تـم تحرير الموصل من داعش ولـم يعد أحد يتحدث عن الخونة اللذين سلموها عام 2014 .. فالموصل ثاني أكبر مدينة في العراق ومن الصعب على مليشيات صغيرة كداعش السيطرة عليها (فجأة) ودون خسارة رجل واحد.. يصعب تقبل فكرة تغلب 2700 مقاتل يحملون أسلحة يدوية خفيفة على قطاعات كاملة من الجيش العراقي تملك رجالا وطائرات وامدادات لا تنقطع.. الحقيقة المرة هي أن حكومة نوري المالكي (في ذلك الوقت) هي من دعت الدواعش لاحتلال المدينة وأمرت قواتها بتسليم أسلحتهم ومغادرتها فورا.. تورط في هذه الخيانة قادة ومسؤولون كبار بعضهم قبض الثمن بالدولار، وبعضهم نفذ أجنده خارجية، والبعض الآخر خان وطنه على أساس مذهبي... وفي حين لم يتطلب سقوط الموصل سوى ساعات، وسبعة عشر مليون دولار دفعـت لتسليمها، تطلب تحريرها عــدة أشهر وأكثر من 50 مليار دولار لإعادة إعمارها من جديد ! ... وبيع مدينة الموصل ليس سوى أنموذج لبيع أوطان تكرر في كل مكان .. فقبل خيانة حكومة المالكي احتل المغول بغداد عام 1258 بفضل مؤيد الدين العلقمي الوزير الأول الذي خان الخليفة المعتصم وسهل دخول المغول إلى المدينة.. وحين علم بذلك والي الموصل بدر الدين اللؤلؤ بعث وفداً لقائد المغول هولاكو يحمل مفاتيح المدينة وكماً هائلاً من الهدايا مقابل تركه والياً عليها ــ فكان له ما أراد ... وحين نراجع أحداث الحرب العالمية الثانية نكتشف حالات خيانة كثيرة سهلت دخول الجيوش الألمانية في بداية الحرب إلى بلجيكا وفرنسا والدنمرك ، واكتساح الجيوش الروسية لبولندا ودول البلقان وشرق ألمانيا نفسها ــ في نهاية الحرب ... نكتشف أن الأوطان يمكن تباع وتشترى وتعرض برسم البيع (ورسم البيع هي البضاعة المعروضة لدى البائع ولكنها مملوكة لغيره ولا يتم تسجيلها في الحساب الرسمي للبائع والمشتري)... وحسب علمي أول خيانة سياسية من هذا النوع حدثت عام 193 ميلادية.. ففي ذلك العام توفى الامبراطور الروماني "بوبليوس برتيناكس" فـثار حرسه الخاص مطالبين بدفع رواتبهم المتأخرة . وحين أخلى البرلمان مسؤوليته من هذا الطلب استولوا على مباني الحكومة وأعلنوا عن تنظيم مزاد علني لبيع الإمبراطورية الرومانية ـــ وفاز بالصفقة تاجر روماني يدعى ديديوس سالفيوس دفع مايوازي خمسين مليون دولار بأسعار اليوم !! ومن المعروف أن الفاتيكان كان يملك (اعتمادا على حق الوصاية الدينية) كامل الأراضي التي تشغلها الــدول التي تدين بالمذهب الكاثوليكي في العصور الوسطى.. ولإحكام سيطرته على هذه الممالك كان يهب أموالا طائلة للقساوسة والنواب العاملين في تلك الدول لضمان ولائهم له.. ولم يقتصر احتكاره على ممالك الأرض بل أدعى امتلاكه لمملكة السماء وأخذ يبيع أراضٍ في الجنة على الملوك والأباطرة وكل من يدفع المال (تحت مسمى صكوك الغفران)... والحقيقة أنه حتى قرنين مضت كانت الكنيسة البرتغالية تملك فعليا ثـلثي أراضي البرتغال ــ بالإضافة الى حـق امتلاك أي أراضٍ مكتشفة في القارتين الأميركيتين. لهذا السبب اضطرت البرازيل (حين استقلت عن البرتغال عام 1822) إلى شراء نفسها من خلال دفع أقساط سنوية كبيرة للكنيسة البرتغالية استمرت حتى مطلع القرن العشرين !! ... وغني عن القول أن بيع الأوطان لا يتم بالضرورة من خلال المقايضة بالمباشرة (أو الدفع كاش) بـل وأيضا من خلال الامتيازات والمناصب وتأويل الدين والولاء الأيدلوجي ـــ كالأحزاب الشيوعية التي سهلت للاتحاد السوفيتي اكتساح شرق أوربا ... وكل هذه النماذج تجعلنا نتساءل عمن باع أوطان العرب خلال آخر جيل بصرف النظر عن طبيعة العملة! تجعلنا نتساءل هل كانت داعش أصلا موجودة أم أنها مجرد مجموعة مرتزقة تم استغلالها لتنفيذ أجندات سياسية وطائفية في المنطقة (وهذه لوحدها تحتاج لمقال) !!!
مشاركة :