شعبٌ يعتقلُ جيشه! لا بل ويسحلهُ في الشوارع ويوجه لهُ الأوامر، حادثة حقيقة وقعت منتصف ليلة الـ15 من تموز/يوليو 2016، وكانت كفيلةً بأن تتركك خارج التركيز لساعات؛ أما بعد، فقد بدأ ترشح التحليلات المنطقية وغيرها، الحقيقية والملفقة، المحايدة الحرة وتلك التي تمتلك أجندة سياسية للحدث وخلفياته دون أن يلتفت أحد لدروس مهمة في الحياة المدنية التركية يمكن للشعوب العربية المعذبة في الأرض أن تستفيد منها. الدرس الأول: وعي الشعب من المفاجئات في الحدث التركي كانت سرعة الشعب التركي بتلبية نداء رئيس البلاد والنزول إلى الشوارع لحماية الديمقراطية، وهنا هللت الشعوب العربية لسطوة هذا القائد وتمنت لو كان لديها مثله يأمر الجموع فتمضي له هاتفة، لكن في الحقيقة الدرس الذي نتعلمه هنا هو أن الدور الفاعل البعيد عن السلطة للمجتمع المدني والأحزاب هو تكون خلال الـ20 عامًا الماضية وعيًا بدور الشارع لدى الأتراك وأهمية مشاركتهم في الحياة المدنية والسياسية، وذلك لم يتكون لدى العرب بسبب تسلط الحكومات التي تحكمهم الدرس الثاني: مكتسبات الشعب الشعب التركي في المقابلات التلفزيونية كرر مرارًا نحن هنا لنحمي "مكتسبات الشعب"، "ديمقراطية الدولة "، "سيادة القانون" عباراتٌ بدا المواطن التركي العادي يعرف معناها ودلالاتها، في حين مازال المواطن العربي يظن أن الدولة ملك القائد ورواتب الموظفين الشهرية هي عطايا، وذلك لعدم انتشار أفكار المواطنة والحقوق والواجبات. الدرس الثالث: الإيمان بالشعب تقول التسريبات الصحفية بأن الجنرال "هاكان فيدان" رئيس الاستخبارات التركية كان قائد معركة الرئيس والحكومة في مواجهة الانقلاب وتقول ذات التسريبات أنه قال للرئيس بالحرف الواحد "انقلاب فعلًا سيدي الرئيس، سنشتبك معهم حتى الموت، وأنت كن مع الشعب، اخرج لهم الآن ضروري". الجميع في تركيا راهن على هذا الشعب حتى طرف الانقلاب الذي لم يطلق أي رصاصة على المدنيين حتى عندما ضُرب وسُحل وانتُزع سلاحه من قبل مواطنين عراة الأيدي والصدور وما كان قد جاء هذا الإيمان لولا الوعي الذي تحدثنا عنه في الدرس الأول. الدرس الرابع: العلم الوطني العلم التركي تواجد بكثافة كبيرة جدًا في المظاهرات مولدًا الكثير من المواقف الطريفة لدى الشارع العربي وإعلامه أههمها عندما توجه مقدمو أخبار عرب معروفون بالسؤال التالي وبصيغ مختلفة لمراسليهم في تركيا "العلم التركي موجود بكثافة مع عدم وجود صور لأردوغان هل هي توجيهات (القيادة) بأن لا ترفع صور الرئيس في هذه الفترة؟!". المضحك في السؤال ليس صياغته الأمنية فقط لكن ما يتبقى في تفاصيله هو المبكي والمحزن، وذلك عندما نجد ارتباط الوطنية لدى العرب بصورة القائد الذي يجده المواطن في كل شيء، ولا تُقصر الدولة في وضعه على أي جدار في الدوائر الحكومية: المدارس، والمشافي، والمعاهد، وحتى الوثائق الرسمية، على عكس تركيا التي تضع علمها في كل الأماكن سالفة الذكر حتى أن الأتراك يزينون به شرفاتهم بمناسبة ودون مناسبة، كما يحضر في المهرجانات الحزبية بقوة إلى جانب رايات الأحزاب ونادرًا ما تحضر صورة زعيم حزب إلا في الانتخابات، ويعتبر العلم مقدسًا فيحرص الأتراك على وجوده في أماكن مرتفعة. الأتراك قولاً وفعلاً "كلهم للوطن، للعلا، للعلم". الدرس الخامس: الإسلام التركي المؤسسة الدينية في تركيا درس يحتاج لشروح طويلة الحقيقة، فتلك تبدو هي النقطة الأكثر تراجعًا لدى العرب من حيث الدور الاجتماعي والتوعوي كما أنها النقطة الأكثر تعرضًا للتشويه من قبل الأنظمة الحاكمة. الإسلام في تركيا ومؤسساته كان داعمًا أساسيًا في معركة "الديمقراطية" اليومين الماضيين، وهذا ربما ما لم يلحظه المقيم خارج تركيا، كما لم يلحظه الكثير من المقيمين، فالحدث عابر جدًا بأن تقوم المآذن بالابتهال والدعاء للبلد خلال محنة يمر بها، لكن الصاعقة الجميلة هي أن تسمع كلمة "ديمقراطية" على المئذنة، وتسمع شيخًا ينادي الناس "هبوا إلى الشوارع لحماية ديمقراطيتكم"، ما يعكس سماحة وانفتاح كبيرين في المؤسسة الدينية التركية. هذه الدروس تشكل تحديًا للنخب العربية الثقافية والدينية والعلمية والسياسية في السنوات القادمة، فوصول الشعوب العربية إلى الشعور بآدميتها واحترامها وامتلاكها قوانين ذات سيادة ومؤسسات سياسية ودينية كالموجودة في تركيا كانت أبرز أهداف الربيع العربي. إن تركيا ومجتمعها يتقاربان بشكل كبير مع العرب في العادات والتقاليد والمفاهيم ولذلك فالديمقراطية التركية والعلمانية التركية "الأتاتوركية"، والإسلام التركي، هي بالفعل أمثلة يُحتذى بها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :