انتصار على «داعش»... أم على الموصل ؟ - مقالات

  • 7/12/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

للمرّة الألف، هناك عودة الى السؤال نفسه. ماذا بعد انتهاء معركة الموصل او معركة الانتهاء من الموصل؟من يعود الى الظروف التي رافقت سيطرة «داعش» على الموصل قبل ثلاث سنوات، ابان حكومة نوري المالكي، ثم هزيمة «داعش» في ظل حكومة برئاسة حيدر العبادي، يكتشف ان الهدف لم يكن تحرير الموصل بمقدار ما انّ المطلوب تدمير المدينة وتهجير أهلها بشكل منهجي.قبل كلّ شيء، يبدو الدمار شبه الشامل الذي لحق بالموصل من النوع الذي لحق بمدن المانية خلال الحرب العالمية الثانية. لم تبق طائرات التحالف الاميركي ـ الاوروبي وقتذاك شيئا من مدن عدّة في سياق السعي الى الحاق الهزيمة بألمانيا الهتلرية وتركيعها.استطاعت المانيا النهوض مجددا بعد الحرب واعادت بناء مدنها بفضل حيوية الشعب فيها والمساعدات الأميركية التي صُرفت بواسطة «مشروع مارشال» الذي وضعه وزير الخارجية الاميركي الجنرال جورج مارشال.لم تلبث المانيا ان عادت بلدا مزدهرا بعدما تعاطت مع الهزيمة تعاطيا واقعيا. قبلت بان تكون مقسّمة، الى المانيتين وان تكون فيها قوات اجنبية تمتلك قواعد خاصة بها. انتظرت المانيا 45 عاما كي تستعيد وحدتها. تخلّت المانيا نهائيا عن فكرة المغامرات العسكرية المحسوبة او غير المحسوبة. حصل طلاق بين المانيا والحروب والاطماع الخارجية. ودّعت المانيا السلاح الى غير رجعة من اجل العيش بامان مع محيطها ومع العالم. المفارقة ان هزيمة العراق في مرحلة ما بعد الاجتياح الاميركي في 2003 وقبلها مرحلة الخروج من الكويت بالقوّة، تميّزت بمزيد من الحروب التي صبّت في تفتيت البلد وتدمير مدنه الواحدة تلو الأخرى كي لا تقوم له قيامة في يوم من الايّام.لنفترض الآن ان الحرب توقفت فعلا في الموصل. هل من جهة على استعداد لتقديم مليارات الدولارات كمساعدات لاعادة بناء المدينة المدمّرة؟ لنفترض ان اهل الموصل عادوا اليها، الى اين سيعود هؤلاء؟ مثل هذا النوع من الأسئلة مشروع في ضوء ما حل بالموصل بوجود رغبة واضحة في الانتهاء من المدينة الثانية في العراق ومما كانت تمثله من قيّم ميّزت العراق القديم، أي عراق ما قبل العام 1958.يبدو انّه ليس مطلوبا الانتصار على «داعش» فحسب، بل المطلوب ايضا الانتهاء من كلّ ما بقي من قيم حضارية وإنسانية قام عليها المجتمع العراقي. حافظت تلك القيم على امكان إعادة الحياة الى العراق قبل ان يأتي الاحتلال الاميركي ويقضي نهائيا على كلّ امل بذلك. لو كان الاحتلال الاميركي الذي استهدف التخلص من نظام صدّام حسين يمتلك حدّا ادنى من الفهم لواقع المنطقة وللبلد نفسه، هل كان سلّم العراق على صحن من فضّة الى ايران؟ لو كانت هناك رغبة حقيقية في الانتهاء من «داعش»، هل كان سلاح الجوّ الاميركي دعم «الحشد الشعبي»، وهو يعلم مسبقا ماذا يعني ذلك ليس بالنسبة الى الموصل فحسب، بل الى كلّ منطقة عراقية أخرى؟تكمن المشكلة الأساسية في ان العراق ليس المانيا وانّ الذين دمّروا الموصل لا يريدون عودة أهلها اليها. يشمل ذلك الجانب الاميركي الذي كانت له مساهمة فعّالة في هزيمة «داعش» عندما ساند القوات النظامية العراقية وميليشيات «الحشد الشعبي» التابعة لإيران عن طريق سلاح الجو. وفّر سلاح الجوّ الاميركي غطاء لتقدّم القوات العراقية وميليشيات «الحشد الشعبي» في الموصل والوصول الى اليوم الذي دخل فيه رئيس الوزراء العراقي المدينة للإعلان عن تأجيل الاعلان عن «الانتصار» بعض الوقت.ليس معروفا بعد ما هي خطة اميركا في العراق. حسنا، هُزم «داعش». كان لا بدّ من الحاق الهزيمة بهذا التنظيم الإرهابي الذي لم يترك شيئا الّا وفعله من اجل تشويه صورة الإسلام عموما واهل السنّة على وجه التحديد وذلك لتبرير ما يرتكبه «الحشد الشعبي». ما هو بالضبط المشروع الاميركي الجديد في العراق، خصوصا بعدما تبيّن انّ سلاح الجوّ الاميركي لعب دورا محوريا في هزيمة «داعش»، هذا اذا كان يمكن الكلام عن «داعش» كتنظيم مستقلّ عن الذين خلقوه، أي ايران والنظام السوري...منذ توصّل «داعش» الى السيطرة على الموصل، بطريقة مشبوهة وغامضة في الوقت ذاته، في يونيو 2014، وصولا الى يوم التاسع من يوليو 2017 تاريخ اعلان حيدر العبادي بملابسه السوداء استعادة المدينة، من دون الذهاب الى اعلان «النصر النهائي»، ليس هناك ما يشجع على التفاؤل. كلّ ما في الامر ان العراق في وضع من ينتقل من سيّئ الى أسوأ. ليس ما حصل وما يحصل في الموصل سوى تتويج لرحلة التراجع العراقية.لم تبدأ مسيرة التراجع العراقي في 2014 او 2017. بدأت قبل ذلك بكثير، قبل 59 عاما عندما حصل الانقلاب العسكري الذي أطاح النظام الملكي في 14 يوليو 1958، لم يتوقف سيلان الدمّ منذ ذلك اليوم الذي اغتيل فيه فيصل الثاني. لم يكن النظام الملكي في العراق مثالياً. لاشكّ انّه كانت هناك أخطاء كبيرة ارتكبت، خصوصا، تصرّفات الوصيّ على العرش، الأمير عبد الاله (خال فيصل الثاني)، لكنّ العراق كان وقتذاك بلدا واعدا. كان وضع المجتمع العراقي افضل، كانت المدن العراقية مدنا تضجّ بالحياة كان فيها عيش مشترك بين الكردي والعربي والتركماني. لم يكن من تمييز بين المسيحي والمسلم والشيعي والسنّي. كان اللبناني والسوري يهاجر الى العراق بحثا عن فرصة عمل وتكوين ثروة صغيرة. كان العراق مختلفا. لم يكن ارضا طاردة لاهلها. كان ارضا جاذبة للآخرين الذين كانوا يريدون الاستفادة من كلّ ما يمثله العراق، بما في ذلك الجامعات العراقية.ليست الحاجة الى تعداد الأسباب التي جعلت العراق يعود الى خلف بكلّ هذه السرعة، خصوصا منذ العام 2003 والمغامرات المجنونة التي قام بها قبل ذلك صدّام حسين.كلّ ما يمكن قوله الآن ان الانتصار على «داعش» تحوّل للأسف الشديد الى انتصار على الموصل واهل الموصل، وذلك في ظلّ انفلات للغرائز المذهبية التي تستثمر فيها ايران صاحبة المشروع التوسّعي في المنطقة.خلال ايّام سيرفع كثيرون شارات النصر، مرّة أخرى، في الموصل. لن يعني رفع شارات النصر انّ مليونا من أهالي الموصل سيعودون اليها، كما لن يُسمح لهؤلاء بالانتقال الى مناطق عراقية أخرى، خصوصا بغداد. هل حصل انتصار في الموصل، ام كان هناك انتصار على الموصل للانتهاء من المدينة وتحويلها الى شيء آخر، على غرار ما يحصل في تكريت حيث ظهرت أخيرا صور آية الله الخميني و«المرشد» علي خامنئي؟

مشاركة :