لم يكن الروائي كمال الرياحي من المثقفين الذين يغلقون أبواب الفعل والتأسيس في واقع ثقافي يكسوه الكثير من الاحباط والدسائس وتعطيل الإبداع الحق، في واقع يعاني فيه الكتاب من التهميش ومن غياب الدعم اللائق من المؤسسة الثقافية الرسمية التونسية، فالأولوية للسينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقى، أما الانشطة الادبية فهي غير موجهة بالشكل الكافي في اطار ملتقيات ومهرجانات غير مدروسة، يذهب فيها الدعم المالي عن طريق الجمعيات لغير التونسيين خاصة، ويقع خلاص التونسيين عن طريق عقود مذلة طويلة المدى يمضي عليها المبدع وهو لا يعرف ان كان سينال مستحقاته بعد أشهر أو عام أو سيقع عدم حصوله على منحته. كمال الرياحي روائي وقاص ومدير مؤسسة ثقافية هي دار الثقافة ابن خلدون وعمل بالإعلام الثقافي المرئي والمسموع وكتب في الصحافة العالمية والعربية والتونسية وشارك في الكثير من الندوات المهمة على صعيد دولي وعربي، وهو مهووس بالنشاط الثقافي المسطور بدقة، الهادف، المؤسس للبديل الثقافي الجاد والمفيد. ونذكر أنه أسس نوادي أدبية عديدة مثل "ناس الديكامرون"، "نهج السرد"، "الحلبة السردية"، "راعي النجوم"، "بيت الخيال"، شعاره "المتشائمون وقود اليأس"، والأفكار وليدة الخبرة والممارسة الثقافية، وأنه يؤسس للمعرفة غير عابئ بلؤم البعض أو تفويت فرص الخلق والعطاء في جلسات النميمة التي يمجها ويتصدى لها بالفعل الخلاق، فكان أن فكر في مشروع "بيت الرواية" وقد عرضه على وزارة الثقافة التونسية منذ 2011 وكثف من اتصالاته مع الوزراء المتعاقبين على الوزارة الى أن حظي بالموافقة الرسمية أخيرا من طرف الوزير الحالي الدكتور محمد زين العابدين الذي يلقى الكثير من النقد من طرف الأدباء خاصة معتبرين إياه الوزير المتعالي على الكتاب المهتم بتلميع صورته، والذي يكتفي بالاستماع للأدباء الذين يأخذون صورا معه دون معالجة حقيقية لواقع الكتاب ودعم المبادرات الأدبية التي لا ترهق الوزارة نفسها في دعمها أو دفعها بل تحتسبها ضمن أنشطتها مع أنها لا تدعمها. إذن في هذا الظرف الذي تعالت فيه الجلبة وارتفع الصراخ من أجل الاهتمام بالكتاب الأدبي خاصة، يقوم الوزير بدعم مشروع "بيت الرواية" بعد لقاءات كثيرة أجراها المثقف المبدع كمال الرياحي معه وهو بيت للرواية وما جاورها، بيت النقد والبحث والإبداع، بيت النظر العلمي والموضوعي في خصوصيات الرواية، بيت جمع المثقفين من تونس ومن الخارج حول تيمة الرواية التي صارت محط اهتمام في كل الأوساط الأدبية وخصصت لها الجوائز المرموقة والندوات والبرامج الإعلامية المختصة. وفي هذا نقول ونؤكد ونحن أبناء هذا الواقع الثقافي الذي أجهدنا ولكنه لم يخمد شعلة أحلامنا، هذا الواقع الذي لم يمنحنا الاعتراف بما قدمناه من إضافات لمستها الدوائر الأدبية المرموقة في العالم، ان حلم المثقف المبدع التونسي لن يستكين ولن يذهب للوهم بل يؤمن بجدواه داخل الواقع الثقافي التونسي بما فيه وما عليه لأنه يؤمن بدور المثقف الحامل للجمال والضوء والفكر في واقعه رغم الإغراءات العديدة التي تعرض عليه من هنا وهناك ولكن شعلة الانتصار الحقيقي لنحت الوجود في تونس تضيء طريقه أكثر وأكثر. "بيت الرواية" إنجاز بحجم حلم أسسه الروائي المثقف كمال الرياحي مستفيدا من خبراته وعلاقاته مع الأدباء والروائيين في تونس وخارجها والدفع الاعلامي له، وكتاباته النقدية ودراساته وحواراته مع رموز الرواية في العالم وتونس. وسيتم تركيزه في دار الثقافة ابن خلدون، هذه الدار التي كثفت بعد الثورة الأنشطة الأدبية من طرف منير العرقي وكمال الرياحي المدير الحالي للدار ومؤسس ومدير "بيت الرواية" ونأمل أن يمتد صداه بحجم إضافاته للمشهد الروائي.
مشاركة :