بالغت عناوين صحافية وقصص إخبارية تربط بين حبوب منع الحمل والاكتئاب في تحليل نتائج دراسة جديدة، فانتشر الهلع بين عدد من النساء. ذلك بعدما أساء بعض الصحافيين تفسير نتائج الدراسة وجعلوها توحي بأن خطر الاكتئاب نتيجة لتناول حبوب منع الحمل يفوق ما ذكره الباحثون في دراستهم. نُشرت دراسة تربط بين حبوب منع الحمل والاكتئاب في مجلة «غاما» للطب النفسي الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية»، ولم تثبت أن وسائل منع الحمل الهرمونية تسبّب الاكتئاب، ويشير تصميمها إلى أنها تعجز عن إثبات وجود علاقة سببية بين الظاهرتين. يدرك المشرفون على الدراسة هذا الواقع ويمكن أن نفترض ذلك بناءً على اللغة التي يستعملونها. مع ذلك لم يتردّد بعض الصحافيين في اعتبار وسائل منع الحمل سبباً للاكتئاب. الدراسة التي لا تخلو من الشوائب (نادراً ما تكون الدراسات مثالية) تجيد عموماً تحليل مجموعة واسعة من النساء خلال فترة ست سنوات وتحاول إحراز تقدم في مجال بحثي مهم يرتبط بالاكتئاب ووسائل منع الحمل الهرمونية. اكتشف الباحثون أن %2.2 من النساء اللواتي يستعملن وسائل منع الحمل الهرمونية كل سنة يصبحن أكثر ميلاً إلى أخذ نوع من مضادات الاكتئاب مقارنةً بـ%1.7 من النساء اللواتي لا يستعملن تلك الوسائل. في ما يخص الاكتئاب، شُخّص لدى %0.3 من النساء اللواتي يستعملن وسائل منع الحمل الهرمونية مقارنةً بـ%0.28 من اللواتي يمتنعن عنها. ما من اختلافات كبرى بين الفئتين ولكن لا يمكن التوصل إلى هذا الاستنتاج استناداً إلى التغطية الإعلامية لهذا الموضوع. قبل مشاهدة التقارير الإخبارية، لا بد من تحليل الدراسة. راجع الباحثون في الدنمارك سجلات تعود إلى مليون و61997 امرأة بين عمر الخامسة عشرة والرابعة والثلاثين بين عامَي 1995 و2013، فحللوا البيانات لمعرفة مدى ارتباط استعمال وسائل منع الحمل الهرمونية بأخذ مضادات الاكتئاب وتشخيص الاكتئاب في مستشفى للأمراض النفسية. استعمل نصف النساء تقريباً وسائل منع الحمل الهرمونية خلال فترة الدراسة أو قبل مدة من انطلاقها، بما في ذلك حبوب منع الحمل التي تُؤخَذ عبر الفم والرقع والحلقات المهبلية والحقن واللولب الرحمي (أو ما يُعرَف باللفائف الهرمونية)، فيما لم تستعمل النساء المتبقيات أي وسائل هرمونية لمنع الحمل. سوء اختيار المجموعة المرجعية كانت مقارنة النساء اللواتي يستعملن وسائل منع الحمل الهرمونية بنساء لا يستعمِلْنَها جزءاً من أخطاء الدراسة. قد تبرز اختلافات كبرى طبعاً بين المجموعتين على مستوى تلقي الرعاية الصحية والاستعداد لأخذ الأدوية. تميل المرأة التي تأخذ الحبوب إلى استشارة الطبيب الذي يعطيها وصفة طبية لاستعمال وسائل منع الحمل ونظاماً يفرض عليها أن تأخذ حبة يومية. عند مقارنة هذه المرأة بأخرى لا تأخذ الحبوب، قد نلاحظ أن الأخيرة لا تواظب على زيارة الطبيب أو لا تقابله بانتظام وقد تكون أقل استعداداً لأخذ الدواء. يشعر علماء الأوبئة بقلق من أن تفسّر تلك الاختلافات أيّ تفاوت في معدل الاكتئاب بين مجموعتَي النساء باعتباره متناقضاً مع أثر وسائل منع الحمل الهرمونية. يُشار إلى أن المشرفين على الدراسة حللوا بشكل خاص أثر استعمال نوع من مضادات الاكتئاب (دواء يجب أن يصفه الطبيب وقد لا تكون المرأة التي تنفر من حبوب الأدوية مستعدّة لأخذه). يصعب أن يختار الباحثون مجموعة مرجعية مناسبة ولكن من الأفضل في هذه الحالة أن تحصل المقارنة مع النساء اللواتي يستعملن اللفائف النحاسية (شكل من وسائل منع الحمل غير الهرمونية) بحسب تشيلسي بوليس، عالِمة أوبئة في معهد «غوتماشر» الذي يجري البحوث عن الصحة الإنجابية ووسائل منع الحمل. تتابع المرأة التي تستعمل اللفائف النحاسية تزامناً مع تجنب هرمونات مثل الأستروجين والبروجستيرون أخذ شكل من وسائل منع الحمل وتحرص على مقابلة الطبيب. في الماضي، اكتشفت الدراسات التي قارنت بين نساء يأخذن حبوب منع الحمل وأخريات يستعملن اللفائف النحاسية أن المرأة التي تأخذ الحبوب ليست أكثر عرضة لفقدان رغبتها الجنسية. نسبة الخطر الحقيقية كان بعض الصحافيين دقيقين بشأن تقديرات المخاطر التي أدرجوها في قصصهم. اختار كثيرون الخطر النسبي الذي يشير إلى طريقة تطوّر المرض بدرجات متفاوتة ضمن مجموعة معينة مقارنةً بأخرى. لا يشير الخطر النسبي إلى احتمال الإصابة بخطبٍ ما. لشرح نسبة الخطر الحقيقية، تقضي طريقة مفيدة بتفسير الخطر المطلق ولكن من المستغرب أن يغفل بعض الصحافيين عن هذه المقاربة (قال صحافي لأحد الخبراء إن المسألة شائكة وما من مساحة كافية في المقالة لشرح الخطر المطلق. أظن أنه سلوك مجحف بحق الرأي العام لأن الخطر المطلق طريقة فاعلة لفهم احتمال الإصابة بمرض معيّن). قد يبدو الخطر النسبي مرتفعاً (زيادة بنسبة %80 في حالات الاكتئاب!)، لكن يكون احتمال الاكتئاب الأولي متدنياً. في الدراسة مثلاً، أشارت حساباتي إلى أن امرأة ستستعمل مضاداً للاكتئاب من بين 300 امرأة يستعملن وسائل منع الحمل الهرمونية. قد تكون هذه النسبة مقبولة أو مرفوضة في نظرك ولكن من غير المقبول في نظري أن يسيء الصحافيون نقل نتائج الدراسة بهذه الطريقة. نستحق جميعاً تقارير دقيقة حول الدراسات العلمية كي نتمكّن من اتخاذ قرارات مبنية على الوقائع بشأن أجسامنا والحبوب التي نأخذها. مضادات الاكتئاب اكتشف الباحثون أن المرأة التي تستعمل وسائل منع الحمل الهرمونية تكون أكثر ميلاً إلى أخذ مضادات الاكتئاب مقارنةً بالمرأة التي لا تستعمل تلك الوسائل. لكن لاحظت الدراسات أن نصف الأشخاص الذين يأخذون تلك المضادات يستعملونها لغايات تختلف عن معالجة الاكتئاب. يمكن وصف مضادات الاكتئاب لمعالجة الألم ومشاكل النوم واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والصداع النصفي وحتى مشاكل الجهاز الهضمي والمسالك البولية. استبعاد النساء عند تحليل أي دراسة لمعرفة مستواها، من المفيد أن نحدد الفئات التي استبعدها الباحثون من الدراسة. في هذه الحالة، استثنوا النساء في فترة الحمل وطوال ستة أشهر بعد الإنجاب. أقدم الباحثون على هذه الخطوة «لتخفيف أثر اكتئاب ما بعد الولادة» بحسب قولهم. لكن تشعر بوليس بقلق من تضرّر نتائج الدراسة بسبب هذه الخطوة: «تكون المرأة التي لا تستعمل وسائل منع الحمل الهرمونية أكثر ميلاً إلى الحمل غير المقصود، ما يعني زيادة احتمال الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة أو أنواع أخرى من الاكتئاب خلال فترة الحمل، لا سيما إذا حملت المرأة من دون تخطيط مسبق». إنه جزء من شوائب الدراسة. لننتقل الآن إلى الأخطاء التي ارتكبها الصحافيون الذين كتبوا عنها. أخطاء كبرى ذكرت الدراسة أن المرأة التي استعملت وسائل منع الحمل الهرمونية كانت أكثر ميلاً إلى تلقي وصفة بمضاد اكتئاب أو الإصابة بالاكتئاب بنسبة %40. لكن تحدّث بعض المنشورات الإخبارية عن زيادة عامة بنسبة %80: إنها معلومة خاطئة. ترتبط هذه النسبة بمجموعة فرعية من النساء، بين عمر الخامسة عشرة والتاسعة عشرة، لا سيما اللواتي يستعملن مجموعة مختلطة من حبوب منع الحمل. لو أراد الصحافيون أن يحتسبوا خطر الاكتئاب الإجمالي بالنسبة إلى كل امرأة تستعمل مجموعة مختلطة من حبوب منع الحمل، كان يجب أن يذكروا أن تلك الحبوب قد تزيد احتمال تشخيص الاكتئاب بنسبة %10. ربما تتقبّل المرأة التي تأخذ الحبوب هذا الخطر أو ترفضه، لكن يمكن أن يتأثر قرارها بالتقارير الإعلامية التي تفتقر إلى الدقة. في الدراسة، تبيّن أن أشكال وسائل منع الحمل المرتبطة بزيادة الميل إلى الاكتئاب أو الحاجة إلى أخذ مضادات الاكتئاب تتعلق بالوسائل التي تحتوي على هرمون البروجستين حصراً. سُجّلت أكبر الزيادات لدى نساءٍ يتراوح عمرهنّ بين 15 و19 عاماً، علماً أن النساء في هذا العمر يصبحن أكثر عرضة لعوامل الخطر التي تسبّب الاكتئاب.
مشاركة :