واشنطن:«الخليج» قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن وراء ناطحات السحاب والطرق المملوءة بالنخيل في مدينة الدوحة الغنية بالغاز الكثير من التناقضات التي لا تعد ولا تحصى، ففي إحدى المقاطعات الغربية بالقرب من الحي الذي يستضيف مجموعة من الجامعات الأمريكية، يمكنك مشاهدة مسؤولين من حركة طالبان مع أسرهم وهم يتجولون في مراكز التسوق ويطلبون وجبات طعام جاهزة من أحد المطاعم الأفغانية الشهيرة. وعلى بعد بضعة أميال ستجد قاعدة «العديد» العسكرية الأمريكية التي تضم 9 آلاف جندي أمريكي، والتي تقلع منها الطائرات الحربية في مهام لقصف تنظيم داعش في العراق وسوريا وأحياناً مسلحي حركة طالبان في أفغانستان. وتعد الدوحة موطن لحوالي 100 مسؤول في حركة طالبان، يعيشون مع أقربائهم في الدوحة على نفقة الدولة القطرية. ومن جهة أخرى، يعمل مسؤولون من حركة حماس من فيلا فاخرة بالقرب من السفارة البريطانية، حيث عقدت الحركة الفلسطينية مؤخراً مؤتمراً في قاعة رقص بفندق «شيراتون» الذي يشبه في شكله الهرم. كما ستلاحظ وجود داعية مصري مسن (يوسف القرضاي)، الهارب من القاهرة، يسيطر على المشهد الاجتماعي في المدينة، حيث التقى به دبلوماسي أمريكي مؤخراً في حفل زفاف أقيم بأحد الفنادق الفخمة في الدوحة. وبعيداً عن سيارات الليموزين الفارهة والمراكب الشراعية، أصبحت الدوحة موطناً لمزيج غريب من المقاتلين والممولين والأيديولوجيين، فهي إما أن تكون مدينة محايدة مثل فيينا خلال الحرب الباردة، وإما نسخة من مجموعة القراصنة في فيلم الخيال العلمي «حرب النجوم». ويبدو أن سياسات قطر المتناقضة هي ما أثارت غضب الدول العربية الداعية إلى مكافحة الإرهاب وأغرقت الشرق الأوسط في واحدة من أكثر المواجهات الدبلوماسية شدة. وتفرض أربع دول عربية مقاطعة جوية وبرية على قطر، لثني الدوحة عن سياستها الخارجية المغامرة، والتوقف عن توفير المأوى للجماعات المتطرفة، إلا أن هذه المقاطعة لم تفعل شيئاً والأزمة تزداد سوءاً، حيث عاد وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون إلى واشنطن يوم الخميس الماضي بعد جولة دبلوماسية مكوكية غير مثمرة على ما يبدو في المنطقة، كما تدخل وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من دون نجاح. ومنذ القرن التاسع عشر، شكلت قطر منطقة لجوء للمجرمين والقراصنة والفارين من العدالة في شبه الجزيرة العربية، وذلك لعدم وجود قانون فيها. وقال ديفيد روبرت، مؤلف كتاب «قطر:ضمان الطموحات العالمية لدويلة صغيرة»، والأستاذ المساعد في كلية «كينجز» في لندن:«هذا المكان معروف بأنه ملجأ للفارين، فإذا كنت مطلوباً للعدالة، يمكنك الهرب إلى قطر ولن يزعجك أحد أبداً». وفتح نظام آل ثاني أبوابه أمام المعارضين والمنشقين، منهم عائلة صدام حسين، وأحد أبناء أسامة بن لادن، والرسام الهندي أم أف حسين، وسليم هان يندرباييف الذي يعد واحداً من أمراء الحرب في الشيشان والذي اغتيل في الدوحة على يد عملاء روس في العام 2004.ويقول منتقدو قطر إنه وبدلاً من أن تعمل كصانع سلام محايد، تتخبط في كثير من الأحيان في الصراعات، فقد ساعدت على الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا في العام 2011، كما أنها تغض الطرف عن المواطنين الأثرياء الذين ينقلون الأموال إلى الجماعات المتطرفة في سوريا، وما يثير غضب السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين هو أن الدوحة وفرت أيضاً مأوى للمنشقين من بلدانهم وأعطتهم صوتاً على محطة تلفزيون «الجزيرة» المملوكة للدولة.ويعتبر القرضاوي، الأب الروحي لجماعة الإخوان، وكان له برنامج يعرض على قناة الجزيرة يتحدث فيه عن التفجيرات الانتحارية والعلاقات بين الزوجين. وقال أمام جمهوره في العام 2002:«لدينا قنابل الأطفال (الأطفال الانتحاريين)، وأن هذه القنابل البشرية يجب أن تستمر حتى التحرير».وعلى الرغم من أن القرضاوي أصبح الآن في سن 91 عاماً، وتوقف عن برنامجه التلفزيوني قبل أربع سنوات، إلا أن وجوده في قطر هو مصدر إزعاج لمصر، وظهر اسمه بشكل بارز على قائمة تضم 59 شخصاً تريد دول المقاطعة إبعادها من قطر. كما طالبت هذه الدول بإغلاق قناة الجزيرة.ولفتت «نيويورك تايمز» إلى احتضان قطر في السنوات الأخيرة، لخالد مشعل الذي تنازل عن منصبه هذا العام كرئيس لحركة حماس، كما استضافت الدوحة محادثات للحركة مع رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث السلام في الشرق الأوسط توني بلير في العام 2015، وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري انتقد علناً وجود حماس، إلا أن مسؤولين أمريكيين يقولون إنهم يفضلون أن يكون مقر حماس في الدوحة وليس في عاصمة معادية مثل طهران. وتماشياً مع سياسة الأبواب المفتوحة في الدوحة تم افتتاح مكتب تجاري «إسرائيلي» بين العامي 1996 و2008، وعلى الرغم من تأزم العلاقات، إلا أن الدوحة وعدت باستضافة «الإسرائيليين» في مونديال 2022.
مشاركة :