اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن السعودية خسرت كثيراً بعد القبض على فتاة "الشورت"، التي أثار مقطع تجولها في أحد الأماكن الأثرية السعودية بملابس قصيرة، ضجيجاً على الشبكات الاجتماعية. وقالت الخميس 20 يوليو/تموز 2017، إنه على مدار السنوات القليلة الماضية، أنفقت السعودية ملايين الدولارات في محاولةٍ لإعادة تشكيل صورتها على الساحة الدولية. وتعاقدت مع شركاتٍ رائدة بالولايات المتحدة في مجال العلاقات العامة وحشد التأييد لدعم صورتها لدى واشنطن. وأثارت الفتاة السعودية الجدل بسلسلة مقاطع فيديو نشرتها على حسابها بسناب شات، بعدما ظهرت وهي تتجول بملابس "لا تتناسب مع العادات والتقاليد السعودية" -كما وصفها البعض- في منطقة أشيقر شمال شرقي العاصمة الرياض، قبل أن تلقي السلطات القبض عليه. وتتساءل "واشنطن بوست": ما هي غاية السعودية من كل ذلك؟ فلدى المملكة خطة طموحة لإصلاح اقتصادها بشكل كبير، وفي سبيل ذلك فإنها بحاجةٍ للمستثمرين الغربيين. وتريد المملكة أيضاً إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط لصالحها، من خلال كبح جماح النفوذ الإيراني وعزل الدول المحايدة مثل قطر. ومع ذلك، لا تزال هناك مشكلة فيما يتعلَّق بسمعةِ السعودية، فقد ارتبطت هذه السمعة منذ فترةٍ طويلة بالتطرُّف الديني ولاحقتها اتهامات بتمويل الإرهاب. وتُفرَض قيودٌ شديدةٌ على المرأة. ويتزامن مع موقف القبض على فتاة "الشورت" عدد من التقارير الخطيرة التي تزعم أنَّ التعديلات الأخيرة في القيادة السعودية كانت أكثر توتراً بكثير مما ظهر علناً. المحرمات السعودية وطبقاً للقوانين السعودية، يُعد ارتداء هذا النوع من الملابس في الأماكن العامة من المُحرَّمات. وتفرض الرياض، قانونياً، على النساء تغطية أنفسهن في الأماكن العامة من خلال ارتداء عباءة فضفاضة. وترتدي معظم النساء السعوديات أيضاً نوعاً من الحجاب، وتختار أخريات تغطية وجوههن بالنقاب. وعلى الرغم من أن ملابس الفتاة في الفيديو قد تكون مألوفة بأماكن كثيرة في الشرق الأوسط، أو حتى بعض الأماكن الاستثنائية في السعودية نفسها- فإنه سرعان ما أثار الفيديو ردَّ فعلٍ عنيف بين مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية السعودية، بحسب "واشنطن بوست". وسرعان ما على تويتر وفيسبوك يدعو إلى إلقاء القبض على الفتاة، وسط تأييد سعوديين بارزين لمثل هذه الخطوة. وقال الكاتب السعودي إبراهيم المنيف، على حسابه بتويتر الذي يضم أكثر من 40 ألف متابع: "يجب على الناس أيضاً احترام قوانين هذا البلد، تماماً كما ندعو الناس إلى احترام قوانين البلدان التي يسافرون إليها". وأعلن التلفزيون الرسمي يوم الثلاثاء 18 يوليو/تموز، أنَّ الشرطة في الرياض اعتقلت الفتاة "التي ظهرت بملابس غير محتشمة" وأُحيلَت القضية إلى النيابة. إلا أنَّ مركز الاتصالات الدولية في أصدر الأربعاء 19 يوليو/تموز، بياناً قال فيه إنَّ الفتاة قد أُفرِجَ عنها بعد ساعاتٍ قليلة من استجوابها. وذكر البيان أيضاً أنها لن تواجه أي اتهامات وأنَّ القضية أُغلقت. وبحسب "واشنطن بوست"، فإن هذا البيان لم يوقف الضجة الدولية. وكانت ردود فعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم غاضبةً إزاء أخبار القبض على الفتاة؛ إذ قارن البعض الفتاة السعودية مع روزا باركس ناشطة الحقوق المدنية الأميركية، ولاحظ آخرون أنَّ السعودية لم يقع عليها الاختيار إلا مؤخراً لعضوية لجنة تابعة للأمم المتحدة تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة. وكان هذا الجدل بمثابة تذكير آخر بالقيود المفروضة على المرأة في المجتمع السعودي، ففضلاً عن القواعد المُتعلِّقة بما يجب عليهن ارتداؤه، يتعيَّن على النساء السعوديات الحصول على إذنٍ من "ولي الأمر" للعمل أو السفر، بجانب منعهن من الحصول على تراخيص قيادة السيارات. وفي التصنيف العالمي لمؤشر الفجوة بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016، جاءت المملكة العربية السعودية بالمرتبة الـ141 من بين 144 دولة مُدرَجة في القائمة. رؤية 2030 وقد لمح القادة السعوديون منذ فترةٍ طويلة إلى الإصلاح. وتتضمَّن خطةٌ طموحة لإعادة تصور الاقتصاد السعودي، المعروفة باسم "رؤية 2030"، مقترحاتٍ لزيادة عدد النساء العاملات والجامعيات. ويُذكَر أنَّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاماً، الذي يقود هذه الخطط، ومن المُتوقَّع بشكلٍ كبير أن يكون ملك السعودية في وقتٍ قريب، أشار إلى أنَّه مُرحَّبٌ بقيادة النساء للسيارات، رغم أنَّ لديه شكوكاً بشأن استعداد البلاد لهذا الأمر. وقالت سارة ليا واتسون، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومان رايتس ووتش، إنَّ الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع تلقي ظلالاً من الشك على هذه المقترحات، و"إنَّ خطط السعودية المزعومة لإعادة تشكيل المجتمع والنهوض بحقوق المرأة لن تنجح أبداً طالما تلاحق السلطات النساء بسبب الزي". ويتعارض الموقف مع حملة السعودية ضد قطر. وأشار خوان كول، أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان الأميركية والمُعلِّق البارز على شؤون الشرق الأوسط، في مدونته أنَّ اللباس الصارم للمرأة السعودية يبدو نفاقاً؛ لأن المملكة تدَّعي أنَّها تكافح التطرف. وكتب كول يوم الأربعاء، قائلاً: "تقود السعودية حملةً دعائية تتهم فيها قطر بدعم التطرُّف في الشرق الأوسط، لكنها اعتقلت عارضة أزياء شابة تُسمى خلود؛ لتجولها في موقع تاريخي في نجد وهي ترتدي قميصاً قصيراً وتنورة". ويضطلع ولي العهد بدورٍ هامٍ في النزاع مع قطر، فضلاً عن دوره في الحملة العسكرية المستمرة باليمن. وأفادت العديد من وكالات الأنباء هذا الأسبوع بأنَّه كان ينظم الإطاحة بابن عمه محمد بن نايف، الذي كان تالياً في ترتيب ولاية العرش سابقاً، ويقبع الآن قيد الاحتجاز في قصره بمدينة جدة. ولم تتاوفر تفاصيل حول ما حدث للفتاة في الفيديو وسبب إطلاق سراحها. ويُعد النظام القانوني السعودي غامضاً، فلم تستجب السفارة السعودية في واشنطن ومركز الاتصالات الدولية السعودي لطلباتٍ بشأن الحصول على مزيدٍ من المعلومات. وفي الماضي، انخرط القادة السياسيون السعوديون في قضايا قانونية عويصة ومثيرة للجدل، بحسب الصحيفة الأميركية. وأثار اعتقال الفتاة استياء العديد من السعوديين؛ فعلى الشبكات الاجتماعية، تحدَّث العديد من المستخدمين في المملكة أنَّ القواعد المُتعلِّقة بملابس النساء غالباً لا تتبعها السعوديات عندما يذهبن للخارج، وكذلك الأمر بالنسبة للأجنبيات اللاتي يزرن المملكة. وقامت سعوديةٌ بنشر صورةٍ تهكميةٍ على موقع تويتر، وضعت فيها وجه إيفانكا ترامب مكان وجه الفتاة وعلَّقت قائلةً: "خلاص يا جماعة، انحل الموضوع"، في إشارةٍ إلى أنَّ إيفانكا لم ترتدِ العباءة عندما زارت المملكة. وتدل ردود الفعل الكبيرة على الفيديو والرد الرسمي المُتردِّد على أنَّ السعودية مُقسَّمَة حول القضايا الاجتماعية. وأخذاً في الاعتبار التقارير الواردة عن الاقتتال الداخلي بالعائلة المالكة السعودية، وكذلك المستقبل الاقتصادي والجيوسياسي المُتزَعزِع للبلاد، فمن غير المُرجَّح أن تُحَل هذه الانقسامات في أي وقتٍ قريب.
مشاركة :