ظاهرة الاستحواذ على الممتلكات تكرس حالة اللاّأمان في العراقظاهرة السلب والنهب والاستيلاء على الممتلكات مرتبطة في العراق بخراب الجهاز الإداري وبروز “أمراض” أخرى مثل الرشوة والتزوير. وهي ظاهرة لا يتوقف تأثيرها على حاضر البلد، ولكنّ لها مفعولا محبطا لجهود الخروج من الفوضى وبسط الاستقرار.العرب سلام الشماع [نُشر في 2017/07/19، العدد: 10696، ص(3)]البيت لمقتحمه عمّان – عادت ظاهرة نهب الممتلكات والاستيلاء على العقارات لتطفو على السطح مجدّدا في العراق في ظلّ الحرب على تنظيم داعش والتي تشارف على نهايتها بانتهاء معركة الموصل التي أعلن النصر فيها مؤخّرا. وعلى مدار فصول تلك الحرب المتواصلة منذ ثلاث سنوات، شهدت العديد من المناطق العراقية، عمليات نهب وسلب لممتلكات وأرزاق العديد من العوائل التي طرد بعضها بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، فيما عادت عوائل أخرى إلى مناطقها بعد النزوح عنها فرارا من الحرب لتجد ممتلكاتها قد آلت إلى أشخاص آخرين، بينما منعت العديد من العوائل من العودة، كي لا تطالب بأموالها وممتلكاتها. وتذكّر هذه الأحداث بما كان العراق قد شهده بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة سنة 2003 حين استبيحت ممتلكات الآلاف من الأشخاص بتهمة جاهزة هي الانتماء إلى حزب البعث وموالاة النظام السابق. وبحسب قادة رأي عراقيين، فإن تواصل ظاهرة النهب هذه تكتسي خطورة كبيرة لكونها تكرّس انعدام الشعور بالأمان الضروري للاستقرار، ولإعادة تدوير عجلة الاقتصاد شبه المتوقّفة، خصوصا وأن البلد مقدم على مرحلة جديدة، تساور البعضَ آمالٌ بأن تكون مختلفة عن سابقاتها. واستشرت ظاهرة السلب والنهب والاستيلاء على الممتلكات، مع خراب الجهاز الإداري وبروز ظواهر أخرى مثل الرشوة والتزوير والموظفين “الفضائيين” المسجلين على الكشوفات لمجرّد تقاضي الرواتب دون أي خدمة فعلية. ويرى مواطنون ورجال قانون وأكاديميون تحدثوا لـ”العرب” أن الحال وصلت إلى ضرورة تدخل الأمم المتحدة لحماية الممتلكات، بعد أن تحوّل النهب إلى ظاهرة منظّمة تشارك فيها شخصيات ذات نفوذ كبير بمن فيهم مسؤولون كبار بالدولة. ومنذ أشهر خلت، أعلنت هيئة النزاهة العراقية ضبط شبكة موظّفين متلبّسين بنقل ملكيّة عدد كبير من العقارات العائدة للدولة إلى أشخاص آخرين مقابل مبالغ ماليّة عن طريق التلاعب والتزوير بالوثائق الرسميّة. غير أن نشر مثل هذه الأخبار يستحق أخذه باحتراز، فقد يكون الهدف منه التعمية على حقيقة غصب مسؤولين ورجال دين وميليشيات متنفذة مرتبطة بإيران لعقارات الدولة وأملاكها وممتلكات المواطنين. ويتحدث الأكاديمي والدبلوماسي العراقي السابق عبدالستار الراوي عن الظاهرة التي مسّته بشكل مباشر حيث لم يحصل من بيع عقاره إلاّ على ثلث ثمنه واستحوذت الميليشيات على الثلثين الباقيين. ويقول إنه وفقا لقوائم أربع ضمت أسماء أكثر من ثلاثة آلاف مواطن عراقي أعدّتها منظمة بدر وحزب الدعوة، وجرى تداولها في الإعلام قبل عام واحد من احتلال العراق، كانت هذه القوائم قاعدة المعلومات الأولية التي تمت بموجبها عمليات التصفية الجسدية وغصب ممتلكات الضحايا. ويشرح الراوي أنّ الأحزاب النافذة وأجنحتها المسلّحة شرعت منذ بداية الاحتلال الأميركي بتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية المنظمة من خطف واغتيال واقتحام للبيوت ما أشاع جوا من الرعب النفسي بين المواطنين والخوف من المجهول، لتبدأ أول موجة من موجات الهجرة إلى خارج العراق فيما سهّلت ميليشيات الأحزاب الدينية إصدار الجوازات لتنقضّ على أموال وممتلكات المغادرين. ويرصد الراوي أن الحملة الأولى بدأت بالاستحواذ على شقق الأكاديميين في عمارات شارع حيفا بكرخ بغداد فضلا عما تم وضع اليد عليه من عقارات ومنازل لمسؤولي نظام الرئيس السابق صدّام حسين. وتذكر صحافية عراقية طلبت عدم ذكر اسمها خوفا من انتقام الميليشيات الطائفية، أن شخصا متمرسا بالإجرام تمكن في منطقة الكسرة وحي المغرب والوزيرية في العاصمة بغداد من الاستحواذ على البيوت الفارغة التي تركها أهلها هربا من الميليشيات مستفيدا من نفوذ ميليشيا عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي وبوساطتها. ويظلّ الأخطر في رأي العديد من العراقيين، أن عمليات الفساد والنهب في العراق جرى تقنينها ومأْسستها. ويتّهم عبدالكاظم العبودي، الأمين العام للجبهة الوطنية العراقية، وهي تجمعٌ معارض للعملية السياسية، أحزاب الائتلاف الحاكم بوضع تشريعات وإصدار قرارات غطّت على عمليات نهب عقارات وممتلكات وتحويلها إلى ملكيات شخصية وعائلية أو اتخاذها مقرات لأحزابهم. ويتّهم الناشط الحقوقي نديم البولاني موظّفين كانوا في دوائر الدولة بالضلوع في عمليات تزوير لسجلات أملاك من غادر العراق بسبب الظروف التي جدّت فيه بعد الاحتلال، وتغيير الوثائق الثبوتية لهؤلاء الأشخاص ومن ثم بيع ممتلكاتهم أو استغلالها لأغراض معينة. ويقول إن هناك أملاكا استولت عليها جهات مدعومة من الدولة وتم تمليكها لها بقرارات خاصة وأسعار زهيدة، فاستعملت هذه الأملاك مقرات لكتل وأحزاب متنفذة، وهناك أملاك صودرت بقرارات من الحكومة تعود لمواطنين محسوبين على الحكومة السابقة وبيعت من خلال دائرة خاصة بالأموال المصادرة.
مشاركة :