الوعي الإنساني، أحد المفاهيم التي يقف إزاءها العلماء والمهتمون في حيرة شديدة، وما زال لغزا غامضا لهم، على الرغم من الجهود الإنسانية الكبيرة حول دراسة مفهوم الوعي الإنساني بصورة معمقة، إلا أن هذا المفهوم بلا شك يتداخل مع كثير من العمليات العقلية الأخرى، مثل التفكير والذاكرة والإحساس والمشاعر السارة والمؤلمة، وتداخل كذلك معها في صناعة الفروقات درجات الذكاء الإنساني والفروق الفردية، وسمات الفرد الشخصية والسلوكية التي تصدر عنه، فضلا عن اختلاف الرؤى والتوجهات والتنظير بشأن موضوع الوعي، مما زاد ذلك فجوة التناقضات والتعقيدات في تحليله وتفسيره. إلا أن الإنساني بذاته وسماته يمثل أمرين مهمين: أولهما، دخول الإنسان في علاقة تحدٍ ومواجهة مع العالم الخارجي، بما يحمله من صعوبات وعقبات. والآخر، يتمثل في اكتشافه ذاته وأفكاره وعواطفه، أي أن هناك اختبارا للإنسان في إدراك وجوده الذاتي، لأن مفهوم الوعي مرتبط بمدى إدراك الفرد لوجوده الذاتي واكتشافه أفكاره وعواطفه التي في دواخله، وفهم علاقة الذات الواعية بمحيطها الخارجي، لذلك فإن الوعي خاصية يتميز بها الإنسان، وإن الوعي الذاتي يرتبط بعلاقات متشعبة مع عدد من الذكاءات والسمات التي يتمتع بها الفرد، إذ وجد مثلا كإحدى هذه العلاقات أن هناك تقاربا بين الذكاء الشخصي وبين الوعي الذاتي على مستويات عدة، وأن هذه الذكاءات تعتمد على عمليات محورية تمكن الأفراد من الممايزة بين مشاريعهم وبين بناء نموذج عقلي لأنفسهم يمكّنهم من التعامل ومواجهة العالم الخارجي بشكل أفضل، إذ يتسم هذا النموذج بخلاصة الخبرات والتجارب التي مر بها، وأكثر جودة في لعب الأدوار المناسبة في المواقف المختلفة، وتحديد السمات التي يتمايز بها الإنسان الواعي ليس من السهولة حصرها، ولكن يمكن ملاحظتها خلال سلوكياته في هذه المواقف التي يقوم بها ويتعامل معها ومع الآخرين داخل محيطه الذي يعيش فيه. إن الأفراد المميزين غالبا ما يكون لديهم وعي ذاتي بما يفكرون فيه، وتكون القناعة عندهم قوية، وثقتهم في أنفسهم عالية، وقد يتولد لديهم الاعتقاد بأن جميع المشكلات يمكن تجاوزها والتغلب عليها، ومجابهتها، والتدرج الواعي في تحليل المواقف وتحدياتها، والعمل على مراقبة الذات بشكل مستمر، والانتباه الآني لجميع التصرفات وتسجيل ملاحظات ردود أفعال الآخرين عنها، إلا أنه وفق مستويات مختلفة من زيادة الوعي بالذات وحدّته أو الشعور لدى الأشخاص، ربما يكون الأقل وعيا وتمايزا، مقارنة مع الأشخاص الأكثر وعيا وحدة في وعيهم بذواتهم. يتسم الأفراد الواعون بذواتهم وقدراتهم، بإدراك حالتهم النفسية خلال معايشتها، ويمتلكون الحنكة والفطنة فيما يخص حياتهم الانفعالية، وهم شخصيات استقلالية واثقة من إمكاناتها، ويتمتعون بصحة جسمية ونفسية جيدة، والمهارة من الخروج من حالة المزاج السيئ بحيث تساعدهم عقلانيتهم على إدارة انفعالاتهم، وأن وعي الفرد بمشكلاته التي تعترضه في الحياة، ونجاحه في التغلب عليها، وإدراكه لكل جانب من جوانبها، ذلك دليل على مدى تمكنه من تفسير العلاقات بين جهوده المبذولة والنتائج المترتبة على حلها، فضلا عن مدى إمكانيته في المحافظة على استمرارية هذا السلوك إزاء العقبات والصعوبات التي تواجهه، مما يولد لديه القدرة على مواجهة جميع المواقف، واكتساب الخبرات العقلية والانفعالية والاجتماعية بصورة واعية.
مشاركة :