هذه السيارة لا تليق بك !!

  • 6/24/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حين ننظر عبر مئات السنين التي تفصل بيننا وبين أسلافنا المسلمين الأوائل، نجد أن كثيرا من القيم والمفاهيم الاخلاقية التي كانت متداولة بينهم باتت في ايامنا هذه منكرة أو مقلوبة بما هو عكس لها تماما، إذ يبدو أن تغير الزمن يؤثر على الفكر فيحدث فيه تغيرا. هناك مفاهيم كثيرة حدث لها التغير لكني هنا سأشير الى ثلاثة منها تبدو قريبة الصلة بحياتنا الاجتماعية وتتعلق بنوع العلاقة التي تربط المسئول بالعامة من الناس. المفهوم الأول: صفة معيشة المسئول: ففي عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان اذا استعمل عاملا شرط عليه أربعا: لا يركب برذونا (خيل مهجن) ولا يتخذ حاجبا، ولا يلبس كتانا، ولا يأكل درمكا (نوع من الدقيق الفاخر يصنع منه الخبز). عمر رضي الله عنه في أيامه تلك، كان يرى ان من يحمل في عنقه مسئولية رعاية الناس وخدمتهم وتلبية احتياجاتهم، عليه أن يكون متواضعا في اسلوب معيشته، فلا بذخ ولا اسراف ولا مباهاة، ولا تمييز للنفس عن عيش العامة. في أيامنا هذه تغير هذا المفهوم إلى عكسه، صار الناس يرون أن علو مكانة المسئول يتطلب أن يصحبه علو في مستوى معيشته، فلا تكفيه سيارة من نوعية متواضعة، وانما لا بد له من امتطاء أفخم السيارات، ولا يصلح له أن يقيم في سكن صغير محدود المساحة وانما لا بد له من قصر مشيد يضاهي الجنان بما فيه من الحدائق والمسابح، كما أنه لا يصلح له ان يتجول بين الناس منفردا وانما لا بد له من حاشية ترافقه منهم من يحمل حقيبته ومنهم من يحمل قلمه ومنهم من يحمل الأوراق التي سيتلو منها خطبته، فيكون له موكب مهيب من التابعين، يذكر الناس بعلو مكانة المسئول واختلافه عنهم. المفهوم الثاني: تقديم خدمة الضعيف قبل القوي، فيما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه وجه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بعض الوجوه، فأوصاه قائلا: «قدم الوضيع على الشريف، والضعيف على القوي، والنساء قبل الرجال». كان عليه الصلاة والسلام يدرك أن الوضيع والضعيف والمرأة هم من الفئات المستضعفة في المجتمع، وللخشية من ان تضيع حقوقهم أوصى عليا بتقديمهم على غيرهم ضمانا لوصول الحق إليهم. هذا المفهوم لم يعد له أثر في زمننا هذا، انقلب الأمر فصار تقديم الناس يجري على حسب مكانتهم ونوعهم، فالشريف أو صاحب المنصب والمكانة يقدم على الوضيع الذي لا ذكر له، والقوي الذي له (ظهر) يسنده يسبق الضعيف الذي لا ظهر له، والرجال غالبا يقدمون على النساء !! ويجري ذلك كله على اعتبار أنه الحق والصواب، فكثيرون يرون أن الرجل أشرف من المرأة وأفضل، لذلك يجب تقديمه عليها، وكثيرون يعتقدون أن من كانت له مكانة عالية في المجتمع سواء لعلمه أو ماله أو منصبه أجدر بان يقدم على غيره، وكثيرون ايضا يبادرون إلى تقديم صاحب الظهر، خشية أن يصيبهم بركلة في ظهورهم ان هم لم يفعلوا. وإلى الغد مع المفهوم الثالث.

مشاركة :