استكمال حرب التدمير من الموصل والرقة إلى عرسالأضحت أصوات طبول الحرب التي تدق على أبواب عرسال تصم الآذان منذرة بتصعيد خطير يهدد بنسف كل محاولات النأي بلبنان عن التأثر بالحرب في سوريا خصوصا على مستوى انتقال المعارك المسلحة إلى أراضيه. لكن هناك اليوم من يحرك في مياه راكدة عبر فتح ملف اللاجئين الذين كانوا متواجدين في المنطقة منذ مدة ولم يتسبب وجودهم في تصعيد مماثل إلا هذه الأيام ضمن مرحلة عاصفة يخشى أهالي عرسال أن تجرهم بقوة إلى صدام مسلح مع حزب الله.العرب شادي علاء الدين [نُشر في 2017/07/19، العدد: 10696، ص(7)]على أي هدف سيصوب بالضبط يشهد المناخ المرافق لإطلاق معركة جرود عرسال سلسلة من التحولات في أهدافها ومعانيها. وبعد أن كانت المعركة التي ستتيح للجيش اللبناني إثبات قدراته وتوكيد خيار الاستثمار الأميركي والدولي فيه بوصفه القوة الشرعية القادرة على محاربة الإرهاب، بدا الجيش ميالا إلى الإعلان عن عدم مشاركته في هذه المعركة، والاكتفاء بدور ضبط الأمن في عرسال ومنع تسلل المسلحين إليها. ولا تبدو إشارات رئيس الحكومة سعد الحريري إلى قيام الجيش بعملية مدروسة في جرود عرسال، في ظل تغطية حكومية، قادرة على إزالة كل اللغط الحاصل حول دور الجيش في المعركة. وتنتشر معلومات متضاربة حول شروع حزب الله في نشر وحدات من قوات النخبة بالتنسيق مع الجيش السوري في الجرود تمهيدا لإطلاق المعركة، بالتزامن مع نشر معلومات مضادة تفيد بتأجيل المعركة لعدة أسابيع. اللافت أن كل هذا يترافق مع مناخ حكومي متفجر شهد تشكيكا بدور الجيش في عرسال ومطالبة النائب خالد الظاهر بإقالة وزير الدفاع، وسط مساع هادفة إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب من خلال فرض مجموعة جديدة من الضرائب، وهو ما علق عليه رئيس الحكومة الأسبق ووزير المالية إبان مرحلة رفيق الحريري فؤاد السنيورة قائلا “للتاريخ أقول من الآن يبدأ الانزلاق”.وفي جميع الأحوال فإن قرار تحديد لحظة المعركة متروك لحزب الله والنظام السوري. ولا يمكن النظر إلى هذه المعركة إلا من خلال عناوينها اللبنانية، إذ أن تأثيرها على مسار الأمور الميدانية في الداخل السوري لا يبدو كبيرا، ما يؤكد أنها معدة للاستثمار في الداخل اللبناني أمنيا وسياسيا بشكل خاص، بحيث يصب في صالح مشروع تفتيت الحضور السني في المنطقة.وجعل المشهد الذي رافق عمليات الجيش الأخيرة في عرسال وما رافقه من مشهدية إذلال السوريين وموت عدد من المعتقلين تحت التعذيب الجيش بالنسبة إلى أهالي عرسال واللاجئين السوريين طرفا غير محايد، أو على الأقل طرفا يمكن التشكيك في وجود اختراقات في صفوفه. وترتفع كذلك نسبة المخاوف من ركوب حزب الله على الموجة، ودخوله إلى عرسال بزي الجيش، وافتعال أزمة بين الجيش وأهالي القرية الذين اجتهد طوال سنوات في شيطنتهم ووصمهم بتهمة الإرهاب.رئيس بلدية عرسال: دخول حزب الله إلى قلب البلدة أمر مرفوضبيروت - يقلق الحديث المتصاعد عن طبول معركة مصيرية تدق على أبواب عرسال، أهالي البلدة الحدودية اللبنانية (شرق) مع سوريا، من أن تتحول المعركة إلى مواجهة بين حزب الله وأهالي عرسال. وأكّد هذا القلق رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، مشيرا في تصريحات إلى “العرب” إلى وجود مخاوف تتصل باحتمال وصول شرارة المعركة المتوقعة إلى الداخل. ترتبط مخاوف أهالي عرسال وفق الحجيري بإمكانية “دخول المسلحين إلى البلدة أو أن يتم أي تحرك ضد الجيش من الداخل”. ويؤكد أن التعبير عن المخاوف لا يعني أن هناك كارثة ستحصل ولا مجال لتداركها، منبها الجميع إلى مغبة اللجوء إلى خيارات خاطئة تضر بالجميع. تتمثل الأزمة الكبرى التي يحذر الحجيري منها في “إقدام حزب الله على محاولة الدخول إلى قلب عرسال، ما يعني أنه ينوي افتعال مشكلة كبيرة ليس في عرسال فقط ولكن على امتداد كل لبنان”. ومع أن الحجيري يستبعد لجوء حزب الله إلى هذا الخيار ولكنه لا يلغيه من قائمة الاحتمالات. ويشدد على أن “لا مشكلة مع مشاركة حزب الله في معركة الجرود أو فلنقل أن لا رأي لنا في هذه المسألة، ولكن محاولته الاقتراب من أي تجمعات سكنية داخل القرية مرفوض تماما”. وينفي وجود معلومات بحوزته حول تخطيط حزب الله لاقتحام القرية مع اندلاع المعارك في الجرود، معتبرا أن الأمن في عرسال مناط بالجيش اللبناني. كذلك ينفي الأخبار التي انتشرت في بعض وسائل الإعلام عن إجراءات قام بها الجيش من أجل فصل القرية عن جرودها. ويوضح الأمر كاشفا عن “وجود نقطة عسكرية للجيش على تخوم البلدة التي توصل إلى الجرود ولكنها لم تقفل، ولكن يقوم الجيش بتشديد إجراءاته الأمنية، وحد حركة اللاجئين السوريين منعا لأي تطور غير محسوب”. ويلفت الحجيري إلى أن تسمية الحدود قد تكون شائعة ولكنها لا تدل على وجود حدود فعلية مكرسة في إطار محدد، بل يوجد موقع للجيش اللبناني، إلا أن الأراضي التي يحتلها المسلحون بعد هذه النقطة هي ملك لأهالي عرسال، وتاليا لا يمكن تسمية النقطة التي يتمركز فيها الجيش حدودا أو معبرا، لأن الأراضي الواقعة بعدها تابعة للقرية. ويعلن الحجيري أن البلدية تتواصل مع جهات عديدة وتبذل جهودا كثيفة على أكثر من صعيد تستهدف قبل كل شيء التوعية حول رفض أي عمل عدائي ضد الجيش اللبناني، وتكريس هذا المنطق في صفوف جميع أهل عرسال واللاجئين السوريين. كذلك يتحدث عن انتشار مجموعات من شباب عرسال على الأرض واستعدادهم للدفاع عن البلدة مهما كلف الأمر. ولا يقتصر هذا الدفاع عن عرسال ضد أي محاولات التخريب على الكلام والتصريحات بل سيصار إلى استعمال السلاح. ويشير الحجيري إلى أن التنسيق بين البلدية وبين تيار المستقبل دائم ومستمر وأن هناك توحيدا لوجهات النظر والمواقف من التطورات المتسارعة، ولكن الأمور تبقى عند حدود الدعم المعنوي ولا تتجاوز ذلك، ومهمة ضبط الأمن الداخلي في القرية تقوم بها شرطة البلدية المؤلفة من أهالي عرسال أنفسهم. وتفيد المعلومات الواردة إلى رئيس بلدية عرسال من مصادر متعددة بأن قرار الحسم في الجرود وتصفية وجود العناصر المسلحة فيه قد اتخذ، ولا شيء حتى الساعة يفيد بغير ذلك. ويعرب الحجيري عن تمنيه بأن يصار إلى حل أزمة الجرود سلميا من خلال تفاهم يؤدي إلى انسحاب المسلحين السوريين في الجرود إلى داخل المناطق السورية، لتجنيب المنطقة تداعيات معركة قاسية وشرسة، سيكون لها تأثير كبير على الوضعين الأمني والاقتصادي إضافة إلى الوضع الإنساني. الجيش والشعب والمقاومة لم تكن من قبيل الصدفة إعادة إحياء ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في هذه اللحظة، وإذا كانت أجواء معركة عرسال ساهمت في منح ثنائية التنسيق بين حزب الله والجيش مشروعية ما من خلال الدعم المطلق الذي يظهره حزب الله والتيار العوني للجيش رسميا وشعبيا في مقابل دعم رسمي سني للجيش يقابله تخوف شعبي. وهكذا لم يبق من أركان الثلاثية التي طالما شكلت خطة عمل حزب الله سوى إدماج الشعب فيها، وهذا ما يمكن أن يتيسر بسهولة فهناك الشعب الشيعي صاحب المعادلة الأصلي الذي ينطبق عليه توصيف أشرف الناس المفروض بواقع التغلب ثم الشعب المسيحي المنضم إلى توصيف الشعب بالولاء والتأييد. دخول الشعب المسيحي في المعادلة مقبول ولكنه مشروط، أما الطرف السني فهو في التوصيف الذي يراد تعميمه، لا يقع خارج ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وحسب بل يمثل ثلاثية مواجهة أيضا هي حاليا ثلاثية عرسال واللاجئين السوريين والإرهاب يراد لها أن تكون المدخل الذي يفضي إلى صناعة عالمية توحد بين السنة والإرهاب. تفكيك الحضور السني كان لافتا تزامن توقيت ارتفاع منسوب التوتر في عرسال وجرودها في انتظار نضوج ظروف إطلاق المعركة أو التوصل إلى اتفاقات تفضي إلى انسحاب عناصر النصرة وداعش مع بروز تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والذي يتوجه فيه إلى الإدارة الأميركية برسالة مفادها أنه يجب عليها ألا تنسى أن أحد مدبري هجوم 11 سبتمبر كان لبنانيا، وأن باقي المهاجمين يتوزعون على جنسيات سعودية وإماراتية.لم تكن إشارة ظريف بريئة في دلالتها وتوقيتها على مشارف استحقاقات لبنانية شديدة الأهمية مع قرب الشروع في إطلاق معركة الجرود، وتوجّه رئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن في 22 يوليو برفقة قائد الجيش ووفد وزاري في زيارة رسمية.وصدرت تأكيدات عن مسؤول كردي وصف بالخبير في مجال مكافحة الإرهاب أن زعيم داعش أبا بكر البغدادي لا يزال حيا وأنه موجود بنسبة 99 بالمئة في جنوب الرقة السورية. جاء هذا التأكيد الكردي مع ارتفاع وتيرة التصعيد في الرقة والتجهيز لإطلاق معركة تصفية وجود داعش فيها. يشير هذا المناخ إلى تلازم مريب للمسارات التي تترتب ضمن مشروع واحد هو تكريس هزيمة السنة من عرسال إلى الرقة والموصل. لم تبق منظمة إنسانية في العالم لم تعبر عن استنكارها لجرائم التصفية التي يرتكبها الحشد الشعبي في الموصل، وانتشرت فيديوهات مروعة تعرض لعمليات قذف المواطنين العزل من سطوح الأبنية العالية، وحملات إعدام ميدانية للأبرياء تحت عنوان طائفي. وترتفع الأصوات الكردية في هذا التوقيت للمطالبة بتسريع إطلاق معركة الرقة التي منحت فيها أميركا قوات سوريا الديمقراطية الكردية تفويضا خاصا في الوقت نفسه الذي ترتفع فيه وتيرة التصعيد في عرسال. ولا يتوقع أن تسفر معركة الرقة سوى عن تكرار مرير لسيناريو الموصل، كما أن الأكراد لم يتورعوا في مفاصل عديدة عن إعادة إنتاج مشهدية الحشد وحزب الله، ما يدرجهم في سياق مشروع ضرب السنة في المنطقة، فهم لا يعرفون عن أنفسهم بوصفهم سنة ولكن بوصفهم أكرادا، أي أقليات تطمح إلى انتزاع حضورها من خلال تدمير بنية الأكثرية السنية. وبدا هذا النوع واضحا مع تهديد مستشار مجلس أمن إقليم كردستان مسرور البارزاني، الحكومة الاتحادية بـ”الحرب” لإعلان انفصال الإقليم والمناطق المتنازع عليها وتأكيداته أن “استقلال الأكراد عن العراق لن يهدد أحدا بل سيكون عامل استقرار للمنطقة”. ولا تمنع الهشاشة الأمنية في عرسال تكرار سيناريوهات دخول حزب الله على خط الأمور عبر عناصر ترتدي بدلات الجيش كما حصل في مفاصل عديدة، وآخر ما تحتفظ به الذاكرة السنية منها هو مشهد معركة عبرا التي أنتجت تصفية حالة الشيخ السني المعترض على حزب الله أحمد الأسير. حظيت عملية الجيش آنذاك بتغطية سنية، ولكنها خلّفت ندوبا بارزة لم تلبث أن تحولت إلى جروح عميقة مع حملات الاعتقالات التي رافقتها وموت بعض المعتقلين تحت التعذيب وكان أبرزهم حالة نادر البيومي عامل النظافة في مسجد بلال بن رباح الذي كان الأسير يتحصن فيه بعد أن سلم نفسه طوعا إلى الجيش. إذن يجد أهل عرسال واللاجئون السوريون أنفسهم أمام وضعية انتحارية، فلا يمكن إنكار أن الثقة بالجيش اللبناني قد تزعزعت بعد ما أفرزته مشهدية العمليات الأخيرة من تجاوزات خطيرة، إضافة إلى أن قيادة حزب الله والجيش السوري للعمليات في الجرود ستدفع بالمسلحين في اتجاه عرسال بشكل يناقض ما كان يمكن أن تؤديه مبادرة الجيش اللبناني بالهجوم، وتكليفه وحده دون سواه بمهمة تطهير الجرود. يصب كل هذا في خدمة استكمال مشروع هزيمة السنة في المنطقة، ووصل الهزائم السنية ببعضها البعض حتى تصبح خارطة الوجود السني في المنطقة هي خارطة المهزومين والمنكل بهم، والذين يتوسلون خلاصا من نير التنكيل والإهدار ولو من خلال خيار داعش أو النسخ المعدلة المطورة التي لا يعرف أحد متى ستعاود الظهور، ولكن الأكيد أن هذا الظهور لن يصب سوى في خدمة مشروع دعشنة السنة والقضاء على فكرة المدينة الإسلامية العربية. بعد تدمير كبريات المدن الإسلامية العربية السنية تحولت جل العواصم العربية إلى ضواح ريفية. هكذا يتم توكيد المشروع الإيراني في المنطقة من خلال تدمير الحضور السني المرتبط بالمدن والإصرار الشرس على تعميق سلطات منطق البداوة. تتجلى أبرز مظاهر البداوة في ذلك الانتشار الهيستيري لثقافة “عبادة” العسكر في المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا، بشكل مريع يخالف في طبيعته مرجعية العيش المديني وشكله، ويتخذ لبنانيا صيغة صناعة أوهام قومية لبنانية تواجه الغريب السوري والفلسطيني والتي شكلت سابقا المرجعية التي أطلقت شرارة الحرب الأهلية. كاتب لبناني
مشاركة :