الانقلابات العسكرية.. سلسال من الخيانة والدم

  • 7/13/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

واهِمٌ مَن يظن أن انقلاباً عسكرياً قام به حفنة من العسكر الذين خانوا دينهم، وباعوا أوطانهم، وقدموا أطماعهم الشخصية على مصلحة أمة بأكملها، ممكن أن يحقق نهضة أو يقدم خيراً أو يوفر حياة كريمة، فالانقلابات العسكرية هي الوجه الآخر للاحتلال، وما تفعله في الشعوب لا يقل عما يفعله المحتلون، ومن يراقب الأحداث عن كثب يجد أنه في الفترة الأخيرة، وبالأخص بعد سقوط الخلافة العثمانية 1924م، بدأت الدول القوية تغير استراتيجيتها في السيطرة على مقدرات الشعوب عن طريق صناعة العملاء في الدول، التي يرغبون في السيطرة عليها، ولأن هذه القوى تعرف كيف تختار عملاءها جيداً، فقد اتجهت إلى من يملك القوة السلاح، وبالتأكيد من يملك القوة هم العسكر، ولذلك لن تجد انقلاباً عسكرياً في أي من الدول النامية أو المتخلفة إلا وستجد خلفه قوة خفية دعمته بالمال والتخطيط، وما كان من العسكر إلا التنفيذ والسيطرة على الحكم لتنفيذ أوامر من خططوا لهم؛ لينقلبوا على شعوبهم. ولن ترى عبر التاريخ انقلاباً عسكرياً إلا وسترى شلالات من الدم نتجت عن هذا الانقلاب، والنماذج كثيرة، أذكر بعضها لتعرفوا ماذا تصنع الانقلابات بالشعوب، وأختمها بما حدث في مصر.انقلاب الجزائر والعشرية السوداء: في السادس والعشرين من ديسمبر|كانون الأول عام 1991 أجريت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الجزائرية، وقد فاز في هذه الجولة جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزاً ساحقاً، وهذه النتيجة بالطبع لم تكن على هوى جنرالات العسكر الذين لم يتوقعوا فوز جبهة الإنقاذ بهذه النتيجة الكبيرة، ولذلك قرروا أن يرفضوا هذه النتيجة، ولكن بطريقتهم الخاصة، ففي الحادي عشر من يناير|كانون الثاني لعام 1992 انقلب العسكر على الحكم في الجزائر، وأجبروا الرئيس الجزائري حينها الشاذلي بن جديد على الاستقالة، ثم أعلنوا إلغاء المرحلة الثانية من الانتخابات، التي كان من المقرر لها أن تنعقد في السادس والعشرين من يناير لعام 1992، وتم تشكيل مجلس رئاسي برئاسة أحد القادة التاريخيين الذين شاركوا في الثورة الجزائرية محمد بوضياف"، وبدأ العسكر المرحلة الثانية من الانقلاب مرحلة تصفية الخصوم، وبما أن القوة التي تم الانقلاب عليها هي جبهة الإنقاذ الإسلامية، فكان من الضروري للعسكر أن يسحقوا هذه القوة تماماً حتى يخلو لهم الطريق، وبدأت سلسلة عنيفة من الاعتقالات، تبعتها عمليات قتل وتصفية بدأت باغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف في التاسع والعشرين من يونيو|حزيران عام 1992، واستمرت المجازر والمذابح بحق المدنيين، وبدأ الرد من الجماعات الإسلامية، ودخلت الجزائر فيما يعرف تاريخياً بالعشرية السوداء من 1992 حتى 2002 التي قتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين الجزائريين.تركيا وسلسلة من الانقلابات المتوالية: تعتبر تركيا من أكثر الدول التي عانت من ويلات الانقلابات العسكرية عبر تاريخها، فقد مرت بأكثر من انقلاب؛ حيث وقع الانقلاب الأول في 27 مايو|أيار عام 1960 عندما انقلب جمال جورسيل، قائد الجيش التركي على حكومة عدنان مندريس، وتم القبض على مندريس، رئيس الوزراء التركي حينها، وحكم عليه بالإعدام، كما تم القبض أيضاً على رئيس الجمهورية علي بايار، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وقد كلف هذا الانقلاب تركيا خسائر فادحة في الأموال والأرواح. ولم تكد تركيا تتعافى من الانقلاب الأول حتى وقعت عدة انقلابات جديدة، كان أبرزها وأخطرها انقلاب كنعان إيفرين في 12 سبتمبر|أيلول 1980 والتي أعقبه بسلسلة من الإجراءات البشعة، التي تمثلت في الاعتقالات وقتل آلاف المدنيين، وتغيير الدستور، وظلت تركيا تتقلب في جحيم الانقلابات العسكرية قرابة نصف قرن من الزمن حتى ظهور حزب العدالة والتنمية، وفوزه في انتخابات 2002 وتشكيله للحكومة.الانقلاب العسكري في مصر: لم تكن مصر بعيدة يوماً من الأيام عن هذه المعاناة وهذه الجرائم التي يرتكبها العسكر، فقد ظن المصريون أنهم بمجرد زوال الحكم الملكي 18 يونيو|حزيران 1953 سيعيشون في نعيم، ولكن الحقيقة الصادمة كانت غير ذلك تماماً، فما أن تخلص المصريون من عنصرية النظام الملكي، حتى اصطدموا بطغيان وجبروت الحكم العسكري، فبعد أن تولى العسكر الحكم، تجرع المصريون المر، ورأوا الويلات ثلاث أنظمة عسكرية مرت بها مصر حتى قامت ثورة يناير|كانون الثاني، التي رأى فيها المصريون الخلاص من هذا النظام المجرم الذي جثا على صدورهم عقوداً طويلة. ولكن ما هي إلا ثلاثة أعوام حتى عاد العسكر من جديد بانقلاب عسكري على الرئيس المدني محمد مرسي؛ لتدخل مصر من جديد على خط الدم بسلسلة من المجازر البشعة، التي بدأت بمجزرة الحرس الجمهوري في الثامن من يوليو|تموز عام 2013، ثم تلتها مذبحة المنصة في السابع والعشرين من يوليو|تموز عام 2013، ثم بعد ذلك المذبحة الفاصلة، التي تعتبر من أبشع المذابح في العصر الحديث، مذبحة رابعة والنهضة في الرابع عشر من أغسطس|آب لعام 2013، والتي قتل فيها الآلاف دون تمييز بين طفل وشيخ وامرأة، مذبحة إن دلت على شيء فإنما تدل على إجرام لا مثيل له من هؤلاء العسكر الذين خانوا شعوبهم، ولم يراعوا حرمة لدين أو عرض، قتلوا الأبرياء ودنسوا المساجد، وحرقوا الجرحى، واعتقلوا عشرات الآلاف؛ ليعودوا بمصر عشرات السنين إلى الوراء.. هكذا تفعل الانقلابات العسكرية تنتقل بالشعوب من الاستقرار إلى الجحيم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :