ذكريات رمضانية | د. عبد العزيز حسين الصويغ

  • 6/29/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

مع دخول شهر رمضان الكريم تتداعى الذاكرة وتعود بعيداً إلى أيام الطفولة الأولى التي كان فيها لرمضان بالنسبة لجيلنا طعم خاص ومختلف، وإذا كان رمضان هذا العام يأتي في درجة حرارة غير اعتيادية، فقد مر رمضان علينا في أوقات وطقس مُقارب .. لكن على خلاف ما هو اليوم حيث تتوفر أجهزة التكييف والتسلية، كان الطقس لا يُعالج إلا بالصبر والتحمل. لذا فقد كان لشهر رمضان حُب عند الناس وخشية وخوف أيضاً، خاصة عند الصغار الذين كان الصوم يمضي بهم بين الحب والخوف: أما الحُب فيأتي مما يُميز هذا الشهر الفضيل من روحانيات تقربنا منه وتحببنا إليه وتجعلنا نحاول التشبه بكبارنا في التقرب إلى الله والتمتع بروحانيات هذا الشهر الفضيل. وأما الخوف والخشية فهو لما يصادف هذا الشهر من حر لافح يعرّض الصائم ليس للجوع فقط، ولكن للعطش الشديد في نهاره وصيفه اللافح بجفافه في أمكنة ومناطق، ورطوبته في مناطق أخرى يعاني منها الكبار .. فما بالك بالصغار من الصائمين. لكنه كان رغم كل هذا وذاك من المعاناة لنا كأطفال قبل سن التكليف من أحب الشهور وأحلاها ننتظره بلهفة أن نعيشه مع الكبار .. وأن ننتظر انقضاءه لنعيش حلاوة العيد ومباهجه. *** كان الصيام في ذلك السن الصغير بالنسبة لنا نحن الصغار قبل سن البلوغ والتكليف معاناة ما بعدها معاناة، بل كانت نوعاً من الشوفونية التي نمارسها تقليداً للكبار، مع محاولتهم لإيجاد الأعذار لنا كي لا نكمل الصيام لكامل اليوم حدباً علينا. لكنه كان نوعاً من التحدي والتفاخر بين بعضنا البعض وعلامة على أن الصغير منا قد تخطى مرحلة الطفولة ودخل مرحلة الرجولة. وحتى عندما يخلو الصغير منا إلى نفسه كان يصعب عليه أن يتناول شيئاً من الماء أو الطعام، خوفاً من تأنيب الضمير، فنعمد إلى التحايل بإدخال بعض الماء إلى الحلق خلال الوضوء والمضمضة وكأن الماء دخل سهواً، وهو ما كان يُسمي بالصيام من وراء الزير! *** لم تكن تلك إلا سنوات قليلة أمضيتها في جدة لا تتجاوز السنوات الست، ثم وجدت نفسي في القاهرة حيث "ابتعثني" والدي في أول بعثة لي إلى الخارج، وكانت عام 1954 ميلادية، فوجدت نفسي في قاهرة المُعز، في بيئة جديدة مختلفة كان لرمضان فيها طعم مُختلف استعدت بعضه أخيراً في عدة أفلام قديمة صورت هذه المدينة الجميلة في فيديوهات على موقع يوتيوب أحدهما يصاحبه صوت الفنان الشعبي محمد طه يغني فيه موال مصر جميلة، مصحوباً بصور لشوارع مصر في الخمسينيات (1950)، ويظهر الفيديو صورة الترام، والسيدات بالعباءة اللف، وعدداً من المساجد الأثرية، أما الثاني فيستعرض شوارع القاهرة الجميلة (آنذاك) مع موسيقى تصويرية للموسيقار فريد الأطرش أعادني سنوات جميلة إلى الماضي الذي عشته في القاهرة. *** كان لرمضان جماله ومتعته في أكثر من دولة وأكثر من مدينة وأكثر من مكان أخذتنا الأيام إليه، حيث رغم اختلاف الأجواء في كل من هذه الأماكن إلا أنه ظل لرمضان منزلة خاصة في قلوبنا وفي نفوسنا ووجداننا، فهو من يزودنا بشحنات روحانية تُشعرنا بالبهجة والسرور، وتوقظ فينا كل ما غفا مع ضغط الأيام لتعيدنا إلى أنفسنا وتُقوم مسارنا وتُذكرنا بما تجاهلناه عن غير قصد ونحن ما بين مطرقة العمل وسندان الحياة. فهو الشهر الذي جعله الله تعالى لنا فرصة لتجديد المسار وفتح لنا فيه أبواب الجنة وأغلق أبواب النار. فنغسل ذنوبنا لتعود قلوبنا نظيفة ناصعة كالثلج. نافذة صغيرة: [[إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء , وغلقت أبواب جهنم , وسلسلت الشياطين]] حديث نبوي nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :