مع كل بداية ولاية انتخابية جديدة، يبدأ الخطاب السياسي للأحزاب يتغير عن سابقه (خلال الحملة الانتخابية) فنسمع كلمات جديدة من قبيل إكراهات، عجز، ميزانية... وكأن هذه التحديات لم يكن المرشح على علم بوجودها عند تقديم ملف ترشيحه. مما لا شك فيه أن السياسيين يقوم بمجهود كبير وشاق، يتوزع بين التواصل المستمر مع المواطنين، وحل الإشكالات التي تعاني منها قطاعات الدولة من توفير فرص العمل ودعم المشاريع، هذه المقاربة بالنسبة للفاعل السياسي الذي يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، والذي يعتبر المنصب السياسي فرصة لخدمة الوطن والمواطنين، لا فرصة للحصول على حصانة وراتب (تقاعد)، أو ميزة للدفاع عن مشاريعه الاقتصادية الخاصة من داخل القطاع المستثمر فيه، وهذه النوعية من المنتخبين يتوزع مجهودها أيضاً في التواصل وممارسة السياسة، لكن بمقاربة مختلفة عن المقاربة الأولى، فالمجهود التواصلي هنا يسخر في خدمة المرشح والحزب، لحصد أكبر عدد من الأصوات كمرحلة أولى ومجهود سياسي يتمثل في استغلال الموقع المؤسساتي في خدمة أجندات اقتصادية معينة كمرحلة ثانية. إن هذا القصور في استيعاب الأسس الصحيحة للتواصل السياسي ينعكس بشكل مباشر على بنية وطبيعة الخطاب، سواء المباشر أو غير مباشر، فاعتماد هذه المقاربة التقليدية لا يحقق النتائج المطلوبة وحتى إن حققها لا تدوم طويلاً، فينقلب السحر على الساحر، وتضرب سمعة السياسي من جهة، والحزب من جهة أخرى بشكل نهائي. تكمن إشكالية التواصل السياسي في الفهم الخاطئ لها، فرغم أن هذه العملية هي أمر مهم وحتمي، فإن ممارستها تحتاج لفهم أولي لأخلاقيات المهنة، فمنطلق التواصل يجب أن يكون مرتبطاً بالنزاهة وخدمة المواطن، وليس خدمة أجندة السياسي والحزب فقط، ولعل هذا ما يفسر مجموعة من الإشكاليات التي يعاني منها هذا المجال كتراجع الثقة في الأحزاب وضعف المشاركة السياسية، فكثرة الخطابات دون فعل تحدث إشباعاً لدى المتلقي (مواطن) مما يجعله غير قادر على تقبل أو تصديق ما يقوله أصحاب القرار، وحتى يستوعب السياسي هذا الأمر نتساءل: إلى متى سنظل نمارس التواصل أحادي الجانب أكثر من ممارستنا للسياسة؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :