هبة طوجي أعادت إلى اللبنانيين في «أحدب نوتردام» ما افتقدوه من فنّ أصيل

  • 7/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استمتع اللبنانيون بأداء محترف للفنانة اللبنانية هبة طوجي خلال متابعتهم للمسرحية الغنائية العريقة «أحدب نوتردام»، التي استضافتها «مهرجانات جونية الدولية»، في برنامجها الفني لهذا الصيف. وخلال نحو ساعتين من الوقت تخللها استراحة قصيرة (20 دقيقة)، شاهدوا ابنة بلادهم فنانة عالمية تقف على خشبة المسرح بين مجموعة من الممثلين والراقصين المحترفين (تجاوز عددهم الـ20 فناناً)، لتسرق الأضواء بحرفيتها في الغناء وبحركتها الديناميكية التي فاض زخمها ليتجاوز حدود الخشبة، ويلامس جبال لبنان وبحره اللذين شكّلا حدود البقعة التي يجري فيها الحدث.تفاعل اللبنانيون مع هذا العمل الغنائي الضخم (يتألّف فريقه من نحو 70شخصاً)، منذ لحظاته الأولى عندما صدح صوت الكندي الفرنسي ريشار كاريست (مجسداً دور الشاعر غرينغوار) بأغنية المسرحية الشهيرة «لا كاتيدرال»، مرددين كلماتها حيناً، ومصفّقين لغنائه الرائع حيناً آخر. وكان هذا المشهد بمثابة المكتوب الذي يقرأ من عنوانه؛ لما حمل من مشهدية غنيّة في ديكوراته الضخمة المؤلّفة من جدران الكاتدرائية القديمة وشبابيكها المسلّطة عليها أضواء خافتة يتنقّل في كواليسها فرولو (رئيس شمامستها)، متخفّيا بعباءته السوداء. كما تألّق في العمل فريق الراقصين الذين راحوا يتدحرجون على خشبة المسرح بحركات بهلوانية لافتة تبرز لياقتهم البدنية من ناحية، وتضيف إلى حيثيات العمل عنصر المستوى الرفيع طيلة فترة العرض. وعند إطلالة هبة طوجي في دورها (أزميرالدا) مجسدّة شخصية الفتاة الغجرية التي قصدت باريس مع زمرة من شعبها اللاجئ علا تصفيق الحضور مهللا بها، ولتبدأ مجريات قصّة تعود إلى الأديب الفرنسي فيكتور هوغو الذي كتبها في عام 1832، مبرزا فيها مواقفه الواضحة ضدّ الظلم والتمييز العنصري، منصتاً لأوات المحرومين والضعفاء تنتهي بموت أزميرالدا بعد أن تعرّضت لمؤامرة حيكت ضدها فيما وقع في حبها الثلاثي (فوبيس وفرولو وكازيمودو).وكان تقديم هذا العمل الغنائي مع هبة طوجي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، الفائت على مسرح قصر المؤتمرات في باريس بمثابة العودة الكبيرة لهذا العمل بعد غياب دام 15 عاما عندما جسّدت يومها المغنية الفرنسية إيلين سيغارا دور (أزميرالدا).هبة طوجي التي أدت دورها طيلة وقت المسرحية حافية القدمين (تماشيا مع طبيعته كغجرية) بدت واثقة من خطواتها في هذا العمل الذي استطاعت من خلاله، أن تحوّل أنظار العالم نحوها في أهم وسائل الإعلام الفرنسية بـ(صاحبة الحضور الخارج عن السيطرة)، فأن ترقص وتغنّي في آن وتتنقّل في أرجاء المسرح بخفّة الملائكة لهو أمر أبهر مشاهديها لا سيما أنها استطاعت أن تلامس أحاسيسهم إن في اللوحات الرومانسية المشّبعة بالأنوثة والإغراء (خلال مشهد استحمامها)، أو تلك التي برزت فيها ملامحها الطفولية البريئة والحنونة عندما عطفت على «أحدب نوتردام»، وقدّمت له المياه رافضة الخنوع لإرادة رئيس الشمامسة الذي أراد تعذيبه. كما استطاعت في المقابل أن تكون الفتاة الشرسة والقاسية والثائرة ضد الظلم وأزلامه أثناء فترة خطفها وسجنها بعد أن اتّهمت في قتل أحد رجال الدولة من خلال مؤامرة تعرّضت لها. وفي المشهد الذي تضمّن الحكم عليها بالإعدام شنقا، ساد الصمت بين الحضور الذين راحوا يتابعون تفاصيله ثانية بثانية من على خشبة المسرح حينا، وعبر شاشتين عملاقتين ثبّتتا على جانبيها حينا آخر، ناقلة ملامح الممثلين بوضوح وعن قرب لمن يجلس في المقاعد الخلفية. فعرفت أن تشدّ الناس بأداء الممثلّ المحترف المتحكّم بأحاسيسه عندما تجمّد جسدها بسبب رهبة اللحظة، ولتخترق فضاء النجومية بانفعالات المرأة الحرّة التي انتفض واهتزّ جسدها حزينا تارة وفرحا بلقاء الموت بعيدا عن العبودية تارة أخرى.وفي اللوحات الغنائية التي أدّتها بإحساس عال فرديا وكذلك ثنائيا وجماعيا أحيانا كثيرة، أبدعت هبة طوجي في تحميل مشاهدها جرعة الفنّ الأصيل التي نفتقدها على ساحتنا حاليا، من خلال أغان صارت تذاع اليوم بصوتها في العالم أجمع أبرزها «آفي ماريا» و«العصافير التي نضعها في القفص» (les oiseaux qu’on met en cage) و«vivre» التي بقي يصفّق لها الجمهور طويلا حين أدّتها.أمّا باقي فريق العمل والمؤلف من عرّابه دانيال لافوا (مجسد دور رئيس الشمامسة حتى في النسخة القديمة للمسرحية)، وأنجلو ديل فيكيو الإيطالي (مجسد دور كازيمودو أو أحدب نوتردام)، إضافة إلى كلّ من مارتان جيرو (الضابط فوبيس)، وجاي (مغني من جزر الانتيل جسّد دور زعيم الغجر)، والبلجيكية ماري جانسنز (تؤدي دور خطيبة الضابط)، فشكلّ بالانسجام الذي ساد جميع عناصره وقدرات أصواتهم الرائعة عملا مسرحيا خارقا ضبط إيقاعه بجدارة المخرج (جيل ماهو) وكتب أغنياته (لوك بلاموندون) ولحّنه (ريشار كونشيانتي) وأنتجه (شارل ونيقولا تالار) ووقّع أزياؤه (فريد ساتال). وكان للديكورات المستخدمة فيه (لكريستيان راتز) وقعها الإيجابي على الجمهور الذي لفته كيفية تقديمها بتقنية متطورة توازي بأهميتها أضخم الاستعراضات العالمية التي تنتمي إليها (أجراس ضخمة وأعمدة متحركة وأسقف مجهزة بقطع ديكور تتدلّى منها لتظهر وتختفي على المسرح بحرفية بالغة).وفي الختام وقف أبطال المسرحية وفريقها الراقص على الخشبة يؤدون التحية لجمهور غفير بادلهم الاحترام وراح يصفّق ويرددّ كلمة «برافو» لدقائق طويلة إعجابا به، ما لبث أن قطعها أداء منفرد لريشار كاريست لمقطع من أغنية (la cathedrale) من دون موسيقى، طالبا من الحضور مرافقته بها، فراح هذا الأخير يشاركه الغناء بحماس مما انعكس فرحا على فريق المسرحية بأكملها الذي أخذ بدوره يصفّق للجمهور ويرسل له قبلات الشكر تعبيرا عن امتنانه له.واتسّمت أجواء مهرجانات جونية الدولية بالمهنية الرفيعة المستوى، التي ترجمت بأرضية ومسرح ضخمين وفّرتا لهذا العمل متطلّباته على أفضل ما يرام. كما اتّسم تنظيمها بالدقّة بعد أن فرزت لروّادها، إضافة إلى وسائل نقل أوصلتهم إلى مكان الحدث براحة ورفاهية، منطقة ضيافة خصّصت لاستقبالهم بحرارة ولطف من قبل فريق عمل المهرجان. فكانت بمثابة واحة استراحة التقى فيها الناس بالفريق المنظّم في دردشات جانبية كما تناولوا خلالها عصائر وطعام وحلويات الـ«أهلاً وسهلاً» المعروف بها وجه لبنان السياحي من ناحية أخرى.وعاد اللبنانيون أدراجهم وهم منتشين بتداعيات عمل ضخم تطلّب من أصحابه تمرينات مكثّفة، وقدرات فنية عالية، سبق وشاهده الملايين في فرنسا وتايوان وبلجيكا والعالم أجمع. وبعد أن تنتهي هبة طوجي من تقديم سلسلة أعمال فنية لها أبرزها «10» الذي ستشهده «مهرجانات الأرز الدولية» في 5 أغسطس (آب) المقبل، تخليدا للسنوات العشر التي جمعتها فنيا بالموسيقي أسامة الرحباني، ستعود لتنطلق من جديد في مسرحية «أحدب نوتردام» ضمن جولة فنية في فرنسا ابتداء من 13 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ولتنتهي في 23 ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي. وهي تشمل مسارح فرنسية معروفة (نانت وكاين وقصر المؤتمرات في باريس وزينيت إرينا واميان وأوفرن).

مشاركة :