غلاء الأسعار يدفع الحفيدات إلى تعلم أسرار مؤونة الجدات بقلم: يمينة حمدي

  • 7/18/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

غلاء أسعار المواد الغذائية الكثير من نساء الجيل المعاصر إلى العودة إلى التقاليد القديمة لأمهاتهن وجداتهن، واكتشاف الحيل الذكية التي كن يعتمدنها لتخزين أطعمة تظل صالحة للأكل لفترات طويلة، بدلا من شرائها من رفوف المتاجر، وفي الوقت نفسه لا ينفقن مبالغ طائلة كما هو الشأن بالنسبة للسلع التي يقتنينها من محلات البيع بالتجزئة. وجرت العادة في العديد من الأوساط الأسرية العربية، أن يتم تجهيز المؤن حسب فصول السنة، وتغتنم أغلب النساء فصل الصيف، لتحضير أنواع من المعجنات والمخللات وتجفيف مختلف البقوليات والخضروات والفواكه مثل الفول والحمص والعدس والفاصولياء والبازلاء والطماطم والتين والبامية والملوخية والمشمش تحت أشعة الشمس، وبعد أن تجف يقمن بتخزينها في “بيت المونة” في ظروف صحية معينة، لتكون ذخيرتهن لأيام البرد القارس وظروف الحياة الصعبة، أما بقية المواد فيحضرنها في بقية فصول السنة. ورغم كون تلك الطرق قد تبدو بدائية للبعض، كما أن غالبية النساء لم يعدن يحبذنها بسبب كثرة مسؤولياتهن وتوفر جميع احتياجاتهن الغذائية في السوق، إلا أنها بدت للأسر الفقيرة ومتوسطة الحال داعمة بشكل كبير، كما أعادت النساء إلى عادات الأجداد في إدارة اقتصاد البيت أثناء أوقات الشدة والأزمات. ويشجع خبراء الاقتصاد الأسر على فكرة المؤونة التي يمكن أن تساعد في توفير نسبة كبيرة من المصاريف، مؤكدين أهمية الجدوى الاقتصادية لها، فضلا عن تنوع الأطعمة الصحية وتوفرها في مواسم مختلفة.فاطمة الخياري: أسعى لتعليم بناتي صنعة يدي حتى لا يعولن على الأغذية الجاهزة وأجمعت نسبة كبيرة من النساء على قيمة ما يطلق عليه باللهجة العامية في بعض المجتمعات العربية “المونة” (الشرق الأوسط) أو “العولة” (المغرب العربي)، في جعلهن يستغنين عن المواد الغذائية الجاهزة، التي لا يعرفن في الغالب مصدرها ومدى عدم إضرارها بالصحة، على عكس ما يحضرنه بأيديهن من أطعمة صحية، وذات جودة عالية ونكهة تعود بهن إلى الأوقات الجميلة التي كن يمضينها بصحبة جداتهن وأمهاتهن أثناء مواسم تحضير المؤن، فيتذكرن كيف كن يعلّمنهن صنعة أيديهن، ويدربنهن باللين والشدة أحيانا، ليكن مستقبلا ربات بيوت شاطرات وحكيمات ومقتصدات. وقالت التونسية فاطمة الخياري (ربة بيت) “أنا من جيل النساء اللواتي يمتلكن مفاتيح الصنعة، ولست ممن لا يجدن سوى فتح علب الأطعمة الجاهزة”. وأضافت الخياري لـ”العرب”، “لم أدخر جهدا أو خبرة إلا وسخرتها من أجل مساعدة زوجي على توفير نفقات أسرتنا، وقد ساهمت بدور حيوي في إدارة اقتصاد بيتي، وكنت حريصة على تحضير وتخزين المونة أو ما نسميه باللهجة التونسية ‘العولة’ كالكسكسي والتوابل والبسيسة والقديد وغيرها من المواد التي دأبنا على تخزينها أبا عن جد صيفا وشتاء، لاستهلاكها، أو لبيعها والإنفاق من مدخولها المادي على أبنائي”. وأشارت “تقصدني الكثير من النسوة الحريصات على تزويد منازلهن بالمواد الغذائية المعدة في البيت، لأنهن لا يحبذن شراء الأشياء المعروضة في السوق، وهذا بقدر ما كان يسعدني بقدرما كان يثير بداخلي مسحة من الحزن، لأن صنعة الأجداد في طريقها إلى الزوال”. وختمت الخياري بقولها “أسعى جاهدة لتعليم بناتي أسرار صنعة يدي حتى أضمن ألا يعولن مستقبلا على الأغذية الجاهزة التي لا ثقة لي في الآلات التي صنعتها ولا في المواصفات المدونة على الأغلفة والعلب، كما أن المذاق مختلف تماما، فنكهة الدياري لا يعلى عليها”. ولا يبدو أن تعلم طرق إعداد وتجفيف وخزن المؤونة صعب حتى على النساء في مقتبل العمر، خاصة بعد أن توفرت معلومات مفصلة على الإنترنت جعلت البعض منهن يستعدن المهارات التي مارستها الجدات سابقا.دليلة حمدي: أجد متعة في تحضير مؤونة أسرتي بيدي وأتفنن في إعدادها ولكن دليلة حمدي (أستاذة رياضة) في غنى عن كل المعلومات الموجودة في المواقع الإلكترونية، لأنها تمتلك خبرة كبيرة في تحضير ما يطيب لها من أغذية بجودة ومواصفات صحية تضاهي ما كانت جدتها وأمها تحضرانه أمام عينيها في صغرها. وقالت حمدي لـ”العرب”، “كانت الأوقات التي أمضيها مع أمي وجدتي رائعة جدا، فلطالما كنت حاضرة أراقب كل صغيرة وكبيرة أثناء تحضيرهما لمؤونة كل موسم، فاستلهمت منهما الخبرة مما جعلني اليوم أطبق في بيتي جميع ما تعلمته منهما”. وأضافت “مع أنني فقدت جدتي منذ عدة أعوام، إلا أن ما تعلمته منها ومن أمي لم يمت، بل مثل مصدر راحة لي ولعائلتي، ورغم أن كل شيء متوفر اليوم في السوق ولا يتطلب اقتناؤه أي عناء، فإنني أجد متعة في تحضير مؤونة أسرتي بيدي وأتفنن في إعدادها بنفس المواصفات التي تعلمتها من جدتي وأمي”. ولا تدرك العديد من النساء مدى أهمية المؤونة المحضرة بالبيت من الناحية الصحية، إلا أن وداد بن يحمد (ملحقة صحافية) ترى أن كثرة الأمراض اليوم وانتشارها حتى في صفوف الصغار، هي نتاج طبيعي لاعتماد أغلب الأسر على الأطعمة الجاهزة والمصنعة، وتخليها عن عادات الأجداد في تجهيز المؤونة. وقالت لـ”العرب”، “في السابق كنت أقتني ما أحتاج إليه من أغذية من السوق، إلا أنني بعد أن أنجبت صرت أكثر حرصا على تجهيز مؤونة أسرتي بنفسي من أجل الحفاظ على صحة أبنائي، فما يعرض في المحلات ليس آمنا دائما وله علاقة مباشرة ببعض الأمراض الخطيرة والمزمنة”. أما في المجتمع الفلسطيني فلا يكاد يخلو أي بيت من “المونة” التي يتشارك في تحضيرها الأجداد والأبناء والأحفاد، لأنها تمثل بالنسبة إليهم مصدر طعام احتياطي لا غنى عنه، بسبب الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تكتنف أوضاعهم. وترى سهى سالم الجعفري (مدرسة) أن “المونة” من ضروريات الحياة بالنسبة لكل أسرة فلسطينية، ولا يمكن الاستغناء عنها ولا بأي شكل من الأشكال. وقالت الجعفري لـ”العرب”، “رغم كثرة المسؤوليات، ولكن في الصيف لا بد من أن أغتنم الفرصة لتحضير المونة”. وأضافت “اكتسبت هذه الموهبة من والدتي ومازلت متمسكة بها، لأنها توفر لي الكثير من الناحية المادية، كما أن متعة تناول أفراد الأسرة والأقارب للأشياء البيتية لا تقدر بأي ثمن”.

مشاركة :