شاءت الأقدار أن يصاب مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع بمرض "الفشل الكلوي"، وعند حلول شهر رمضان المبارك يتبادر إلى ذهن المريض وذويه سؤال عريض يؤرقهم جميعاً: هل يستطيع مريض الفشل الكلوي صيام الشهر؟ ويمتد صيام رمضان هذا العام إلى (15) ساعة، مما يُصعّب على مريض "الفشل الكلوي" الصوم، فهناك رخصة شرعية للمريض بالإفطار في رمضان، خاصةً إذا علمنا أنه يُرافق عملية غسيل الكلى خروج الدم، إلاّ أنه في حالات أُخرى من الممكن أن يصوم بعض المرضى، لكن يبقى من المهم متابعة الموضوع مع الطبيب المعالج، إضافةً إلى تناول الأدوية بانتظام بعد الفطور مباشرةً وبعد السحور -قبل موعد الإمساك-، إلى جانب أهمية عمل التحاليل اللازمة خلال شهر رمضان، وتعويض السوائل خلال فترة الليل بعد الإفطار، وكذلك تجنب الأغذية التي تسبب تكوين أملاح الحصيات التي تترسب في البول، كالألبان والجبنة و"السبانخ"، وأخيراً تجنب التعرض لحرارة الشمس، والتي قد تكون سبباً في فقد الكثير من السوائل والأملاح عن طريق العرق، وبالتالي التأثير سلباً على صحة المريض، مما قد يؤدى إلى ارتفاع نسبة "البولينا" في الدم. خروج الدم وقال "د. إبراهيم بن صالح الأحمدي" -استشاري زراعة الكلى والبنكرياس ورئيس قسم جراحة زراعة الكلى في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض-: إن مرض الفشل الكلوي ينقسم إلى قسمين؛ ما قبل الزراعة وما بعدها، ومريض الكلى يحتاج أن يغسل من ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع على حسب الجدول الخاص به، مضيفاً أن هناك من لا يستطيع الصيام؛ لأنهم يغسلون ثلاث مرات في الأسبوع، ويحتاجون أثناءه إلى خروج الدم، مؤكداً على أن هناك نظرة شرعية من قبل علماء ومتخصصين في المجال الشرعي تؤكد عدم جوار الصيام، مبيناً أن مريض ما قبل الزراعة لا يستطيع الصوم خلال شهر رمضان، أمّا بعد الزراعة فمريض الكلى لا يسمح له خلال العامين الأوليين بعد إجراء العملية؛ لأن الكلى تحتاج إلى سوائل كثيرة، والصيام يكون عادة في الطقس الحار، في الوقت الذي يحتاج فيه مريض زراعة الكلى من (3- 3.5 لترات) من الماء يومياً، وتكون موزعة خلال النهار كاملاً، مشيراً إلى أن المريض يجب أن يتناول العلاجات والأدوية الخاصة بالمناعة، حيث تؤخذ كل (12) ساعة في أوقاتها المحددة. وأضاف: الصيام يمتد إلى (15) ساعة، وهذا صعب جداً على مريض الكلى، قال تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها"، والحمد لله سبحانه على كل حال، فهناك رخصة شرعية للمريض بالإفطار في رمضان، ذاكراً أنه بعد مرور عامين يمكن للمريض أن يصوم ولكن تحت إشراف طبي لطبيب متخصص، وهو الذي يعطيه الإذن، والإذن هنا يتعلق بعمل الكلى، فإذا كانت تعمل بشكل طبيعي ممكن أن يصوم، أمّا اذا كان عمل الكلى أعلى من المعدل الطبيعي، فإن هذا المريض لا يستطيع الصيام؛ لأن ذلك يؤثر على عملها. الزراعة أفضل وأوضح "د. الأحمدي" أن من سُمح له بالصيام، فيجب أن يتابع مع الطبيب المعالج أولاً بأول، وأن يتناول الأدوية بانتظام بعد الفطور مباشرةً وبعد السحور -قبل موعد الإمساك-، مع ضرورة عمل التحاليل اللازمة خلال شهر رمضان، مضيفاً أنه لابد أن يعوّض بالسوائل خلال فترة الليل بعد الإفطار، مبيناً أن مريض الكلى له ثلاثة حلول هي الغسيل الكلوي وينقسم إلى قسمين غسيل دموي و"بريتوني"، والثالث هو الزراعة، وهي الأفضل والأنسب بالنسبة للمريض، ناصحاً المرضى بزراعة الكلى والبحث عن متبرع، خاصةً من الأقارب، ونحن هنا في المملكة نعتمد في الزراعة من الأحياء بنسبة (75%) ونسبة (25%) من المتوفين دماغياً، مشيراً إلى أن الغسيل "البريتوني" مناسب لبعض الحالات وغير مناسب لمعظم مرضى الكلى، وهذا يتوقف على تقييم طبيب الكلى المتخصص لكل حالة، ذاكراً أن الغسيل "البريتوني" لا يرتبط بالمستشفى، بل هو مجرد تعليم وتدريب المريض ووضع "القسطرة" في بطن المريض في الغشاء "البريتوني"، وبعدها يمكن للمريض الغسيل في المنزل، ويمكن للمريض مزاولة حياته الطبيعية في النهار وفي الليل يعمل على تركيب الجهاز، حيث يدخل السوائل ويخرجها إلى حد معين. وأضاف: بالنسبة للغسيل الدموي فيحتاج عمل "قسطرة" وريدية شريانية، حيث تأخذ ستة أسابيع، ومن بعدها يغشل المريض من ثلاث إلى أربع مرات في أسبوع، ولابد أن يذهب إلى المستشفى أو مركز من مراكز الغسيل. غسيل بريتوني وأكد "إبراهيم بن عبدالله الشاهر" -رئيس قسم الغسيل البريتوني في مستشفى حكومي- على أن مريض الكلى يستطيع الصوم والرأي الأول والأخير هو لطبيب الكلى، مضيفاً أنه لابد من عمل جدول لمرضى الغسيل الدموي يتناسب مع شهر رمضان المبارك يراعى فيه وقت الإفطار والإمساك، مبيناً أن مرضى الغسيل "البريتوني" ففرصة الصيام لديهم أكبر؛ لأنه لا يتم خروج الدم من الجسم، ويكون الغسيل بواسطة "القسطرة"، حيث يتم إدخال سائل الغسيل ويسمى "سائل الترشيح" وهو مرتفع "الضغط الأسموزي" إلى البطن، ذاكراً أنه يفصل السائل عن الدم "الغشاء البريتوني" المحيط بالأمعاء، وتتحرك السموم الضارة والسوائل الزائدة عن الحاجة من الدم باتجاه "السائل البريتوني" نتيجة لاختلاف الضغط الأسموزي بين الدم والسائل، ثم يتم سحب "السائل البريتوني" من البطن واستبداله بآخر جديد، مشيراً إلى أنه تسمى هذه العملية "استبدال الأكياس"، ناصحاً باستخدام الغسيل "البريتوني" للمرضى الذين يعانون من ضعف في عضلة القلب وانخفاض في ضغط الدم وقصور الشريان التاجي الشديد، وكذلك مرضى السكر الشديد. وأضاف: يُمنع الغسيل "البريتوني" في حالتي الاستسقاء البطني والفتق البطني، وكذلك بعض المرضى الذين خضعوا لعمليات فتح البطن، موضحاً أنه بفضل الله عز وجل أغلب المرضى يصومون شهر رمضان ولله الحمد. مشقة وضرر وقال "د. أحمد سليمان" -طبيب كلى في أحد المستشفيات-: إن الصوم للكليتين راحة وعافية وفضل من الله عز وجل، وعندما يقترب شهر رمضان المبارك في كل عام يتناول الناس خاصةً مرضى الكلى وذويهم الحديث عن أمراض الكلى، وما إذا كان من الممكن لمريض الكلى أن يسمح له بالصيام، وما هي الاحتياطات التي تتخذ لتفادي المضاعفات التي قد تحدث لا سمح الله، وهؤلاء عادةً صحتهم العامة لا تمكنهم من الصيام، مضيفاً أنه إذا أصروا على الصيام فعليهم ألاّ يكثروا من شرب السوائل بعد الإفطار أو حتى تناول الأغذية التي تحتوي على "البوتاسيوم" حتى لا يحتاجوا إلى غسيل دموي عاجل، ناصحاً مرضى الكلى بعدم صوم رمضان لما في ذلك من المشقة والضرر، خاصةً في طقس حار جداً، والذي يهدد وبقوة وظائف الكلى بالتدهور، موضحاً أن الكلى التي تعانى من القصور المزمن لا تستطيع تركيز البول، مما يزيد من خطورة الجفاف في نهار رمضان، وبالتالي لا تستطيع تخفيف البول مما يهدد حياة المريض في ليل رمضان، مشيراً إلى أن الرخصة واجبة لمرضى القصور الكلوي المزمن والفشل الكلوي ومرضى الغسيل، وكذا زارعي الكلى ومرضى حصوات المسالك البولية المتكررة ووجب على هؤلاء المرضى الإفطار. استشارة الطبيب ونصح "د. سليمان" مرض الكلى عدم تناول كميات كبيرة من السوائل عند السحور وفي الإفطار، وتجنب الأغذية التي تسبب تكوين أملاح الحصوات التي تترسب في البول نتيجة تناول كمية كبيرة من الألبان والجبنة و"السبانخ" و"الكرنب" وأملاح "حمض البوليك"، التي توجد في الكبد والكلاوي والقهوة والشوكولاتة، مُشدداً على أهمية تجنب التعرض لحرارة الشمس والمجهود الشديد أثناء النهار، مبيناً أن فصل الصيف يتميز بدرجات الحرارة والرطوبة المرتفعتين، واللتان تكونان سبباً في فقد الكثير من السوائل والأملاح نتيجة العرق، وبالتالي يؤثر ذلك سلباً على صحة الإنسان السليم، والمتمثلة في عدم توازن الماء والأملاح في الجسم، مؤكداً على أنه يزيد هذا التأثير على الإنسان المريض خاصةً المصاب بالفشل الكلوي، مما قد يؤدى إلى ارتفاع نسبة "البولينا" و"الكرياتنين" في الدم، خاصةً مع الصيام، مشيراً إلى أنه ينبغي على أي مريض مصاب بمرض فشل كلوي ضرورة استشارة طبيبه، وكذلك عمل التحاليل اللازمة التي تعطي مؤشرا واضحا للمريض بقدرته على الصيام من عدمها، وقبل البدء بالصيام، خاصةً في هذه الأجواء الحارة وطول فترة الصوم، موضحاً أنه إذا لم يتناول مريض الكلى كمية كافية من الماء فقد يؤدى إلى المزيد من القصور في وظائف الكلى. توازن الأملاح وأوضح "د. سليمان" أن جسم الإنسان يحتوي على كليتين تزن كل واحدة (150جم)، وطولها (12سم) وعرضها (7سم) وسُمكها (3سم)، وتعمل الكليتان بوظائف عديدة منها؛ تنقية السموم والتخلص من السوائل الزائدة عن حاجة الجسم، والمحافظة على توازن الأملاح في الجسم مثل "البوتاسيوم" و"الصوديوم"، وكذلك حفظ توازن الأحماض وإنتاج الهرمونات مثل "الإريثروبويتن" الذى يساعد نخاع العظم على إنتاج خلايا الدم الحمراء، وهرمون "الرينين" الذي يسهم في السيطرة على ضغط الدم وثباته في الوضع الطبيعى، وكذلك إنتاج فيتامين د النشط الذي يساعد على بقاء العظام قوية وسليمة. وتحدث عدد من مرضى الفشل الكلوي في أحد المراكز الطبية بالرياض لغسيل الكلى، حيث قال "محمد عبدالله": أُصبت بمرض الفشل الكلوي قبل (10) أعوام تقريباً، وأعمل على الغسيل بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع، مضيفاً أنه يضطر للإفطار في شهر رمضان في الأيام التي يجري فيها عمليات الغسيل، مبيناً أنه يقضي الأيام التي يُفطر فيها بعد الشهر الفضيل مباشرة، وتحديداً في الأيام التي لا يوجد بها الغسيل. وأوضح "أبو عبدالله" أنه يعاني من مشقة الصيام بعد مرضه بالفشل الكلوي منذ أكثر من عامين، متمنياً صيام كامل أيام شهر رمضان الحالي، داعياً الله أن يشفي كل مريض. وأشار "عبدالعزيز حمدان" إلى أنه أصيب بمرض الفشل الكلوي قبل عشرة أعوام تقريباً، ونصحه الأطباء بعدم الصيام حتى لا يؤثر على صحته، مؤكداً على خضوعه لثلاث جلسات غسيل أسبوعياً. 2
مشاركة :