سوريا - أ ف ب: في مخيم للنازحين من مدينة الرقة ومحيطها، يقضي فيصل وقته بممارسة هوايته المفضلة وهي الرسم، معبراً عن معاناته الشخصية ومآساة الآلاف من المدنيين، بعدما كان مضطراً خلال السنوات الماضية لإخفاء لوحاته ورسوماته تحت حكم الدواعش. تحت شراشف علقها أمام خيمته في مخيم للنازحين في مدينة عين عيسى التي تقع على بعد أكثر من خمسين كيلو متراً شمال مدينة الرقة، يخرج فيصل (47 عاماً) من ملف يضعه أمامه اللوحة تلو الأخرى، بعضها ملوّن وبعضها الآخر مرسوم بقلم رصاص. ويقول لوكالة فرانس برس «أرسم منذ 15 عاماً واحتفظ بالرسومات لنفسي ويوضح: «حين دخل الدواعش، لم أعد أجرؤ على الرسم، أخفيت كل الصور، وضعتها فوق خزانة وغطيتها بأغراض كثيرة كانوا يعتبرون الرسم حراماً». برفقة زوجته سناء (46 عاماً) وسبعة من أولادهما الثمانية، فرّ فيصل من إحدى المزارع الواقعة شمال شرق مدينة الرقة، بعد تعرّضها لقصف عنيف اثر اقتراب المعارك التي تخوضها قوات سوريا الديموقراطية، ويفضل الرجل النحيف ذو البشرة السمراء التعريف عن نفسه باسم فيصل، وهو اسم مستعار. ويمتنع كذلك عن ذكر اسم قريته خشية على ابنه وابن شقيقه المعتقلين لدى تنظيم داعش منذ نحو ثلاث سنوات.. يحمل فيصل صورة بيده تظهر شابين في سجن، أحدهما يلقي رأسه على جدار خلفه، والثاني يضع رأسه بين رجليه. ويقول بحسرة «أتخيل أن هذا هو حال ابني في السجن» آملاً أن يكون على قيد الحياة. يتجمّع حول فيصل زوجته وأولادهما وأقرباء وجيران في المخيم، يشاركونهم الذكريات الأليمة التي عاشوها. ويقول رجل عجوز يرتدي عباءة بيضاء ويتمدّد على الأرض «كلنا حالنا واحد». ومن ملفه، يخرج فيصل لوحات ملوّنة تلخص الحياة في المخيم، يشرح إحداها «خلال شهر رمضان لم يقدموا لنا الكثير من المعونة كما كنا نتوقع. لم يساعدنا أحد»، لافتاً إلى أنه رسم رجلاً يجلس فوق فراش من الاسفنج إذ «لم يكن لدينا في المخيم سوى الاسفنجات». وفي لوحة أخرى مرسومة بالرصاص، يقف رجل عجوز على عكازه أمام خيمة فيما يجلس آخرون على الأرض وأمامهم إناء كبير. ويقول أحد أقرباء فيصل «إنه حمّامنا هنا». - «هذا هو وجعي»- وتظهر إحدى لوحاته حفرة مملوءة بالزجاجات والعبوات، قال إنها ترمز لحفرة «كان الدواعش يرمون الناس فيها» ممن يخالفون أحكامهم. ويروي أنه شاهد في ساحة رئيسية وسط المدينة عناصر من تنظيم داعش وهم يُنزلون من سيارة شاباً معصوب العينين ومكبل اليدين. ويقول «خرج الشاب وهو يصرخ يا عالم» طلباً للمساعدة، لكنهم سرعان ما أغلقوا فمه بقطعة قماش. لم يقوَ فيصل على تحمّل المشهد. دخل إلى عيادة الطبيب ليسمع بعدها «أربع طلقات نارية» مضيفاً بأسى شديد «هذا هو وجعي، كل ما حصل معنا، ليس فقط ابني وابن شقيقي».
مشاركة :