نصيحة لـ«المركزي» الأوروبي: المرونة خير من الندم

  • 7/17/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يثير البنك المركزي الأوروبي حالة من القلق داخل الأسواق بسبب استمرار الغموض الذي يغلف مستقبل خطته لشراء السندات. ومع ذلك، فإنه إذا ما أنصت المستثمرون جيداً، فإن بمقدورهم رصد إطار عام آخذ في التشكل يمكن أن يعينهم على فهم العوامل التي توجه صانعي السياسات. يتمثل المبدأ الأول في أن البنك المركزي الأوروبي أصبح أكثر اعتماداً على البيانات فيما يتعلق بجهوده بمجال التسهيل الكمي. ورغم إعلان مسؤولين بالبنك المركزي من قبل أن شراء السندات سيستمر حتى نهاية عام 2017. فإنهم يبدون مترددين إزاء تقييد أنفسهم في مواجهة مستجدات الفترة القادمة. ومن المعتقد أن الأمر سيستغرق حتى سبتمبر (أيلول) على الأقل قبل أن يفصح مسؤولو البنك المركزي عما إذا كانوا سيقلصون وتيرة شراء الأصول عن 60 مليار يورو شهريًا. ويعكس هذا القرار نقاشاً مفتوحاً يجري داخل مجلس محافظي البنك بخصوص مدى الثقل الذي ينبغي منحه للمؤشرات المتعارضة. على سبيل المثال، بينما تبقى مؤشرات النشاط الاقتصادي والثقة قوية وتستمر معدلات البطالة في التراجع، لم يترك التعافي الاقتصادي سوى تأثير محدود على الأسعار: عند مستوى 1.3%، ما يزال التضخم أقل عن الهدف الذي أعلنه البنك المركزي الأوروبي الذي يقل قليلاً عن 2%. بيد أن ذلك لا يعني أن المستثمرين ليست أمامهم مؤشرات يمكن الاستعانة بها. في الواقع، ثمة مجموعتان من المؤشرات تحتلان مكانة بارزة على نحو خاص؛ تتمثل الأولى في سوق العمل: في الواقع، ليست هناك مؤشرات توحي بأن الأجور تشهد تزايداً سريعاً، مثلما كان ينبغي لها إذا ما كانت سوق العمل مكدسة بدرجة بالغة. ويوحي ذلك أنه ما يزال يتعين على معدلات البطالة الانخفاض دون تأجيج التضخم، الأمر الذي يجعل بدوره الأمر أقل إلحاحاً أمام البنك المركزي الأوروبي لتشديد سياسته النقدية. ويتمثل المؤشر الآخر في أسعار النفط، فبينما يركز البنك المركزي الأوروبي بصورة أساسية على التضخم الأساسي - الذي يتجاهل العناصر المتقلبة مثل الطاقة - فإن مثل هذا التمييز يبقى زائفاً، ذلك أنه إذا ما استأنفت أسعار الطاقة تراجعها، مثلما حدث الأسبوع الماضي، فإن ذلك سيخلف قطعاً تداعيات على التضخم الأساسي، الأمر الذي سيدفع البنك المركزي الأوروبي للتحلي بحذر أكبر إزاء وقف سياسة التسهيل الكمي. أما المبدأ الثاني الذي يتعين على المستثمرين الالتفات إليه، فهو أن البنك المركزي الأوروبي قد يتحلى بالإبداع في كيفية تقليصه التسهيل الكمي تدريجياً. ويعني ذلك الانحراف بعيداً عن الإجراءات المعتادة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يقلص مشترياته الشهرية من الأصول بمقدار 10 مليارات دولار تقريباً (8.7 مليار يورو) بعد كل اجتماع للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بين نهاية 2013 و2014. وخلال مقابلة أجراها منذ وقت قريب مع صحيفتين أوروبيتين، أشار بنوا كور، عضو مجلس الإدارة التنفيذي، إلى قرار البنك المركزي الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بتقليص شراء الأصول، مع توسيع أفق هذه العمليات، باعتبار ذلك نموذجاً ممكناً للمستقبل. وعليه، فإن البنك المركزي الأوروبي قد يعلن تقليص التسهيل الكمي إلى 40 مليار يورو شهرياً، مثلاً، لكن مع تمديد أجله لستة أشهر أخرى. ومن شأن ذلك، دفع البنك المركزي بدرجة أقرب إلى إنهاء مشتريات الأصول الخالصة، مع منح اقتصاد منطقة اليورو مزيداً من الوقت للتعافي. بيد أن واحدة من المشكلات المتعلقة بهذه الاستراتيجية أن البنك المركزي الأوروبي التزم بشراء سندات سيادية وفقاً لما أطلق عليه «مفتاح رأس المال»، والذي يحدد حجم إسهام كل دولة في البنك المركزي وتجري الاستعانة به لتحديد حجم السندات التي يمكن شراؤها من كل دولة. ويعني ذلك شراء كميات كبير من السندات السيادية الألمانية أو الهولندية، حتى في الوقت الذي أصبحت أكثر ندرة فيه - وذلك لأسباب منها القواعد الأخرى المقيدة لعمليات الشراء التي يضطلع بها البنك المركزي. وبينما يمكن للبنك المركزي إقرار بعض المرونة في القواعد المتبعة، فإنه سيكون من الصعب سياسيا الترويج لهذه الفكرة داخل بعض العواصم، مثل برلين. إلا أن السؤال الجدير بطرحه هنا: ما مدى تأثير الأحداث السياسية على قرار البنك المركزي الأوروبي بتقليص التسهيل الكمي؟ بطبيعة الحال يكمن القلق الأكبر في إيطاليا التي ستعقد انتخابات عامة في ربيع 2018. ويشير الانقسام القائم داخل البلاد ما بين يسار الوسط ويمين الوسط و«حركة الخمس نجوم» الشعبوية إلى أنه من غير المحتمل أن تثمر الانتخابات حكومة مستقلة. وقد يثير ذلك فزع الأسواق ويتسبب في تفاقم الفجوة بين السندات السيادية الإيطالية والألمانية. بالنظر إلى أن إيطاليا تشكل ثالث أكبر اقتصاديات منطقة اليورو، فإنه بالتأكيد لا يمكن تجاهلها فيما يتعلق بقرارات تقليص التسهيل الكمي. ومع هذا، فإن جميع المؤشرات القادمة من فرانكفورت توحي بأن البنك المركزي سوف يتخذ قراراته بناءً على اعتبارات اقتصادية فقط. وإذا ما تعرضت إيطاليا لمشكلات، ستبقى في يد البنك المركزي الأوروبي أدوات أخرى، مثل برنامج «الصفقات النقدية المباشرة» الذي يتضمن عمليات شراء سندات مستهدفة لصالح بلد يواجه صعوبات اقتصادية مقابل إقرار برنامج للإصلاحات. الآن، يواجه البنك المركزي الأوروبي ضرورة إقرار توازن حساس بين الإعلان عن نواياه والتمتع بالقدرة على التكيف مع المستجدات. ومع استعدادهم للخريف، يتعين على المستثمرين التحلي بالصبر، فمن الأفضل وجود بنك مركزي مرن عن آخر يلزم نفسه بمسار خاطئ، ثم يحاول لاحقاً تصليح أخطائه. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

مشاركة :