رائحة الذكريات

  • 6/30/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أن يهل علينا شهر الصيام في كل عام نجد أن رائحته تسبقه، ففي بعض أيام شعبان تحس أنك تجد ريح رمضان، ويعرف كبار السن هذا الإحساس والشعور بـ (روايح رمضان)، تشم رائحة الخبز فتتذكر جدتك أو أمك، تشم رائحة المطر فتتذكر رفقاء الصبا وطرقات بلدتك الصغيرة، تشم رائحة عطر معين فتتذكر شخصا عزيزا أو مناسبة ما. وهكذا في كل مرة تشم فيها رائحة ما تشعر أن نافذة على الماضي فُتحت، فيحيط بك عبق الماضي أكثر بكثير من رؤية مكان عشت فيه سابقا أو سماع لحن كنت تسمعه وأنت صغير، وقوة الروائح العجيبة في استحضار الماضي وعلاقتها بعلم النفس بدأت تثير اهتماما لعلماء بعد أن كان تركيزهم على حاستي البصر والسمع. وقد تكون البداية بسبب رواية (البحث عن الزمن المفقود) للكاتب "مارسيل بروست" التي نشرت قبل مائة عام وتتألف من ثلاثة آلاف صفحة و200 شخصية في سبعة مجلدات ظل يكتبها 20 عاما ولم ينته من كتابتها إلا قبل وفاته بساعات. يركز فيها على قدرة الروائح على إثارة الذكريات ويتساءل كثيرا عن السر وراء استحضار الذكريات بالشم ونقلنا إلى أماكن غريبة أو حتى مفاجأتنا بذكريات كنا نعتقد أنها أصبحت في طي النسيان. وتبدأ الرواية عندما يغمس الراوي قطعة بسكويت في كوب شاي بنكهة الأعشاب فتُحيي فيه رائحة هذا المزيج ذكرى حادثة قديمة، ومنها يمضي ليصف قريته والبيت الذي عاش فيه والأشخاص الذين عرفهم والتجارب التي مر بها في طفولته وشبابه. ويعتبر "بروست" أول من صاغ مصطلح "الذاكرة اللا إرادية" التي تحتوي على خلاصة الماضي، وكل ذكرى فيها تطلق لا إراديا ذكريات أخرى مرتبطة بها في تسلسل عجيب. ومؤخرا اكتشف علماء الأعصاب من كلية "أوتريشت" في هولندا السر وراء هذه الظاهرة، حيث وجدوا في الدماغ البشري منطقة محددة تسجل الروائح وتخزنها، وعندما نشم رائحة معينة تتجه جزيئاتها مباشرة إلى تلك المنطقة التي تدعى "أمجداليس" المسؤولة عن السيطرة على العواطف والأحاسيس، والمدهش أنها لا تتأثر بالحواس الأخرى مباشرة. كما وجدوا أن الروائح تؤثر في مناطق أخرى من الدماغ، لذا تكون الذكريات التي تنشط بالروائح أقوى وأكثر عاطفة وتفصيلا وإثارة للانفعال من تلك المصاحبة للتذوق أو اللمس مثلا، وسيساعد هذا الاكتشاف على معالجة الأمراض والاضطرابات المرتبطة بالنسيان والذاكرة.

مشاركة :