د. محمد الصياد 46% من الأمريكيين لا يرون في تغير المناخ تهديدا جديا للعالم و27% فقط يرون أن هنالك شبه إجماع بين العلماء على أن النشاط البشري مسؤول بدرجة أساسية عن ظاهرة التغيرات المناخية. مثلما أن الولايات المتحدة الأمريكية الرسمية، حكومةً وأحزاباً، منقسمة بشأن الموقف من تغير المناخ، بين حزب جمهوري وأوساطه وأنصاره، معارضين بشراسة لقضية تغير المناخ وللإجراءات اللازمة للتصدي لظواهره الطبيعية الخطيرة ولانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، وبين حزب ديمقراطي وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وأوساط علمية وأكاديمية وإعلامية، مؤيدين للجهود الدولية المشتركة والمتعددة المبذولة لمواجهة تحدياته، كذلك هو الحال بالنسبة لموقف الرأي العام الأمريكي من هذه القضية.فالدلائل المتوفرة بشأن موقف الرأي العام الأمريكي من قضية تغير المناخ تتراوح ما بين الإيجابي والسلبي المقلق. في الجانب الإيجابي تُظهِر نتائج استطلاع رأي أجرته شبكة «سي بي إس» بأن نسبة الأمريكيين الذين يرون أن الاحترار العالمي له الآن تأثيرات جدية، قد ارتفعت من 43% في عام 2009 إلى 56% في عام 2016. أيضا فإن «مؤسسة بيو للأبحاث» أجرت استطلاعاً مماثلاً أظهر أن نسبة الأمريكيين الذين يرون أن هنالك أدلة قوية على احترار كوكب الأرض، قد ارتفعت من 57% في عام 2009 إلى 72% في عام 2014.ولكن، في الجانب الآخر، كانت نسبة الأمريكيين الذين استطلعت مؤسسة «بلومبيرج» آراءهم في عام 2016 وقالوا بأن تغير المناخ يشكل تهديدا جديا للعالم، لم تتجاوز 46%. كما ذهبت في ذات الاتجاه نتائج استطلاع أجرته مؤسسة بيو للأبحاث في نفس العام، وخلاصتها أن 27% فقط من الأمريكيين يرون أن هنالك شبه إجماع بين العلماء على أن النشاط البشري مسؤول بدرجة أساسية عن ظاهرة التغيرات المناخية. نفس الاستطلاع أظهر أن 48% فقط من الأمريكيين مستعدون للإقرار بأن تغير المناخ ناتج عن النشاط البشري.وهذا يجعل من مهمة مشكلة تغير المناخ ضمن أولويات الحكومة الفيدرالية، في ضوء رفض حوالي نصف الشعب الاعتراف حتى بوجودها، في غاية الصعوبة. ويكفي للدلالة على ذلك أن أصوات الناخبين الأمريكيين هي التي رجحت كفة المرشح الرئاسي المناهض بشدة للجهود الدولية الرامية للتصدي لمخاطر تغير المناخ. وإحقاقاً للحق فإن في موقف الأمريكيين الذين يرفضون الإقرار بحجم الخطر الذي يشكله تغير المناخ، الكثير مما ينطوي على الوجاهة. مؤسسة «غالوب» التي نشرت استطلاعاً للرأي تُظهر فيه أن 1 فقط من كل 4 أمريكيين يعتبر أن «التلوث» و«البيئة» يشكلان القضية الأبرز التي تواجه الأمة الأمريكية. فأغلبيتهم تعتبر أن قضايا الصحة وفرص العمل وحالة الاقتصاد أكثر أهمية وأولوية بالنسبة لهم. صحيح أن بروباغاندا الحزب الجمهوري المسخَّرة ضد علم المناخ ومخاطر تغيراته، أسهمت في عدم اهتمام الرأي العام بهما، إلا أن الصحيح أيضا أن الناس لم ترَ بأم أعينها بعد، بصورة محسوسة، الكوارث المنسوبة حصراً للتغيرات المناخية، رغم الأعاصير المدمرة التي تعرضت لها العديد من المدن الأمريكية. فلربما عندما يلمس الأمريكيون اختفاء حصاد محصول الذرة وفول الصويا في الوسط الغربي الأمريكي واختفاء إمداداته من الأسواق، ربما حينها سيتغير الوضع بالنسبة للنصف الآخر غير المبالي بعد بمخاطر تغير المناخ. وكما أسلفنا، علينا ألا ننسَ الدور الذي لعبته الميديا الأمريكية في تشكيل الوعي الجمعي الأمريكي وإعادة تشكيل ثقافته ومركزتها حول دوامة «الأنا» ومستنسخاتها القيمية مثل الإشباع الفوري والسهولة والراحة والمتعة. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تعمل مثل هذه القيم على صد أي محاولات للمشاركة في جهد جماعي عالمي لمواجهة مخاطر تغير المناخ، فالمتشبعون بمثل هذه القيم سوف يفضلون بالتأكيد قيام الآخرين بهذا الجهد نيابة عنهم فيما هم يتنعمون بمزايا استهلاك الوقود الأحفوري.وهكذا فإن قضية تغير المناخ في الولايات المتحدة، بعد إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة انسحابها من اتفاق باريس لتغير المناخ، سوف تعاني تجاذبات وصراعات بين الفريق المناهض لها، والذي آلت إليه الغلبة مؤقتا بعد وصوله إلى قمة السلطة التنفيذية، وبين الفريق المؤيد لتصديرها أولويات العمل الحكومي والتنموي المستقبلي. وكلا الفريقين لهما امتداداتهما في قطاعات الأعمال وفي أوساط الرأي العام. وكما هو واضح فإن مزاج الرأي العام في الوقت الراهن، وبسبب استمرار معاناة الكثيرين من تداعيات الأزمة الاقتصادية لعام 2008، ليس مستعداً لتقبل تسويق أنصار قضية المناخ لفضائل التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة ما لم يلمس الناس بشكل مادي وملموس حسنات هذا الخيار على أوضاعها المعيشية.
مشاركة :