تشهد محافظة النعيرية تطورًا مزدهرًا لامس مختلف جوانبها ونقلها إلى مصاف المحافظات المتقدمة في بلادنا الغالية، حيث تبوَّأت المحافظة الموقع الإستراتيجي الذي أكسبها أهمية بالغة، تمثل في وقوعها على عدة طرق دولية وهامة، منها طريق الشمال الدولي الذي يربط المنطقة الشرقية بالشمالية، واشتهرت النعيرية بمسمى (عروس الربيع) لسنوات عديدة مضت، فيما لا تزال ذاكرة الآباء تحتفظ جيدا بما كانت تشهده النعيرية من ظهور نبات الفقع والربيع الذي كان يكسو أراضيها؛ ما جعلها مقصدًا لهواة البراري والكشتات الربيعية للاستمتاع بأجوائها والتخييم على مسافات شاسعة من فيافيها. وبالرغم من أن المحافظة افتقدت خلال السنوات الأخيرة هذا الربيع، ولم تعُد كما كانت في السابق، إلا أنها لا تزال وجهة سياحية تستقطب الكثيرين من عشاق الرحلات والمخيمات الشتوية من داخل المملكة، ومن دول الخليج المجاورة. سوق النعيرية قديمًاالتسمية تعود تسمية المحافظة بهذا الاسم لجبال تقع في شمالها، اشتهرت بين أبناء البادية ممن كانوا يترددون على هذه المواقع لسقاية مواشيهم وإبلهم من مياه الآبار في تلك الحقبة من الزمن، لينحدر الاسم من الجبال التي تبعد الآن عن المحافظة حوالي 8 كيلو مترات تقريبًا ويصبح اسمًا شائعًا للنعيرية المحافظة. خط التابلاين في نهاية الخمسينياتلمحة تاريخية الذي يعرف النعيرية في الماضي يلحظ التطور الذي غيّر من ملامح البلدة الصغيرة الحالمة وسط الصحراء ببيوت شعرها وصنادقها ومنازل أهلها الشعبية إلى محافظة نامية ومتطورة، فلقد تحوّلت هذه البلدة المتواضعة في السابق إلى محافظة مزدحمة الآن بالكثير من المباني العمرانية الحديثة، والمخططات السكنية التي ترتبط بشوارع منشأة بطرق هندسية مدروسة، لتتواكب مع النهضة التي تعيشها المملكة في كثير من مناطقها ومحافظاتها، فبعد أن بدأت شركة أرامكو أعمال إنشاء خط الأنابيب عبر البلاد العربية (تابلاين) خلال الفترة من 1948م إلى 1950 م بطول 1664 كيلو مترًا من بقيق إلى تقاطع خطوط أنابيب القطيف ثم إلى ميناء صيدا في لبنان، شيّدت على هذا الخط النفطي خمس مضخات في المواقع الحالية للنعيرية والقيصومة ورفحاء وعرعر وطريف، وكان الموقع الذي اختارته الشركة سببًا في نشأة النعيرية وتجمّع أهل البادية حولها للاستفادة من بعض الخدمات التي تقدمها الشركة لمنسوبيها، ولأهل البادية أيضًا كالخدمات العلاجية وآبار المياه.. وكان ذلك في أوائل الخمسينيات، فبدأ أهل البادية بالتوافد والاستقرار حول هذا الموقع في بيوت شعر لفترة من الزمن، أعقبها إنشاء صنادق من الألواح الخشبية والصفائح المعدنية حتى استقرت الحياة نوعًا ما، وأصبح هذا الموقع مكانًا لتجمّع الناس وتبادل مصالح البيع والشراء فيما بينهم، كبيع الأغنام والمواد التموينية التي كانت تُجلب من الجبيل والأحساء والدمام، وبدأت أعداد أهالي البادية بالتزايد حتى أُنشئت بيوت الطوب واحدًا تلو الآخر، وزادت رقعة البلدة الصغيرة حتى تم افتتاح أول إدارة حكومية وهي «الإمارة» وكان مبناها يسمّى «القصر» ويضم بداخله مكاتب للشرطة والبريد والقاضي والجمارك، ويقع بجوار قصر الإمارة مبنى خفر السواحل قبل أن ينتقل وتتسلم الشرطة المبنى، وهو مقر الشرطة الحالي بعد أن أدخلت عليه الكثير من التعديلات خلال فترات متفاوتة حوّلت من معالمه إلى مبنى حديث، وكان يُقابل قصر الإمارة (مرتبل) تم تخصيصه لفرع البلدية الذي كان يتبع الدمام عام 1380 ـ 1381هـ، حتى تم إنشاء مبنى خاص للبلدية (خلف مبنى المحافظة الآن) عام 1381هـ واعتماد ميزانية مستقلة لها وفصلها عن بلدية الدمام عام 1382هـ، وبدأ العمل على سفلتة الشوارع بعد تهيئتها وتمهيدها، وكان أول هذه الشوارع سفلتة هو شارع الأمير سلطان بن عبدالعزيز (الملك عبدالعزيز سابقا) والذي يمر بمبنى البلدية السابق والمستشفى العام حاليا، ثم أنشئ أول جامع في النعيرية وهو الجامع الكبير وسط المحافظة (أحمد بن حنبل) حالياً، ثم افتتحت أول مدرسة ابتدائية في النعيرية واستمر التعليم فيها لعدة سنوات، حتى هُدم المبنى وأعيد إنشاؤه عام 1379هـ وتحوّل اسم المدرسة إلى عبدالله بن عمر الابتدائية وهي المدرسة الحالية، والتي كانت قد شهدت زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ للنعيرية عام 1383هـ، حيث احتفى الأهالي في هذه المدرسة بزيارة الملك فيصل عندما كان وليًّا للعهد، في حين كانت النعيرية قد استقبلت الملك سعود قبل هذه الزيارة خلال جولته على المناطق بداية توليه الحكم، ثم توالى افتتاح المدارس بعد هذه المدرسة وبدأت النهضة العمرانية بالنعيرية تتسع شيئًا فشيئًا، حتى انتشرت المنازل الحديثة بتصاميمها وأدوارها المتعددة بدلًا من منازل الطوب القديمة ذات أعمدة السقف الخشبية، وأصبحت الحضارة تجتذب الأهالي بإمكاناتها ونعيمها حتى أصبح الاستقرار الأسري هدفًا من أهداف أبناء البادية لتعليم أبنائهم وتطوير حياتهم والاستزادة من مقوّمات الحياة بقدر استطاعتهم، حتى أصبح ابن البادية الآن يعادل في تعلمه ومعرفته حضارات العالم، ويأخذ مكانه في المسؤولية لإدارة المهام الحيوية في الطب والتعليم والصناعة وأجهزة الدولة المختلفة. العمارة الحديثة تزيّن النعيرية (اليوم)كثافة سكانية ونماء مطرد أصبحت النعيرية المدينة التي نشأت في أعقاب إنشاء محطة ضخ البترول تتسع مساحتها لتستوعب كثافة سكانية كبيرة بعد أن كانت صحراء يحيط بها مجموعة من الآبار الجوفية ويرد إليها أهل البادية لإرواء ماشيتهم، حيث ما تم تقديره بالأمس غيَّره واقع الحياة اليوم، فقد قدّر لها نطاق عمراني يمكن تنميته خلال فترة زمنية قصيرة ليستوعب كثافة سكانية تقديرية، إلا أنها لم تلتزم بهذه الحدود على المخطط الإرشادي، واتسعت رقعتها ومخططاتها السكنية حتى أصبحت اليوم محافظة حيوية تنافس المدن الرئيسية في الإمكانيات والخدمات والحركة الاقتصادية والتخطيط العمراني، ساعدها في ذلك موقعها المتوسط بين طرق دولية وطرق رئيسية تربطها بمدن المملكة، إضافة إلى وجودها على مسافة قريبة من أكبر شركات النفط والغاز والصناعات التعدينية في السفانية ومنيفة ورأس الخير، ويوجد بها مجمع ورش الصيانة المركزية للقطار الناقل للمعادن من شمال المملكة (سار) إلى رأس الخير، فضلًا عن كونها أيضًا منطقة جذب سياحي يفد إليها آلاف المواطنين من الداخل ومن منطقة الخليج لقضاء عطلة الربيع، حيث تنتشر مخيمات المتنزهين الشتوية بشكل كبير في فيافيها وتتحول صحراؤها إلى ملتقى خليجي جميل يمتد لأكثر من ثلاثة أشهر. ويتوافر في النعيرية اليوم معظم الإدارات الحكومية المعنية بخدمة المواطنين، وازدادت مساحتها العمرانية بظهور أحياء سكنية جديدة كأحياء الربيع والخليج والزهور، بالإضافة إلى المحمدية وحي العزيزية الذي يزدحم بالمباني السكنية والتعليمية ويحتضن مجمعًا للدوائر الحكومية الجديدة على مساحة تقدّر بنحو 120 ألف متر مربع، جُمعت في موقع واحد لتكون قريبة من بعضها لتسهل مراجعات المواطنين، بينما لا تتوافر حاليًّا إحصائية دقيقة للسكان إلا أنه بات من المؤكد أن عدد السكان في النعيرية أصبح كبيرا ومتزايدا في نمو مطرد، حيث أصبحت المحافظة كخلية النحل التي قل أن تهدأ حركتها حتى في أوقات المساء المتأخرة، في حين تمتد خدمات المحافظة الإدارية والتعليمية والطبية والاقتصادية وغيرها لـ24 مركزا إداريا يتبع المحافظة بالإضافة إلى عدد من الهجر، حيث يستفيد أهالي تلك المراكز والهجر بشكل مباشر من الخدمات المتوافرة في النعيرية، ونظراً للكثافة السكانية المطردة فقد تم التوسع والتنويع في المجال الاقتصادي وافتتاح مدارس إضافية للبنين والبنات حتى أصبح اليوم في النعيرية نحو 30 مدرسة بنين وبنات، وتم إنشاء مساجد وجوامع جديدة تتواكب مع توسع المحافظة وزيادة رقعتها المساحية ليرتفع العدد إلى 61 جامعًا ومسجدًا، بالإضافة إلى مصليّتين للعيد، كما أسهم افتتاح كلية للعلوم والآداب للبنات في المحافظة في استقطاب أعداد ليست قليلة من الأسر للإقامة في المحافظة، في حين يفضل الكثير من موظفي القطاعات العسكرية والشركات الصناعية القريبة من النعيرية، السكن في المحافظة للاستفادة من الخدمات المتوافرة لأسرهم، وهو ما زاد في نسبة إشغال المساكن والشقق، وكان داعيًا لتوجّه الكثير من التجار إلى القطاع العقاري لتلبية هذا الطلب المتزايد، إلى جانب سد احتياج الزوار من المتنزهين الذين يقصدون المحافظة في مواسم الإجازات، كإجازتي عيد الأضحى ومنتصف العام الدراسي من خلال افتتاح الكثير من الشقق المفروشة والوحدات السكنية والفنادق. شارع الملك عبدالعزيز الإضاءة تزين أحد دواوير المدينة منظر علوي للمحافظة متنزهون في أحد مخيمات المحافظة
مشاركة :