شمس مشرقة وتكاليف بسيطة في دولة آمنة، أهم مطالب المقصد السياحي للسائح الألماني، الذي هجر مدنا ومناطق عربية كان يقصدها لسنوات طويلة، فهل يعود الألمان لمقاصدهم السياحية التقليدية من جديد؟ الاسترخاء على الشاطئ في الغردقة، الاستمتاع بالشمس المشرقة في الحمامات، والتجول في المدينة القديمة بمراكش. أهداف سياحية تقليدية اجتذبت السائح الألماني لسنوات طويلة، فغنى العديد من المدن العربية بالتاريخ علاوة على الشواطئ المشمسة التي يفتقدها الألمان في بلدهم، ساعدت هذه المدن في التربع على قائمة المدن السياحية العربية لسنوات. ومع التغيرات السياسية التي هزت المنطقة العربية منذ عام 2011، تغيرت خريطة الأهداف السياحية للسائح الغربي بشكل عام والألماني بشكل خاص، كما استفادت مدن عربية أخرى من هذا التغير لتجتذب إليها المزيد من السائحين. انتعاش ملحوظ بعد تراجع حاد بعد نحو خمسة أعوام من التحولات والاضطرابات التي شهدتها المنطقة، رصدت رابطة السياحة الألمانية انتعاشا ملحوظا في عودة السائح الألماني مرة أخرى لوجهاته التقليدية في الدول العربية والتي هجرها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. ووفقا للرابطة الألمانية للسياحة، فقد ارتفعت الحجوزات الألمانية لمصر وتونس والمغرب بشكل ملحوظ في عام 2016، لكنها مع ذلك مازالت بعيدة عن الأرقام التي كانت مسجلة قبل 2011. الهدوء والأمان في الإمارات المتحدة يجتذب السياح الألمان وتوضح إلين ماديكير، المتحدثة باسم الرابطة في مقابلة مع DW عربية، تطورات التدفق السياحي على الدول العربية العام الماضي قائلة: "مرت السياحة في مصر وتونس بأوقات عصيبة في السنوات الأخيرة، لكننا رصدنا خلال العام الماضي تطورا ملحوظا في نسبة الحجوزات". وأشارت الخبيرة إلى أن وتيرة ارتفاع الحجوزات السياحية لمصر أكبر منها في المغرب وتونس. وبلغ عدد السائحين الألمان لمصر خلال الربع الأول من العام الجاري، نحو 227 ألف سائح بزيادة قدرها 35% عن نفس الفترة من العام الماضي. وربما تساعد الأرقام في عقد مقارنة سريعة عن أوضاع السياحة في الدول العربية قبل وبعد الربيع العربي، ففي تونس بلغ عدد السائحين الألمان عام 2010 وفقا لبيانات بورصة برلين للسياحة، نحو 458 ألف سائح، مقابل 129 ألف سائح خلال عام 2016. وبالنسبة لمصر التي كان عدد السائحين إليها يتجاوز حاجز المليون، بلغ عدد السائحين الألمان إليها خلال عام 2016، أكثر من 650 ألف سائح، مقابل 1.3مليون سائح في عام 2010. أما المغرب فيبدو أنه استفاد من ابتعاد السائحين عن المقاصد التقليدية السياحية في دول الربيع العربي، إذ بلغ عدد السائحين الألمان للمغرب في عام 2016 نحو 615 ألف سائح، مقابل 205 آلاف سائح فقط في عام 2010. دول جديدة تدخل السباق دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة كقبلة سياحية للألمان، إذ تشير بيانات مجلة "ميركور" الثقافية الألمانية الشهرية إلى ارتفاع ملحوظ للسائحين الألمان الذين يختارون الإمارات كوجهة سياحية لاسيما خلال فصل الشتاء. ورصدت الرابطة الألمانية للسياحة زيادة ملحوظة في نسبة السفر من ألمانيا للإمارات والتي وصلت العام الماضي لنحو نصف مليون شخص، وفقا للخبيرة ماديكير التي أوضحت أن الإمارات من المقاصد السياحية المحببة للعائلات بشكل خاص لاسيما وأن السائح الألماني ينظر إليها كواحدة من أكثر الدول أمنا في المنطقة. ويسعى الأردن أيضا لاجتذاب المزيد من السائحين، لكن الأرقام مازالت ضئيلة، وفقا لبيانات الرابطة الألمانية للسياحة والتي تشير إلى أن عدد السائحين الألمان للأردن العام الماضي لم يتجاوز الـ 50 ألف سائح. ميركل: سافروا إلى الدول العربية في خريف عام 2016 خلال قمة السياحة، نصحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الألمان، بالسفر بشكل أكبر للدول العربية. وقالت المستشارة في مقابلة إعلامية على هامش القمة، إن هذه الرحلات ستساعد تلك الدول من الناحية الاقتصادية لتقليل نسبة البطالة وفتح مجالات للناس هناك، علاوة على أنها سساهم في زيادة وعي الألمان بالعلاقات التاريخية القديمة بين ألمانيا والعالم العربي. وعادة ما يلجأ السائح الألماني لموقع وزارة الخارجية الألمانية للحصول على المعلومات اللازمة عن الوضع الأمني والاجتماعي لدولة ما قبل السفر إليها، إذ يقدم موقع الوزارة معلومات وافية عن كل دولة بالإضافة إلى تحديث متواصل للوضع الأمني. وبالنسبة للدول العربية، تشير بيانات الخارجية إلى "مخاطر مرتفعة للهجمات الإرهابية ومخاطر الخطف" في دول مثل مصر، إلا أن هذا لم يمنع ارتفاع نسبة الحجوزات خلال موسم الصيف لمصر، وهو أمر تفسره ماديكير بقولها: "يبحث السائح الألماني بالطبع عن الشعور بالأمان خلال الرحلة السياحية، لكن هناك مجموعة من الظروف التي تؤثر على قرار السفر، فالمنتجعات والأماكن السياحية غالبا ما تكون بعيدة عن مواقع الأحداث المشتعلة وهو ما رصدناه بوضوح في حالات مثل تركيا". وبجانب الشعور بالأمان، تلعب عوامل أخرى دورا مهما في اختيار الوجهة المفضلة للسائح الألماني، ومن ضمنها التكلفة، إذ أن تغير سعر صرف اليورو يؤثر على اختيار الوجهات السياحية. فهل تأمل الدول العربية التي تعد رخيصة نسبيا للسائح الغربي، في استعادة السائحين الألمان، الذين أنفقوا خلال العام الماضي وفقا للإحصائيات، نحو 87 مليار يورو على الرحلات؟ ابتسام فوزي
مشاركة :