هل ستنتصر الثورة السورية على طاغية العصر؟ "1"

  • 7/11/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن الثورة السورية ولا الثورات العربية الأخرى ثورات جياع، كما أراد البعض تصويرها بغرض تشويهها، وإنما كانت ثورات تطلب الحرية، وأدنى مقومات الكرامة الإنسانية، وكان هذا ظاهراً في شعاراتها منذ أول يوم مثل: (الموت ولا المذلة) و(يا الله ما لنا غيرك يا الله) وغيرها. وتمر الثورة السورية الآن بمفترق طرق بعد عديد الأحداث التي وقعت في نهاية العام الماضي وحتى الآن، كسقوط حلب بيد النظام السوري، واقتراب ميليشيات ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" من السيطرة على مدينة الرقة، والتدخل التركي في مدينتي جرابلس والباب، وحتى الضربة الأميركية لمطار الشعيرات، فضلاً عن الصراع الحاصل على البادية السورية الآن، وهذا يعطينا مؤشراً على تسارع الأحداث بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. وكنت قد تحدثت في المقال السابق عن خمسة أسباب تجعل الثورة السورية من أعظم ثورات التاريخ المعاصر، ولا شك أن الناظر أو المراقب لحال الثورة السورية يعلم حال التعقيد الذي وصلت إليه هذه الثورة، فهي لم تعد ثورة شعب ضد طاغية مستبد قتل وشرد مئات الآلاف وحسب، بل أصبحت صراعاً دولياً مفتوحاً بين شعب يحاول أن يدافع عن أرضه وهويته أمام غزو خارجي كامل من قِبَل روسيا التي تريد أن تبقى سوريا تحت حكم عائلة الأسد؛ كي تحفظ لها مصالحها وتواجدها في مياه البحر المتوسط، ومن قِبَل إيران وميليشياتها الطائفية التي تريد تغييراً ديموغرافياً في سوريا يحقق لها مصالحها في تغيير هوية الشعب السوري، وإجباره على السير في ركاب إيران وحكامها وملاليها لأطماع سابقة وثارات تاريخية مزعومة ملأت عقل حكام إيران، وجعلتهم يخوضون في دماء شعوب المنطقة ليل نهار. ويبرز في هذا المشهد أيضاً التآمر الدولي على هذه الثورة، فمعظم الدول وحتى ما يسمى أصدقاء الشعب السوري لم يقدموا شيئاً يذكر لخدمة هذا الشعب أو مساعدته سوى بعض التصريحات هنا وهناك، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بوجوب تخلي الأسد عن السلطة، وحتى الدعم العسكري لفصائل المعارضة جاء شحيحاً، وهو بغرض شراء الولاءات وتفريق الفصائل عن بعضها، وفي النهاية كل هذا الدعم لا يساوي شئياً إذا ما قورن بالدعم القادم من روسيا وإيران لنظام الأسد، وما الضربة الأميركية الأخيرة على مطار شعيرات إلا تنبيه من إدارة الرئيس الأميركي ترامب لنظام الأسد: أن استعمل كافة الأسلحة لقتال الثوار وقتل وذبح المدنيين، ولكن لا تقترب من السلاح الكيميائي! وبعد مرور أكثر من ست سنوات على انطلاقة هذه الثورة يبرز السؤال الهام: هل بقي مجال لانتصار الثورة السورية وتحقيق أهدافها؟ ولمناقشة هذا السؤال لا بد من تعديل فيه، فإذا كنا نقصد انتصار الثورة على حكم عائلة الأسد، فالثورة كانت قد انتصرت منذ عام 2013 على هذا النظام، وكاد أن يسقط لولا التدخل الإيراني، ثم كاد النظام وحلفاؤه من إيران وميليشياتها أن يهزموا مرة أخرى في أواخر عام 2014، لولا التدخل الروسي أيضاً. فالسؤال الصحيح: إذاً هل ستنتصر الثورة السورية على الاحتلال الروسي والتآمر الدولي الفاضح لإفشالها؟ وللإجابة على هذا السؤال ولحجم التعقيد الكبير في المسألة السورية لا بد من نظرة عامة على الخريطة السورية، وعلى أطراف الصراع القائم في سوريا الآن:أولاً: النظام السوري وميليشيات إيران كما ذكرت سابقاً، فإن النظام وميليشيات إيران في أقصى حالات الإنهاك، فعلى الصعيد البشري يشهد هذا المعسكر قلة في عدد الجنود المقاتلين، وما إنشاء النظام لما يسمى الفيلق الخامس وغيره من الميليشيات المحلية واستجداء حتى موظفي الدولة وطلاب الجامعات للالتحاق بقوات النظام إلا دليل واضح على قلة الزاد البشري، أما على الصعيد الاقتصادي فالنظام استنفد أكثر من 90% من القطع الأجنبي لخزينة الدولة، ولا شك أن إيران لا تستطيع الاستمرار لفترة طويلة بضخ الأموال لإبقاء النظام واقفاً على قدميه، فإيران نفسها تشهد أوضاعاً اقتصادية صعبة، وخاصة مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط، منذ بداية عام 2015 وحتى الآن، الذي يعتبر الرافد الأكبر للاقتصاد الإيراني. وأما على الصعيد العسكري الإجمالي، فلا شك أن النظام حقق إنجازاً كبيراً باستعادة الجزء الشرقي من مدينة حلب، بالإضافة إلى سيطرته على مناطق واسعة في الريف الشرقي لحلب، ووصوله إلى نهر الفرات وسيطرته على مناطق واسعة في البادية السورية، وكذلك نجح النظام والميليشيات الطائفية بتهجير عدد من المناطق في باقي سوريا كحي الوعر في حمص ومناطق في ريف دمشق وغيرها، ولكن الاستيلاء على هذه المناطق يخلق صعوبات كبيرة للنظام وأعوانه في مجالي السيطرة والإدارة لهذه المناطق، وخاصة مع نقص الزاد البشري.ثانياً: روسيا لا يمكن مقارنة التدخل الروسي الآن في سوريا بالتدخل السوفييتي بأفغانستان، فعلى صعيد الخسائر البشرية والاقتصادية مُنيت روسيا بخسائر قليلة جداً مقارنة بأهدافها التي ستتحقق على المدى البعيد في حال بقاء نظام الأسد في السلطة، وما دامت الأسلحة المضادة للطيران محرمة دولياً على الثوار، فإن التدخل الروسي مرشح للاستمرار على هذا النهج، خاصة بعد الضربة الأميركية الضعيفة جداً على النظام، والتفاهمات الأميركية والروسية الواضحة بتقاسم النفوذ في سوريا. ولكن هناك عاملان رئيسيان سيؤثران على التدخل الروسي: أولاً: الوضع الداخلي في روسيا، وخاصة الاقتصادي. ثانياً: طول مدة الحرب في سوريا، وهذان العاملان هما اللذان سيحددان مستقبل التدخل الروسي، ومدى أهميته.ثالثاً: أميركا ربما يظن البعض أن أميركا لم تتدخل في سوريا إلا تدخلاً بسيطاً في دعم ميليشيات سوريا الديمقراطية في حربها على تنظيم الدولة، وهذا خاطئ تماماً، فالمؤكد أن أميركا هي أكبر لاعب في الملف السوري، فلولا الضوء الأخضر الأميركي ما كان لروسيا أن تتدخل هذا التدخل السافر، ثم إن من أكبر مصالح أميركا في سوريا هو تأمين الحماية لإسرائيل كما فعل بيت الأسد طوال أكثر من أربعين عاماً لم يطلقوا فيها طلقة واحدة، وبقيت جبهة الجولان تنعم بالهدوء طوال هذه الفترة، وكان الطرفان في سلام غير موقع على الورق؛ لذلك وفي حال إسقاط نظام الأسد أو إجباره على التنحي عن الحكم، فإن أول ما يهم أميركا هو ضمان أمن إسرائيل، ولعدم وجود بديل مضمون حاولت أميركا طوال مدة الثورة المحافظة على بقاء نظام الأسد في السلطة، رغم بعض التصريحات المطالبة بتنحية بشار الأسد، التي لم تكن إلا لذر الرماد في العيون، ومن ناحية أخرى تدير أميركا ميليشيات ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية التي نجحت بالاستيلاء على مناطق واسعة في الشمال السوري، وأكثر ما يهم أميركا في هذه المناطق هي حقول النفط، وأما مسألة السيطرة وإدارة المدن في الشمال السوري، فإنه لا فرق بالنسبة لأميركا إن تمت إدارتها من قِبَل الأكراد أو العرب، أو حتى الأتراك، ما دامت هذه الإدارة المسيطرة على هذه المناطق في النهاية تخضع للسيادة الأميركية. أتابع في المقال القادم -إن شاء الله- الحديث عن باقي أطراف الصراع، وأحاول الإجابة على سؤال المقال، وحول إمكانية انتصار الثورة من عدمه في المستقبل. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :