الحرب مستمرة على السنة العرب منذ الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل 2003، ولكنها بدأت تأخذ مسارات جديدة في الفترة الأخيرة، تتمثل في اتحاد جماعات محسوبة على السنة ظلما وبهتانا مهمتها افتعال معارك جانبية في الوسط السني.العرب هارون محمد [نُشر في 2017/07/13، العدد: 10690، ص(8)] يجمع النائب محمود المشهداني وهو رئيس سابق للبرلمان العراقي (2006- 2009) عددا من السياسيين المغمورين، ونوابا ووزراء سابقين وحاليين، كثير منهم أعضاء في منظومة “ســنة المالكي” وآخرون يصطفون مع إيران، ليشكل منهم، محورا سياسيا جديدا، يتحالف مع الحزب الإسلامي، بهدف احتواء إرادة السنة العرب في العراق، وتذويب حقوقهم السياسية والاجتماعية، والاستمرار في تهميشهم واجتثاثهم. وفي مذكرته الخطية إلى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، يدعو المشهداني إلى عقد ما يسميه بـ”مؤتمر بغداد الوطني الموحد” بحيث يتفق الإثنان على وضع جدول لأعماله وتحديد أسماء المدعوين إليه، واختيار موعد جديد لعقده بدلا من منتصف الشهر الحالي، كما تقرر سابقا، والمعلومات تفيد بأن الجبوري وحزبه الإسلامي يحبذان مقترحات المشهداني التي تضمن سيطرة الإسلاميين على المؤتمر، وقيادته وفق أجندات تتعارض مع مصالح السنة العرب الذين يقفون بالضد من الجماعات الحزبية الإسلامية بشقيها الشيعي والسني، والمضحك في مذكرة المشهداني أنه يتمنى على الجبوري أن يكون شعار المؤتمر المشترك المرتقب “لا لدولة المكونات” متناسيا أنه والحزب الإسلامي، كانا من المشاركين الأوائل في تكريس نظام المحاصصات، وابتدعا مفردة “المكون السني” تقليدا للمكون الشيعي، الذي كانت الأحزاب الشيعية قد تداولته، وسخرته لخدمة أغراضها. ولو كان المشهداني وجماعته يؤمنون حقا بهذا الشعار، لطرحوه على التحالف الوطني (الشيعي) وهم على صلات طيبة بأقطابه، لأن التحالف هو من يمسك بمقاليد السلطة ويرسم سياسات الحكومة الحالية، ويهيمن على البرلمان، لا أن يطالب مؤتمرا باهتا ومستضعفا، لا حول له ولا قوة وفاشلا مسبقا. وواضح أن محمود المشهداني وهو أحد المدعوين إلى مؤتمر مجموعة الـ70 المقرر عقده في بغداد، منتصف الشهر الحالي، لا يريد أن يشارك في المؤتمر كعضو بسيط رشحه السفير المتقاعد سعد الحياني، وهو الترشيح الذي أثار تساؤلات عن سر العلاقة بين دبلوماسي سابق يشاع أنه ليبرالي وعلماني، وبين نائب إسلامي، وإنما كل هم المشهداني أن يحضر المؤتمر على رأس كتلة بدأ في بلورتها، عرف من بين أعضائها النواب مشعان الجبوري وشعلان الكريم وسعدون الدليمي وعبدالرحمن اللويزي وأحمد كيارة الجبوري وعبدالرحيم الشمري، والمستشار العشائري أنور ندا، وجميعهم معروفون بأنهم من “سنة المالكي”، يضاف إليهم عدد من النواب السابقين، منهم حسين الفلوجي ومحمد سلمان الطائي، وهما من ساعد المشهداني في صياغة ورقة للمصالحة، مقابل ورقة مماثلة قدمها رئيس التحالف الشيعي عمار الحكيم، وقد تعهد بتمويل هذه الكتلة والصرف على أنشطتها، وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، الذي حصر عقود ومقاولات وزارته بقادة عصائب قيس الخزعلي، ويشاطره في التمويل أيضا رئيس ديوان الوقف السني لطيف هميم، وقد وصلت فضائح تلاعبه بأموال الوقف إلى المحاكم والبرلمان، وباتت حديث الشارع العراقي. ومشكلة محمود المشهداني، أنه يبحث عن زعامة بأي وسيلة، دون أن يدرك أن للزعامة مواصفات لا تتوفر في شخصيته القلقة التي تنقّل بها من الحركة الإسلامية، إلى ممارسة العمل السياسي والتعاون مع الاحتلال، واختياره عضوا في نادي الرئاسات الثلاث مع جلال طالباني ونوري المالكي، وهو واحد من وعاظ “فقه الهزيمة” وشارك قادة الإخوان المسلمين والحزب الإسلامي أمثال محسن عبدالحميد وإياد السامرائي وسليم الجبوري ورشيد العزاوي في الترويج لهذا الفقه المتخاذل، الذي دعا السنة العرب إلى الاعتراف علنا بهزيمتهم أمام الشيعة، بل إن الليبراليين والعلمانيين العراقيين، لم يسلموا من لسان محمود، الذي دعاهم إلى الإقرار بخسارتهم أمام الإسلام السياسي، المنتصر عليهم حسب رأيه، بالاحتلال أو بغيره، المهم أنه يحكم. والمشهداني وهذا ليس انتقاصا من شخصيته، رجل بسيط ومحدود الفكر ومنفلت اللسان، وثقافته تقتصر على الأدبيات الدينية التي أعاقته عن تطوير مهنته الأصلية كطبيب عسكري، وقد ساعدته سنوات ملاحقته واعتقاله في العهد السابق كـ”سلفي”، في تقديم أوراق اعتماده لاحتراف العمل السياسي والتعاون مع الاحتلال، وتنصيبه رئيسا لمجلس النواب في أول دورة له عام 2006. ويعاني المشهداني ومن معه من عقدة حزب البعث والحركات القومية، التي ينتظم الجمهور السني العربي في العراق تحت راياتها، وهذا الجمهور نفسه هو من أسقط المشهداني في انتخابات عام 2010 عقوبة له، بسبب مواقفه المعادية للسنة العرب طيلة سنوات رئاسته للبرلمان، وأيضا لاستيلائه على مجمع سكني يعود إلى ورثة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر يقع إلى جوار الجسر المعلق ببغداد، مما اضطر الورثة إلى بيعه تحت ظروف قاهرة بثمن بخس، فرضه أحمد نوري المالكي الذي باعه هو الآخر إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء عندما كان والده رئيسا للحكومة بأضعاف أضعاف سعر شرائه، ولولا الأصوات العالية التي حصل عليها إياد علاوي في انتخابات 2014، لما حصل محمود على مقعده النيابي الحالي، الذي جاء إليه، بأصوات علاوي المتراكمة، وقد توزعت على مرشحي كتلته المتأخرين ومنهم المشهداني. الحرب مستمرة على السنة العرب منذ الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل 2003، ولكنها بدأت تأخذ مسـارات جديـدة في الفترة الأخيرة، تتمثل في اتحاد جماعات محسوبة على السنة ظلما وبهتانا، من إخوان وحزب إسلامي وشلل المشهداني ومهدي الصميدعي ولطيف هميم وخالد الملا، وســنة المالكي، مهمتها الآن افتعال معارك جانبية في الوسط السني بالتنسيق مع الأحزاب والميليشيات الشيعية، والتحريض على الشخصيات والقيادات السنية التي نكل بها نوري المالكي، ومنعها من الإسهام في خدمة بيئتها، وإعاقة عودة الملايين من النازحين السنة إلى ديارهم، وتخويف الدول العربية والخليجية من المساهمة في إعمار المحافظات السنية المنكوبة، وتهيئة الأجواء أمام فصائل الحشد للتحكم فيها، كما يحصل حاليا في ديالى وصلاح الدين وجنوب الأنبار وشرقها، وغربي الموصل، والبقية تأتي تباعا. كاتب عراقيهارون محمد
مشاركة :