لا يختلف اثنان على أهمية الروح المعنوية كمحرك للأمم والشعوب باتجاه تحقيق رؤية مثالية معينة، لكن يتوهم الكثير من العرب والمسلمين والزعماء الديماغوجيين أن كل ما يحتاجه الشعب لكي تكون لديه الروح المعنوية المرتفعة اللازمة لتحريكه باتجاه أمجاد رؤية مثالية مزعومة هو بعض الخطب الديماغوجية العصماء التي تلعب على غرائز عصبيات ومخاوف وأطماع الجمهور لتهيج انفعالاتهم غير الواعية، لكن هناك فارقا بين التهيج الانفعالي ونشاط الهمة المرتفعة التي هي الروح المعنوية. ففي الواقع الروح المعنوية للشعب تتولد عن مؤثرين رئيسين؛ الواقع المعيشي وبنيته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فالشعب الذي يصبح ويمسي على انفجارات في شوارعه ودور عبادته وأسواقه لا يمكن أن يشعر بالهمة والإلهام والأمل بغد أفضل يتفانى في صنعه، ولهذا وإن كانت الجماعات الإرهابية تشعر بالنشوة لنجاحها باقتراف مثل هذه الجرائم لأنها أوهمت نفسها أنها وسيلة استعادة أمجاد الماضي عبر تدمير الحاضر وأهله، فهي في الواقع سبب أساسي في سقوط الروح المعنوية للمسلمين وبالتالي انحطاط وضعهم العام، فعدم الاستقرار لا يشجع على الازدهار. أما المؤثر الثاني: فهو نوعية الثقافة السائدة وبنيتها النفسية والعقلية التي تحدد نوعية السلوك المثالي المفترض والمتوقع من الفرد في إطار الجماعة ومصالح الجماعة، فهناك ثقافة لا مبالية تمجد الكسل والتراخي والحصول على المال بدون تعب ولو بالتواكل والشحاذة، وهناك ثقافة تمجد العمل والإنجاز والتفاني في كفاءة القيام به، وهناك ثقافة استهلاكية تشجع التفاخر والتباهي بمظاهر البذخ وهناك ثقافة استثمارية تشجع استثمار الإنسان لمدخراته بدل تبذيرها بالبذخ وتحتقر من يتفاخر ويتباهى بالبذخ. وهكذا من أراد إصلاح حال العرب والمسلمين فعليه معالجة الروح المعنوية المتردية لديهم بمعالجة جذورها.
مشاركة :