على عكس ما يرجى لها، تبدأ حياة المقبلين على الزواج بمطب كبير يتمثل في حفل الزفاف ونفقاته الذي يعتبر كافياً في كثير من الأحوال لهز كيانها ويضعها أمام مشكلات حقيقية، بل ربما ينهي تلك الحياة قبل أن تبدأ، ليكون القشة التي تقصم ظهر واقع يزداد تفاقماً في حياة الكويت والمجتمعات العربية بشكل عام.القصة هنا تتناول ظاهرة التفاخر والتباهي بحفلات الزواج بشكل مبالغ فيه وبتكلفات باهظة تخلف ديوناً كبيرة تثقل كاهل الشاب في بداية حياته الزوجية. فبعد تجاوز عقبات كبيرة في مسيرة بناء بيت الزوجية، من مهر وتجهيزات، يصل الأمر إلى ليلة العمر، والاستعداد لها، لتبدأ المطالب الكبيرة التي ترغب العروس وأهلها أن تكون متميزة، بل تفوق في فخامتها حفلات قريناتها، لتتفاخر عليهن وتبدي تفوقها وتميزها، بغض النظر عن تبعات هذه التطلعات، فواتير تنهب الجيوب، وصرف للأموال بطرق مبالغ بها على المظاهر الخارجية، من قاعات خيالية، وولائم بكميات كبيرة لعدد قليل من الناس، وهي في الحقيقة كفيلة بإطعام مخيم للنازحين، لينتهي بها المطاف في سلات القمامة، ناهيك عن نفقات الملبس والمكياج ومطربة الحفل، ما يؤدي في كثير من الأحيان لتراكم الديون على الزوج البائس الذي لا يجد له حولاً ولا قوة أمام هذه القوانين الاجتماعية الصارمة.وقد تسببت كل تلك المظاهر والمتطلبات إلى وجود ظاهرة لافتة للنظر تتمثل في العزوف عن الزواج لدى الشباب، وهم يرون ما ينتظرهم من أعباء قد لا يستطيعون تحملها، فيما أهل العروس يفرضون اشتراطات كمالية لا علاقة لها بمستقبل ابنتهم التي تصبح في تعاملهم مع العريس كما لو أنها سلعة، وهم لا يعلمون أن الإسراف غالباً ما يكون سبباً في فشل الزواج بسبب العبء الكبير الذي يُلقى على كاهل الشاب، فأصبح الحرام أسهل من الحلال، وعملوا بهذا على صرف أنظار الشباب عن الزواج.وفي هذا الصدد، قال الدكتور فوزي الخواري إن «المجتمع الكويتي بدأ بالتوجه في الآونة الأخيرة إلى المباهاة في المستوى المعيشي والخدماتي»، مشيراً إلى ان «الأمر ليس مقتصراً على حفلات الزفاف فقط، حيث أصبح الصرف الزائد على مكملات الزفاف وليس على الحفل الأساسي، ولذلك نجد المبالغ تصرف على الإضافات غير الضرورية، بينما الأولى أن يكون بناء عش الزوجية مريحاً لا مرهقاً لكلا الطرفين خصوصاً في بدايته».وأضاف إن «هذه الكماليات قد تضفي البهجة والسرور على الزفاف، ولكنها تكاليف مادية يتحملها الزوج والزوجة على حساب حياتهما المستقبلية فقط، لكي يبهرا الحضور، علما أن راتب الشاب الكويتي في مقتبل حياته ليس من رواتب السلم العالي، بل في المستوى المتوسط وعليه لا يمكن أن يغطي هذه التكاليف، بالتالي الأموال التي ستدفع بالتأكيد إما أنها تجميع حياته بأكملها وإما أقساط، وهذا البذخ ليس من ديننا وعاداتنا في شيء»، مبينا أن «الأعراس في السابق كانت سهلة وبسيطة وفيها من الفرح الكثير، والآن تجدهم برغم البهرجة الزائدة في حفلاتهم يتطلقون بعد شهر أو اثنين من الزواج».ورأى الخواري أن المغالاة في مهور البنات تأتي في كثير من الأحيان من طرف الأم وليس الأب، لأن التباهي صفة متعارف عليها بين النساء أكثر من الرجال، مبينا أن «أقل حفل زفاف في الكويت يكلف الآن ما بين 30 إلى 40 ألف دينار، حيث يتجه البعض لجلب تجهيزات زفافه من الخارج مستخدماً طائرات خاصة»، مشدداً على أن العروس سلعة غالية لا تضاهى بثمن، فهي فلذة كبد عائلتها وتعطى لشخص ما لا توجد علاقة مسبقة بينهم وبينه.وتابع «أعمار الزواج بدأت بالتأخر في الآونة الأخيرة وأصبحت من الثلاثينات فما فوق، والسبب أنهم يريدون تكوين أنفسهم لأنهم غير قادرين على كل هذه المصاريف، وقد يكون أيضا الهروب من تحمل مسؤولية وجود شريكة في حياته، فليس الصرف وحده من يغير من توجهات الشباب بل أيضا قيمة الزواج، فالكثير من المفاهيم الدخيلة على مجتمعاتنا أصبحت تدفعهم للعزوف عنه».من جهته أكد استاذ علم النفس، الدكتور خضر البارون أن «حفلات الزواج ظاهرة اجتماعية من التراث، وهي موجودة من يوم بدء الخليقة، فدائماً ما تكون هناك احتفالات بالزواج، ولكنها بسيطة بأدواتها وتكاليفها لأن الغرض منها الفرح والسرور، وكانت سابقاً تضم دائرة العلاقات الاجتماعية المُقربة من أهل الشاب والفتاة والمقربين من أصدقائهم».وبيّن أن الوضع اليوم لم يعد كما كان عليه، حيث اتسعت الدائرة من باب المجاملات وفقدت العديد من القيم وأصبح التفاخر سيد الموقف، مشيرا إلى أن «تقاليدنا تغيرت في الأعراس، ومنهم من يتجه لإقامة زفافه في الخارج بتكاليف باهظة أيضاً، عدا عن غلاء المهور الذي كسر ظهر الشاب، حيث لا يتعدى المهر أيضا نصف قيمة الحفل من أجور القاعات والبوفيهات والهدايا، ويتنافسون بإحضار المطربين لحفلاتهم»،وأردف البارون «يمكن للمتزوجين أن يدفعوا الكثير لحفل زفافهم، وعقب انتهاء الحفل وبدء الحياة الزوجية سيرهقهم التفكير في كيفية سداد الأقساط والتعافي من المبالغ الكبيرة التي صُرفت، مما يؤدي لضغوط مادية تؤثر على العلاقة الزوجية»، مشدداً على والد الفتاة ألا يعامل ابنته في الزواج على أنها سلعة تُباع وتُشترى بالمبلغ الفلاني.ورأى البارون أن «البذخ في حفلات الزفاف أدى لصرف الشباب نظرهم عن الزواج وتأخيره، ما سيجرف بهم إلى الحرام»، مبينا أن «فراغ الشباب من الحياة الزوجية ومسؤولياتها يؤدي أحياناً إلى ارتكاب الجرائم وانتشارها في المجتمع، ناهيك عن توجههم للسفر إلى الخارج لإشباع رغباتهم ما يساهم بإصابتهم بأمراض خطيرة ومعدية وهو واقع الحال الآن».مظاهر ومشكلاتمتطلبات العروسرأى الدكتور فوزي الخواري أن معظم الفتيات يعزفن عن الزواج بحجة انتظار من يليق بمستواها، تريد السفر والتسوق والمنزل وغير ذلك من فواتير الهواتف وأقساط السيارات، فيقف الشاب لحظة ليفكر ما الذي قد يدفعه لإنفاق هذه النفقات المهولة، ويجد العلاقات التي يستطيع تحريكها وتبديلها كما يحلو له طريقا أسهل، ولذلك الأمر ليس وقفا على التكاليف بحد ذاتها إنما المفاهيم التي دخلت علينا.استغلال الزوجةشدد الخواري على أن «النية السليمة تلعب دورا أساسيا، فالزوجة الآن أصبحت مستغلة ماديا، فإما ما تريده أو التهديد بالطلاق وما سيترتب عليه من نفقات يدفعها الزوج، ومرتب الحكومة الذي يمنح للمطلقة، حيث نجد الآن أعدادا كبيرة من الفتيات اللاتي يعشن بمفردهن».هل تحقق السعادة؟تساءل استاذ علم النفس، الدكتور خضر البارون في حديثه عن غلاء تكاليف الزواج «هل تجلب كل هذه التكاليف السعادة في الزواج؟ السعادة لا يمكن أن تشترى بمال وليست بالمظاهر والشكليات إنما بالقلب».
مشاركة :