وقفنا في قاعة دخول برج "جرينفيل"، وكنا نعرف أن حادثاً كان على وشك الحصول. أسلاك كهربائية عارية، طفايات حريق معطلة، أبواب عزل نيران غير آمنة، مصاعد خارج الخدمة، والضوء الشحيح الذي يزيد احتمال حدوث جرائم. طلب السكان المستاؤون والحيارى منّي مساعدتهم للقيام بشيء حيال الموضوع لمعرفتهم أن الأمور كانت على شفا حفرة ما لم يتم الإنفاق على الصحة والتأمين. كان ذلك منذ سبعة وعشرين عاماً، وخلال هذه الأيام القليلة الماضية، بعد الحريق المروع الذي قتل أعداداً مجهولة في "جرينفيل"، كنت أفكر في ذلك اللقاء وغيره كثيراً، مع السكان والسياسيين المحليين، وكذلك مسؤولو الإسكان في مجلس " كينجستون" و"تشيلسي" المحليون وضباط الشرطة. بدلاً من الهيكل العظمي الذي يخدش غربي لندن، كان بإمكاني تصور العمود الخرساني الواضح الذي -وكمراسل محلي ومحرر في صحيفة "كينجستون" المحلية- كان محط تركيز في كثير من القصص التي كنا نكتبها. ليس فقط لكونه إنذاراً للحريق، ولأن مخاوف السياسيين المحليين وناخبيهم قد تم تجاهلها، ولكن قصص احتفالات المجتمع الصغيرة، الجيل الأول من المهاجرين الذين دفعتهم علاماتهم الممتازة إلى جامعة عليا، الأطفال الذين يخبزون الكعك لجمع أموال لشراء ملابس جديدة لاحتفال "نوتينج هيل"، لماذا الاحتفالات؟ كنت قد نسيت بشأن هذه القصص حتى هذا الأسبوع، وكنت قد نسيت بشأن أسبوعي الأول في "كينجستون" الإخبارية، حين جاءتني قائدة مجموعة قطاع العمال حينها "ريما هورتون"، وقالت بنبرة تآمرية: "بإمكانك إحداث تغيير حقيقي هنا، قصة في الصحيفة المحلية، إيصال صورتهم لمكان ما، لن يرتقي بهم فقط، وإنما ستعطيهم القوة للدفاع عما هو صحيح". في مكان ما في أعماق أرشيف الصحيفة، سيكون سجلي قبل كل شيء قصصاً عن "كينجستون" و"نوتينج هيل"، أشك أنه سيكون هنالك قصة أو اثنتان عن الأخطار المهددة لسكان برج "جرينفيل"، وسط موجة الغضب، احتوت تلك القصص -التي ليست بالضرورة عن جرينفيل- على بيانات واضحة من المجلس، ومن ثم رئيس الإسكان نيكولاس باجيت وزميله ميريك كوكيل. أصبح كوكيل فيما بعد رئيس مجلس (K&C)، وسعى بعزم لسياسات فعالة حرصت على أن يدفع السكان المحليون أقل ضرائب للمجلس المحلي في البلاد. كان ذلك مفخرة للذين كانوا يرون كم من المساعدة احتاجت المناطق المحرومة من البلدية، وكم من الضرائب وجب إنفاقه لتحسين الإسكان، التعليم والأمن لكل الطبقات الوسطى من غير أصحاب الأملاك. حصل السير ميريك مؤخراً على رتبة فارس لخدماته للحكومة المحلية، وأصبح مستشاراً مقرباً من عمدة لندن بوريس جونسون وصديق خان. باجيت براون هو الآن خليفته كرئيس للمجلس، ورجل يستهدف بالحق لاستجابته المروعة لكارثة جرينفيل. اعتدت أن أجري مقابلات معهم ومع زملائهم يومياً، تعقبتهم في اجتماعات المجلس، حللت اقتراحاتهم، ونقلت مخاوف السكان إليهم مباشرة، لم أكن مجرد مراسل، كنت وسيطاً، ناشطاً بالتفويض، وعضواً عرضياً في مجتمع مكسور ومهمل ومرحّبٍ لم أعرف عنه شيئاً حتى حظيت بالعمل كمراسل. قضيت مهنتي السابقة كصحفي في العمل لمعظم الصحف الوطنية، لكن لم تحمل أي وظيفة ذلك القدر من المعنى والأهمية بالنسبة لي كتلك الوظيفة، الارتباط العميق بين المراسل والموضوع الذي يكتب عنه لا يضاهيه شيء في الصحافة. نحن نتحدث عن القيادات المجتمعية والدينية بصفتها شريان الحياة للأحياء السكنية، ولكننا ننسى أن المراسلين هم كذلك أيضاً، إنهم مكون أساسي لنسيج المجتمع، وحجر زاوية للديمقراطية، أو هكذا كانوا، تشير الدراسات الحديثة إلى أن ما يقارب الـ80% من وظائف الصحافة المحلية في المملكة المتحدة قد اختفت منذ 2006، وما يقارب الـ200 صحيفة قد أغلقت في العقد المنصرم. لكن في الواقع كل الأخبار المحلية أو على الأقل تبدأ هكذا، التحقيقات والجرائم وقصص المحاكم والتضحيات الهائلة والفضائح السياسية والتجارية وحملات تحسين الحياة، الصحف المحلية حملت الأشخاص الذين في السلطة المسؤولية، بينما بحثت عن فهم أعمق لمستويات التأثير المباشرة على المجتمعات المحلية. يقابلون الناس بشكل يومي، ويستمعون إلى قصصهم (بعضها صعب التصديق)، ويبحثون للأبد ليس عما هي القصة، بل عن سبب القصة. لأنه في السنوات العشرين الماضية أحدثت الصحافة المحلية فارقاً، كانت تصل إلى الناس والمعلومات والأحداث التي شكلت قصصاً أصيلة ومهمة؛ لهذا كانت أجندات مجلس سدادات الأبواب، كانت من الوثائق المهمة التي تصل إلى الصحفيين المحليين عبر البريد، تفحصنا كل واحدة منها بدقة، باحثين عن خيوط محتملة، مثل نقاشات اللجنة حول استخدام كسوات قابلة للاحتراق في عمليات تجديد الأبراج وخلفيات الشركات المسؤولة عن تنفيذ العمل. هذه القصص نادراً ما كانت تصل إلى النقاشات العامة ما لم يتبنّها صحفي محلي متحمس يسعى للإثارة والشهرة، ومملوء بآمال عريضة حول رغبة المجتمع المحلي في أن يسمع صوته، ويحمل على عاتقه عبء القيام بالمهمة. لا أعرف إذا كانت الصحف المحلية النابضة بالحياة تضم صحفيين شباباً يعتنقون أفكاراً مثالية كانت لتكون قادرة على منع الكارثة التي أفزعت لندن كلها، لكن كان بإمكان الأمر أن يحدث، إشارات التحذير كانت موجودة على الدوام، ومطالبات المقيمين كانت متوافرة، خصوصاً على الإنترنت. نحن مدينون بحق لوسائل الإعلام الرقمية بسبب سرعتها وقوتها الهائلة وكشفها للأخطاء، قدرتها على تحميل الناس المسؤولية وحشدهم، لكن هذه الأشياء تحدث كلها تقريباً بعد الحدث، ويكون مفعولها القوي مؤقتاً، بدلاً من أن تحدث فرقاً، بالإضافة إلى أن حقيقة ما نراه، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، قابلة للنقاش، ويكون تأثيرها عكسياً. أعرف أن زمن الصحف المحلية القوية ولّى إلى غير رجعة، لكن هذه القصص التي كانت تغطيها في يوم ما أصبحت متوافرة أكثر من ذي قبل، خصوصاً في المدن التي يتم فيها اتخاذ قرارات يومياً تؤثر على حياة المقيمين فيها. ما زالت الصحف المحلية ومواقعها تبذل جهوداً باسلة لسرد القصص المحلية، لكن مستويات طواقم العمل تشير إلى أنه لم يعد هناك وقت للصحافة الصبورة الكاشفة. الأشخاص الذين تورطوا بطريقة ما في الممارسات السيئة سيعاقبون بلا شك على وفاة المقيمين في عقار جرينفيل، أتساءل مع ذلك إن كانوا خراف تضحية مناسبة وإذا كان الأشخاص الذين يقفون خلفهم -الذين اتخذوا القرارات لأي سبب كان- سينالون جزاء أفعالهم. هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية من هاف بوست. للاطلاع على المادة الأصلية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :