كانت سنة واحدة كافية لتغيير مجريات حياة الشاب أحمد جوده، الذي كان قبل عام في سوريا يكافح من أجل حقه بممارسة مهنة يحبها: الرقص. ولد جوده وترعرع في مخيم اليرموك في سوريا ولم تسعفه هويته الفلسطينية وعدم امتلاكه أوراقاً قانونية للتنقل والسفر واستغلال الفرص كسائر أبناء جيله. مع احتدام النزاع في سوريا، وجد الشاب نفسه سجيناً في الحرب الدامية، فقرر أن يستثمر ما يبرع به، وهو رقص الباليه، وباشر تعليم الرقص لأطفال في ميتم داخل دمشق. نصف سنة مرّ قبل أن يتلقّى جوده عرضاً غيّر مجريات حياته، بعد أن ثابر على ممارسة مهنته على الرغم من التهديدات المتكررة. اليوم، يكمل جوده دراسته في معهد الباليه بمدينة أمستردام الهولندية.بين الحرب وتهديدات داعش كانت طريق جودة معبدة بالمخاطر والتهديدات. مع دخول تنظيم داعش أجزاء من اليرموك ومحاصرته للمخيم، واجه جودة تحدياً أساسياً وهو قدرته على الاستمرار بأداء رقصته وسط التطرف المنتشر. تبدلت حياة جوده بعد تصوير وثائقي عنه وعرضه في هولندا. في الفيديو، رقص على أنقاض مبنى مهدم في مخيم اليرموك، وظهر يرقص إلى جانب آثار قلعة تدمر خلال انسحاب داعش من المنطقة، في تحد واضح للتنظيم. يقول جودة إن الرقص هو طريقته في محاربة أي نوع من أنواع التطرّف: "كنت على دراية بالخطر المُحدق وماذا قد يحصل إن تم اعتقالي، ولكنني قررت المخاطرة وتصوير تلك الرقصة هناك، ولو لدقائق قليلة". موهبة جودة وتصميمه على الحياة أثارا فضول دان براندسون، مدير معهد الباليه في امستردام، الذي قرر دعوته إلى الدراسة في هولندا. "ارقصوا من أجل السلام" هو اسم المنحة التي استحدثها مدير الأكاديمية لتشجيع جودة وغيره على المثابرة والتمسك بأحلامهم. وافق جودة على الانتقال إلى أوروبا لممارسة ما يبرع به. يقول لرصيف22: "تمسكت بالحلم وبقيت مثابراً لأنني اكتشفت أنني ملك نفسي في الرقص ولم أسمح لأحد بسرقة نفسي مني". التحديات العائلية لم تكن سهلة قد يعتقد البعض أن التهديدات والحرب كانت أبرز التحديات في حياة الراقص، ولكن بالنسبة له، فإن الصراع من أجل التمسك بحلمه بدأ منذ سنوات، عندما رفض والده خيار الرقص ومنعه من ممارسته. تعرّض جوده للضرب مراراً على يد والده، ولكنه بإصراره نجح في الحصول على دعم والدته وأخواته لإكمال المشوار. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره، طرده والده من المنزل فاضطر لإعالة والدته وأخواته بنفسه. قرر جودة إكمال دراسته في "إينانا"، المعهد المركزي للتمثيل والموسيقى والرقص في دمشق. استغرق تخرجه من المعهد 6 سنوات: "اضطررت للتضحية والعمل والموازنة بين الحلم والواقع ولكنني نجحت في النهاية" يشرح جودة في مقابلة أجراها مع صحيفة "الغارديان" البريطانية. يقول جودة لرصيف22 إنه يتمنى العودة إلى سوريا بعد انتهاء الحرب، على الرغم من الظروف والتحديات التي أحاطت به عندما عاش فيها. التأقلم مع مكان إقامته الجديد لم يكن سهلاً، الروتين جديد والبلد أيضاً، تطلب الأمر شهراً كاملاً ليتقبل وجوده في أمستردام. لم تكن فكرة الانتقال في الحسبان، ولم يكن يريد جودة أن يترك والدته، إلا أنها أصرت على سفره قائلةً إنه سيتركها في كل الأحوال، إما ليذهب إلى أوروبا أو لقضاء الخدمة الإلزامية في الجيش، وهي تفضل الخيار الأول.بداية جديدة وأحلام كبيرة بعد استقراره في هولندا، استمر جودة بالتركيز على دراسته لأنها، بحسب وصفه، "مسؤولية كبيرة” يشعر بثقلها وبالتوقعات التي تُلقيها المنحة على كاهله، وهو مصمم على النجاح المستمر. شارك جودة حتى اليوم في انتاجات عدة لفرقة الباليه الوطنية في هولندا، ولشركة الأوبرا الهولاندية. أما علاقته بوالده، فتحسنت بعد زيارته الأخير في مركز للاجئين بألمانيا. تشارك الرجلان في لحظات سعادة وحزن، وعبّر والده عن فخره به برغم كل شيء.اقرأ أيضاًماذا يقول الهاربون من داعش؟داعش والقطط: الحبّ المحرّمقصة كيمبرلي تايلور وأجانب آخرين يقاتلون ضد داعش رصيف 22 رصيف22 منبر إعلامي يخاطب 360 مليون عربي من خلال مقاربة مبتكرة للحياة اليومية. تشكّل المبادئ الديمقراطية عصب خطّه التحريري الذي يشرف عليه فريق مستقل، ناقد ولكن بشكل بنّاء، له مواقفه من شؤون المنطقة، ولكن بعيداً عن التجاذبات السياسية القائمة. كلمات مفتاحية داعش سوريا التعليقات
مشاركة :