سبق أن ذكرت في مقالات عدة أن كل أدوات اللعبة في ما حصل بالمنطقة العربية ستضمحل وتنتهي لتبدأ مرحلة أخرى بأدوات جديدة تم الترتيب لها بدهاء، خصوصاً في سورية والعراق واليمن، التي دُمِّرت كل معالم مدنها بحجة الحرب على الإرهاب. كلنا نتذكر كيف استولى تنظيم "داعش" على شمال العراق، بعد أوامر صدرت للجيش العراقي بالانسحاب وترك كل عتاده ومعداته لـ"داعش" الذي لم يكن معروفاً وقتئذٍ، كما نتذكر كيف كان "داعش" يتحرك بكل معداته من منطقة إلى أخرى بأريحية تامة دون أن ترصده الأقمار الاصطناعية للدول التي تدّعي الحرب على الإرهاب، ونعلم أيضاً التسهيلات التي قُدِّمت إلى المغرر بهم من شباب الأمة ليلتحقوا بهذه العصابة بذريعة الخلافة الإسلامية، الأمر الذي جعلني، كمتابع، أجزم بأنها مرحلة تم الترتيب لها بعد ثورات ما سمي بالربيع العربي على الدكتاتوريات، والذي جعلوه لهيباً عربياً دمر الحجر والبشر دون حتى استنكار من دعاة الديمقراطية، التي أصبحتُ على يقين بأنها لن تُقدَّم لنا من تلك الدول ما حيينا. لقد ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد ونجحوا في ترتيب المنطقة وإخضاعها لهم مئة سنة قادمة، تماماً كما فعلوا بعد مؤتمر كامبل واتفاقية سايكس بيكو، حيث نجحوا في إخماد الثورات العربية بحجة الحرب على الإرهاب، وشوهوا صورة الإسلام الحقيقي وحموا الدكتاتوريات التي جثمت على صدور الأمة عقوداً جعلت منها أمة متخلفة لا تعي حتى حقوقها، ودمروا البنية التحتية لأقوى وأكبر الدول العربية، بل محوا حتى معالمها التاريخية وأفقدوا العرب ثقتهم بجيوشهم التي كانوا يعتقدون أنها لحمايتهم، وبذلك حققوا ما لم يحققوه حتى في زمن استعمارهم، فأمّنوا للصهاينة استقرارهم وحموا الدكتاتوريات وأمّنوا اقتصادهم لسنواتٍ عدة. وستكون مرحلة ما بعد "داعش" هي نهاية تلك التمثيلية المدمِّرة حيث ستؤمن المنطقة من خلال حرب ستخوضها الأمة نيابة عنهم للقضاء على كل أدوات المرحلة الحالية، فتصبح المنطقة آمنة لشركاتهم التي ستعمر ما دمر طوال الفترة الماضية، وسيكون إعمارها أيضاً من أموال الأمة، وستخرج لنا منظمات حقوق الإنسان لتتحدث عن مآسي تلك المرحلة، وتشغلنا عن حقيقة من فعلها؟ ولماذا؟ يعني بالعربي المشرمح: ما شاهدناه من انتصار على "داعش" هو في حقيقته ليس انتصاراً حقيقياً، ولكنه مرحلة انتهت بعد أن حققت أهدافها، وستكون المرحلة المقبلة الفصل النهائي لهذه المسرحية، حيث سنقوم بالنيابة عنهم بتأمين المنطقة لإعادة إعمارها من خلال شركاتهم، وبهذه المسرحية نجحوا، كما ذكرت، في القضاء على الثورات العربية وتمزيق الأمة وتفكيكها ونزع ثقتها بجيوشها، وتأمين أمن واستقرار الصهاينة، ومن ثم إعادة إعمار ما دُمِّر لتأمين اقتصادات بلدانهم، والخاسر الوحيد هو العرب.
مشاركة :