كرهناك لأنك فضحت جبننا، وجعلتنا نرى حقيقة أنفسنا عارية على المرآة: إننا لا نملك من الثقافة غير ثقافة تبرير الجبن.العرب سعيد ناشيد [نُشر في 2017/07/17، العدد: 10694، ص(9)] نعترف لك بأننا كرهناك كرها شديدا ومقتناك مقتا كبيرً، وتمنينا أن يأتي اليوم الذي تختفي فيه صورك من الأذهان ويمّحي أثرك من الوجدان. نعترف لك بأنّنا شتمناك وشمتنا فيك بعد أن اعتقلوك بتلك الطريقة المشينة كأنّهم يعتقلون زعيم عصابة إجرامية بالغة الخطر والضرر. وأما بعد، فلا يبدو أن ذلك التشفي يكفي لكي يشفي قلوبنا نحن ضعفاء القلوب من الغل والغم، حتى بعد أن أصروا على تصويرك في حالات تسيء لكل النفوس الكريمة، وتطيح بكل معايير الكرامة الشخصية وحقوق الإنسان، فمرّة معصّب العينين، ومرة عاري الجسم حافي القدمين، ولا يهمنا السؤال لماذا يفعلون بك كل هذا؟ ومتى كان الشامتون يهتمون بطرح الأسئلة؟ ها نحن الآن نقف بلا خجل لكي نعترف لك بأننا تشفينا بك بعد أن سرّبوا صورك بتلك الطريقة المريبة التي لا نعلم إن كان مقصودها إثارة الغيظ فينا، أو إثارة الشعور بالخوف والهوان، أو كان القصد من ورائها اللعب بالنار لحسابات خاطئة كما رجح بعض “عقلاء الدولة” . كم تمنّينا أن يجدوا عندك بعض القرائن التي قد تؤلف قصة لإلصاق أي تهمة بك. نعترف بأننا كنا وما زلنا نتمنى أن تنال عقوبة سجنية طويلة الأمد، لا لسبب معقول سوى أن يطول تشفينا بعذابك وعسى أن نشفي غيظنا ونروي غليلنا. نعترف لك بأنّنا تمنّينا أن ينزلق الحراك في غيابك نحو حالة من العنف والفتنة التي لا تبقي ولا تذر، حتى نملأ الدنيا صراخا وعويلا: يا ويحتاه هذا ما قلناه! حذرناكم مرّات تلو المرات، بأن هذا الشعب لا تنفع معه سوى العودة إلى سنوات الجمر والرّصاص، وبأن كل إجراءات الإنصاف والمصالحة والعهد الجديد، والمفهوم الجديد للسلطة، والانتقال الديمقراطي، ونحوها من الشعارات، ليست سوى أضغاث أحلام لا تناسبنا. وأما “المشروع الحداثي الديمقراطي” فرحمة بنا أنه لم يعد يُردد في الخطب الرّسمية مثلما كان الأمر في السنوات الخاليات. ساعتها سنتنطع كما يحلو لنا التنطع، ثم نستدل بعد ذلك بكل ذلك على أن قمع الحراك كان صائباً منذ البداية، وحتى قبل البداية، وأنك يا ناصر الزفزافي لم تكن سوى قائد مغرّر به ومغرور، فنشفي غليلنا منك كما نبتغي، ولا يهمنا في هذا التشفي مصير الدولة التي لا نعرف ما يجري داخلها الآن، لا نعرف ماذا يجري بالضبط، ولا يهمنا أن نعرف، ولا يهمنا حتى أن نسأل عن حسابات من أقنعوا السلطات بأنّ الحل السياسي غير ممكن، وكيف لنا أن نتساءل والكراهية تعطل العقول وتبطل السؤال؟ نعترف لك بأننا كرهناك كرها شديدا، وبسبب الكراهية صدقنا كل التهم السريالية التي لفقوها لك وألصقوها بك. ماذا قالوا عنك؟ قالوا إن لديك قابلية للتدعوش، فقلنا سمعنا وصدقنا. قالوا عنك إنك ملحد وصعلوك، فقلنا سمعنا وصدّقنا. قالوا عنك إنك شيعي يمارس التقية بإتقان، فقلنا سمعنا وصدقنا. قالوا إن لديك مستوى باكالوريا وأن الحراك يجب أن يقوده حملة الدكتوراه فما فوق من أصحاب ثقافة “أنسخ ألصق”، فقلنا سمعنا وصدقنا. ولأننا كرهناك فقد كنا مستعدين لتصديق كل ما سمعناه أو أريدَ لنا أن نسمعه. فهل هذا كل ما في الأمر؟ يقول سبينوزا تنشأ الكراهية أيضا عن الاكتفاء بالسمع. هذا ما فعلناه، اكتفينا بالسمع، ومن ثم السمع والطاعة. فهل نتقن شيئا آخر غير ثقافة “السمع والطاعة”، ثقافة العبيد؟ بسببك شهد المغرب أكبر حملة بروباغاندا دعائية ضدّ شخص بعينه. وأمام ضخامة الحملة غير المسبوقة عطلنا عقولنا تعطيلا كاملا، ثم صدّقنا أي شيء عن أي شيء، ثم سلمنا تسليما. لكن الحق يقال، لم نكرهك بسبب حجم البروباغاندا الدعائية وحسب، بل هناك سبب آخر أكثر وجاهة سنعترف لك به الآن: إن شجاعتك في قول الحقيقة التي نعرفها لكننا نخاف من قولها قد فضحتنا جميعنا. شجاعتك فضحت جبننا المستور بالتحاليل المنمّقة. الجبن السياسي يدفع إلى الكذب السياسي. وعندما يستفحل الكذب السياسي تنهار الثقة وتضعف مؤسسات الدولة. لذلك، كثيرون من قالوا إن الزفزافي كان يستحق وساما من الدولة. أظن أن هذا القول هو أصدق القول لدى من يدركون الأمور بحس سليم. غير أن الحس السليم لا يطابق الواقع بالضرورة. وهنا تكمن مأساة السياسة. نعم كرهناك لأنك فضحت جبننا وجعلتنا نرى حقيقة أنفسنا عارية: إننا لا نملك من الثقافة غير ثقافة تبرير الجبن. نعترف لك أخيرا بأننا نحن الشامتين بك قلة يتضاءل عددها يوما بعد يوم، وربما نوشك على الانقراض. لقد خسرنا ذواتنا، خسرنا كرامتنا، غير أننا لا نزال نكابر، وسنظل نرقب أي حدث من شأنه أن يشفي بعض الغليل الذي لا يزال يغمرنا، حتى ولو كان ذلك الحدث سيأتي على حساب الوطن. كاتب مغربيسعيد ناشيد
مشاركة :