مجال الصواريخ الباليستية. وبدأ في موازاة ذلك بالطبع التوغل الإسرائيلي الأعمق في الهند بعناوين مشجعة للهنود كنقل التقنية الزراعية الإسرائيلية إلى القطاع الزراعي الهندي من خلال تأسيس مركز زراعي تطبيقي خصصت له مساحات كبيرة من الأراضي يتدرب فيه الهنود على التقنيات الإسرائيلية الزراعية، وحقق ذلك المركز نجاحا كبيرا استحث المزيد منه، ليصبح هناك خلال عامين عشرون مركز إنتاج زراعي في عشر ولايات هندية. تشبيك العلاقات دعت الشركات الهندية إلى الاستثمار في حقل الغاز الطبيعي الذي اكتشفت كميات منه في البحر المتوسط، قبالة سواحل فلسطين المحتلة ولبنان. وقد بشر الإسرائيليون الهنود بأن إسرائيل ستكون واحدا من أكبر مصدري الغاز، إذ يتوقعون أن يكون المتاح لهم، تحت مياه البحر، نحو سبعة مليارات برميل، من حقل واحد قبالة حيفا، وسيكون 60 بالمئة من إنتاجه كافيا لتغطية الاحتياجات الإسرائيلية المحلية، ويُصدر 40 بالمئة، ووعدوا بأن تكون الهند من أكبر المستوردين. واشترطوا على الهنود، على هذا الصعيد، ألا تكون الشركات على علاقة من أي مستوى بإيران، علما بأن إيران لم تشترط شيئا على الهنود يتعلق بإسرائيل، وهذا مؤشر آخر على بؤس الأجندة الإيرانية، فضلا عن بؤس العمل العربي في الهند، وننوّه بأن إيران تغض الطرف، تماما، عن التوغل الإسرائيلي في القارة الآسيوية، لا سيما في الهند التي تُعد إيران شريكا تجاريا مهما لها.ما فتح الباب لعلاقات إسرائيلية هندية هو ما استجد من مواقف لبعض الدول العربية فعندما أرادت طهران أن تعمل ضد إسرائيل في الهند، لجأت إلى وسيلة حمقاء، وهي تنفيذ محاولة اغتيال لسيدة دبلوماسية من البعثة الإسرائيلية في نيودلهي. وجاءت النتائج والحيثيات خائبة بامتياز، بل إن الإسرائيليين استخدموا الحيثيات الدرامية للواقعة لاستدرار عطف الهنود، إذ قيل إن السائق الهندي الذي يعمل في خدمة السيدة الدبلوماسية الإسرائيلية افتداها، وعرّض حياته للخطر، فامتزجت، حسب التفسير الإسرائيلي، روح نكران الذات والإيثار في العلاقات الهندية الإسرائيلية “في مواجهة الإرهاب في دلهي والقدس وفي مومباي وتل أبيب”. اليوم، تقوم بين الهند وإسرائيل علاقات أعمق من تلك التي كان يحلم بها ديفيد بن غوريون مؤسس الدولة، والذي كان قد ابتدع في مستهل عقد الخمسينات، ما سماه “عقيدة الأطراف”، أي أن تتجاوز إسرائيل الحصار العربي عبر تأسيس صداقات مع دول آسيوية وأفريقية لتحسين البيئة الاستراتيجية والجيوسياسية، وبذل محاولات مضنية مع الهند التي صوتت في 1947 مع الدول العربية ضد قرار التقسيم رفضا لقيام دولة إسرائيل، إذ منيت محاولات وفد الوكالة اليهودية التقرب من الوفد الهندي بفشل ذريع. وبعد إنشاء إسرائيل ظل الهنود يرفضون الاعتراف بها، وعلل جواهر لال نهرو موقفه، وهو معارضة الهند لاقتلاع العرب الفلسطينيين من ديارهم، بتجاوز إسرائيل الخطوط المحددة لها في قرار التقسيم، ولأنها دولة قامت على أساس ديني، وهي جزء من الحركة الاستعمارية الغربية. لكن ما فتح الباب لعلاقات إسرائيلية هندية هو ما استجد من مواقف لبعض الدول العربية، وللفلسطينيين أنفسهم الذين دخلوا في عملية تسوية مع إسرائيل على قاعدة الاعتراف بها. حتى ذلك التاريخ، لم تستطع إسرائيل، على الرغم من الضغوط، الاستحواذ على موطئ قدم في الهند يزيد عن قنصلية منعزلة ذات طابع تجاري في مدينة مومباي، لكن اتفاق أوسلو فتح الباب لإسرائيل. اليوم يستوطن الإسرائيليون الأراضي المحتلة عام 1967، وتجاوزوا الخطوط بعد الخطوط، فيما العلاقة الهندية الإسرائيلية تفتح خطوطا تجرّ خطوطا أخرى في الهند. فقد تأسس التحالف، ولم يعد هناك ما يفعله حزب المؤتمر لو عاد إلى الحكم، لأن حكومات العالم الإسلامي لم تتخذ موقفا مبدئيا دفاعا عن قضاياها عند الهنود. لقد خسر العرب والمسلمون الهند بتقاعسهم، وربحها نتنياهو بحركته الدؤوبة دفاعا عن قضايا ملفقة وساسيات عنصرية مدانة. كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :