قبل عرض فيلم «شئ من الخوف» عام 1969 في دور السينما أثار العمل ضجة واسعة، وتدخلت الرقابة معطلة توزيعه لبعض الوقت، وذلك بعد إدعاء أفراد آنذاك بأن شخصية «عتريس»، التي جسدها الفنان محمود مرسي، مقصود منها الإشارة إلى الرئيس جمال عبدالناصر. يبدو أن الإدعاء الذي ساد الأوضاع في ذلك الوقت به شئ من الصحة، إذ كشف السيناريست بلال فضل، في برنامج «الموهوبون في الأرض»، أن «مرسي» رغم تأييده لـ«عبدالناصر» في البداية إلا أنه كرهه بعد نكسة يونيو 1967. بدأت القصة في عام 2000 عندما نشر أحد الكتاب مقالا بعنوان «محمود مرسي يخون أبوالعلا البشري»، مشيرا في المتن إلى أن «مرسي» يعلق صورة مكبرة للرئيس محمد أنور السادات في منزله، رغم أن «أبوالعلا البشري» في المسلسل كان ناصريا حسب قوله. أثار المقال حينها ضجة واسعة مشعلا الخلاف المعتاد بين الناصريين ومؤيدي «السادات»، وهو ما دفع محمود مرسي بطبيعة الحالة إلى موافقته على إجراء حوار صحفي مع الأستاذة أمل فوزي في مجلة «صباح الخير». خلال الحوار كشف «مرسي» أنه من الأساس لا يضع في شقته سوى صورة لشخصية «عتريس» التي يعتز بها، وأضاف متهكما: «إزاي الكاتب ده شاف صورة في بيتي أنا نفسي ما شوفتهاش»، مردفا: «هو معيار الوطنية دلوقتي إن أنا أعلق صورة السادات أو عبدالناصر». ثم هاجم الناصريين بشكل كبير قائلا: «طب لو علقت صورته كانوا يسألوني هو أنا ليه احتفظ له بصوره في بيتي؟ وليه أمتن له أو أحبه عن أي مرحلة في تاريخه بالظبط؟»، ليشير إلى المقال: «وبعدين أنا محدش قال لي بما فيهم أسامة أنور عكاشة أصلا إن أبوالعلا كان ناصري». بعدها سرد أسماء الشخصيات التي يتمنى أن يضع لها صورا في منزله إن أقدم على تلك الخطوة، وهم محمد علي باشا بدافع تأثره بالرسالة التي وجهها إلى الطلاب المصريين قبل سفرهم إلى فرنسا للدراسة، والثاني هو الخديو إسماعيل بسبب اهتمامه بدور الثقافة والفن، ثم «فاطمة» ابنة الخديو إسماعيل لأنها تبرعت بفيلتها ومجوهراتها لتأسيس جامعة القاهرة، وأخيرا الرئيس محمد أنور السادات باعتباره «صاحب معجزة العبور». ليهاجم جمال عبدالناصر صراحةً: «صورة عبدالناصر كانت في قلبي لكن بعد يوم 5 يونيو ويوم 9 يونيو اتكسرت في قلبي، 9 يونيو عشان ده اليوم اللي رقص فيه نواب الأمة لما عبدالناصر رجع للحكم ومكنش دم الشهداء رجع لسه»، ويروي «فضل» عن تلك النقطة بأن «مرسي» لم ينكر اعتراف الرئيس بالهزيمة، لكنه اكتفى بإزالة آثار العدوان دون تغيير حقيقي وفق رؤيته. واستكمل هجومه: «كنت متحيز من البداية لعبدالناصر لكن طول الوقت كانت حاجات كتير بتحصل بتخلي الواحد مش فاهم، وكل يوم اكتشف حاجة جديدة تخليني أشعر بفقدان الثقة في اللي حوليا، لدرجة إن أنا اقتنع إن في سيناريو محبوك ضد مصر بينفذه ناس كتيرة بما فيهم عبدالناصر». نقل حديثه بعدها إلى فيلم «شئ من الخوف»، مستشهدا بما كتبه صلاح منتصر بصحيفة «الأهرام»، عندما ذكر أن المخابرات اشترت أغلب التذاكر في دور العرض لمنع الجمهور من مشاهدة العمل، حتى تم رفعه من السينمات بعد 3 أسابيع فقط، وهنا يكمل «مرسي»: «نزلوا مكانه فيلم تسجيلي عن الفول المدمس اسمه (المكامير)، كان بيجيب إيراد 3 جنيه في اليوم». يقول «فضل» عن تلك الفترة من حياة محمود مرسي أن هناك مرحلة دفعته للانتقال من الصدمة في الرئيس جمال عبدالناصر إلى كرهه بشكل كبير، واستحضار شخصيته خلال تجسيد «عتريس»، مشيرا إلى أنه في البداية كان يتمنى أن يصحح «عبدالناصر» من أخطائه. الطريف أن مجهوداته باءت بالفشل، وهنا يستشهد السيناريست بلال فضل بمذكرات المخرج سمير العصفور الذي ذكر أن «مرسي» أخبرهم ذات يوم بعد نكسة 1967 بأنه أخذ موعدا من رئاسة الجمهورية لمقابلة الرئيس للفت انتباهه إلى بعض الأمور، قائلا لهم: «أنا مش فاهم الراجل عبدالناصر مستحمل اللي بيحصل في البلد ده إزاي». حسب المذكور توجه «مرسي» إلى الرئاسة بعد مشوار قضاه بمنطقة المعادي، مرتديا بدلة صيفية وصندل في قدميه، دون أن يهذب لحيته، وغاب عن زملائه في المسرح القومي حتى فوجئوا بسماع صوته بعد منتصف الليل في الممر وهو يقول: «أيوة عاوز السمك مقلي وما تنساش السلطات والعيش». وروى لأصدقائه ما حدث معه في القصر الجمهوري، موضحا لهم أنه قابل أحد المسؤولين في القصر دون الرئيس جمال عبدالناصر، وبالفعل تحدث إلى هذا الشخص بما كان يجيش به صدره. الغريب أنه انتظر أي ردة فعل من جانب المسؤول بعد فروغه من الحديث، لكنه فوجئ بالآخر يقوم من جلسته ويمد يده مصافحا إياه قائلا: «شكرا يا أستاذ محمود»، قبل أن يأمر شخصا آخر: «وصل أستاذ محمود لبرا»، وختم سمير العصفوريس روايته، حسب ما ذكره «فضل» بكلمة «إظلام».الموهوبون في الأرض│الموسم الثالث│الممثل المصري محمود مرسي│الجزء الأول سلط برنامج الموهوبون في الأرض في هذه الحلقة الضوء على مسيرة الممثل المصري الكبير محمود مرسي، وأبرز المحطات الفنية التي مر بها منذ تخرجه من معهد الدراسات العليا السينمائية بباريس وأهم التجارب التلفزيونية والسينمائية التي خاضها.
مشاركة :