أكد أكاديميون وباحثون على أن الحصار مثل فرصة تاريخية لقطر لبناء نموذج اقتصادي يحقق الاكتفاء الذاتي في إنتاج السلع الغذائية، مشيرين إلى أن الحصار الذي تعرضت له قطر لم ينسها قضية العرب التاريخية في فلسطين، وقد وضح هذا جلياً في خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.وأضافوا في حديثهم لـ «العرب» أن الخطاب اتسم بالتوازن والعقلانية، وترسيخ الثوابت في السياسة القطرية، وأكدوا أن الخطاب يرسخ لانطلاقة قوية لقطر، خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وأن قطر تحارب الإرهاب قناعة وليس إرضاء لأي دولة مهما كانت مكانتها في الشرق أو الغرب. قالت وضحى المري الأكاديمية والباحثة القطرية إن التوازن والعقلانية كانا عنوان الخطاب، فلا تنازل عن السيادة ولا قبول للإملاءات، ولا انزلاق للمستوى الذي انحدرت له دول الحصار. وأضافت أن صاحب السمو حرص خلال الخطاب على التذكير بالتعريف المتفق عليه دولياً للإرهاب «وهو استهداف المدنيين لأغراض سياسية» بعد أن تمادت دول الحصار في التلاعب بهذا المفهوم لتحقيق أغراضها، مشيرة إلى أن وحدة الجبهة الداخلية هي صمام الأمان الذي تجاوزنا به هذه الأزمة، وبها سنتجاوز مقبل التحديات. وأضافت أن صاحب السمو ركز على الجانب القيمي في العلاقات الدولية، والذي عكسته مواقف الغالبية العظمى من دول العالم. فالحرية والسيادة قيمتان دفعت في سبيلهما الإنسانية أثماناً باهظة، والشعب القطري اليوم يدفع ثمن تمسكه بهما. وأكدت أن الأزمة الراهنة ستكون الترجمة الفعلية للاستراتيجية الوطنية الطامحة للتنوع والانفتاح الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي، واستثمار الموارد للأجيال القادمة حسبما ورد في الخطاب. وختمت حديثها بالقول في الوقت الذي تبذل فيه الجهود الجبارة لحرف البوصلة العربية عن اتجاهها الصحيح «القضية الفلسطينية»، وفي عز الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها الخليج العربي، أكد صاحب السمو تضامنه مع الفلسطينيين واستنكاره لإغلاق المسجد الأقصى. وبدوره قال الدكتور زكريا مطر الأكاديمي والباحث الاقتصادي إن الضربة التي لا تقتلك تقويك، وبالتالي فإن الحصار يعد فرصة ذهبية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الغذائية، ودعا مطر إلى أن تنفتح قطر على الصناعات ذات التقنية العالية، مؤكداً أن قطر لديها كافة المقومات التي تجعل منها دولة شبيهة بسنغافورة، وطالب مطر بانعقاد مؤتمر دولي للاقتصاديين عقب انجلاء الأزمة، ومن خلاله تستطيع قطر وضع خطط متعددة تتناسب مع طبيعة المرحلة، منوهاً بالإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها قطر في الجانب السياحي. وقال مطر إن الهجوم على قطر يتطلب أن يضع العالم معايير محددة لمعنى كلمة الإرهاب وحرية التعبير، مشيراً إلى أن استهداف قطر مفهوم في سياق الصراع بين القديم والجديد والشمولية والانفتاح. ومن جهته قال الباحث خالد وليد محمود رئيس قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن من أبرز ما لفت انتباهي في ختام خطاب صاحب السمو استنكاره لما يجرى بالمسجد الأقصى وتضامنه مع القضية المحورية، وهي القضية الفلسطينية، وهذا تأكيد على دور قطر الشجاع والداعم لقضايا الأمة والشعوب الحرة. وأضاف أن قضية العرب المركزية كانت حاضرة في الخطاب بينما غابت فيه عن أي اهتمام رسمي عربي وإسلامي، منوهاً بأن الخطاب، انتصر كالعادة لفلسطين ولأول القبلتين وثالث الحرمين الشرفين، وهذا الموقف ليس غريباً عن سياسة الدوحة رسمياً وشعبياً التي واكبت وما زالت قضية فلسطين، ودعمت شعبها وحقها النضالي بأعلى درجات الشجاعة والالتزام، في وقت تبدو فيه القدس وما تتعرض له منسية من قواميس وحسابات معظم الدول العربية والإسلامية وأنظمتها بعد انشغالهم في أوضاعهم الداخلية وصراعاتهم الدموية. من جهته قال الباحث والأكاديمي أبوبكر عبدالرازق إن أهم ما ميز خطاب صاحب السمو خلوه التام من أي ادعاء للبطولة، واحتوائه على الإشادة بالموقف المشرف للشعب القطري، ورفضة لمطالب دول الحصار، في ملحمة بطولية وصفها صاحب السمو بما سماه «الشهامة الشعبية في مقابلة العدوان. وأكد أن ما تجاهلته دول الحصار تماماً وغضت الطرف عنه، هو أن السياسة الدولية لا يمكن بأي حال أن تدار بمنطق الفساد ودفع الرشا والأموال لشراء المواقف، وهو ما ألمح إليه صاحب السمو حينما قال «إن للدول الفقيرة أيضًا كرامتها» التي تأبى عليها بيع المواقف مقابل المال أو إرضاءً لدول أخرى، فأكدت هذه الدول أن «المال ليس بإمكانه شراء كل شيء»، وهو ما ثبت جلياً في الأيام الماضية، حينما رفضت العديد من الدول الاصطفاف ضمن حلف العدوان، لا لشيء سوى حرصها على صون كرامتها الوطنية، وهو ما يؤكد على أهمية الأخلاق في اللعبة السياسية. وعن الرسالة الأقوى في الخطاب ذكر عبد الرازق ما قاله صاحب السمو «إن قطر تحارب الإرهاب قناعة وليس إرضاء لأي دولة مهما كانت مكانتها في الشرق أو الغرب» بمعنى أنها تفعل ذلك وفقاً لمبادئها، لا كما تفعل الدول الأخرى التي تحاول إرضاء أميركا، وهي ذات الدول التي وقفت طويلاً «ضد تطلعات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية».;
مشاركة :