ليس موقف الكاتب مهما إلا له. وعندما أكتب مذكرا بمواقفي السياسية فليس ذلك إلا من قبيل تبرئة الذمة، وليس كما يذكرنا بعض الناشئين بما كتبوا منذ ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر أو ثلاث سنوات، وكأنما الدنيا تدور حول رؤوس أقلامهم والشعوب ترقص حولها. كتبت ضد كل تدخُّل أميركي في كل مكان، منذ الهجوم الفاشل على كوبا إلى الغزو الأفشل للعراق، مرورا بكتابة شبه يومية أيام حرب فيتنام، ومرورا بكل سياسات واشنطن في القضية الفلسطينية، ومرورا بقضايا الحقوق المدنية. أريد القول إنني لست من دعاة تدخل أميركا في سوريا أو العراق. وأنا مع فوز أوباما لأنه تطوّر في صالح البشرية عامة أن يصل أفروأميركي إلى الرئاسة في بلد عانى فيه السود طويلا. وبعد وصوله رجوت الصحافيين الذين لا شيء آخر لديهم يكتبونه أن يمهلوا الرجل عامين قبل أن يبدأوا في تقريعه. إلى آخره. لكن هذا أمر، وأن يتحول رئيس أميركا إلى متفرج بلا نفوذ أو موقف أو مشاعر، في القضايا الإنسانية، فهذا شطط سياسي يوقع العالم في الخلل الذي لا يعوض. أكثر ما أثَّر بي كلام أمير طاهري، وهو أن على الناس ألاّ يأملوا في أن تتحرك أميركا في أي موضوع إنساني ما دام باراك أوباما رئيسا. وكما دفع العالم ثمن الخلل الذي أحدثه سقوط الاتحاد السوفياتي، يدفع اليوم ثمن استقالة الدور الأميركي من مآسي الشعوب. كذلك، تدفع أميركا نفسها ثمن سربلتها وغياب قرارها، ويرى أوباما أن المالكي الذي اختاره حليفا غير قادر على إبعاده خصما. تخبط في كل مكان، من مصر إلى سوريا إلى العراق إلى الخليج، ناهيك بالضرر الذي ألحق به في أوكرانيا. لا أذكر مرحلة كانت فيها السياسة الخارجية الأميركية على مثل هذا السوء حول العالم. أدت عدوانيات جورج دبليو بوش وفريقه التدميري إلى ما وصفه جاك شيراك بـ «فتح أبواب الجحيم»، لكن رخويات أوباما أدّت إلى مآسٍ بشرية بلا حدود في العالم العربي. وصارت بياناته التحذيرية تشبه بيانات الصين الشعبية رقم عشرة آلاف وخمسمائة في جزر كيوامي وماتسو. وكانت الصين تصف أميركا يومها بأنها «نمر من ورق» وهذا ما يوحي به باراك أوباما اليوم حين يستعرض أناقته في حديقة البيت الأبيض ليعرض بلاغته اللفظية التي لم تؤدِّ إلى أي شيء في أي مكان من العالم، سوى أن الرئيس متمتع بالسكن في بيت ضخم له حديقة جميلة، على حساب الذين اقترعوا له.
مشاركة :