الأوضاع الاقتصادية والعجز عن مواجهة قرارات المقاطعة التي فرضت من قبل دول الجوار على قطر، بعض الأقلام في الصحف القطرية إلى نقد حذر يؤشر على مساحة ضئيلة من الخلل الذي عم البلاد الثرية بمجرد فرض المقاطعة عليها. وارتفعت أصوات صحافية من داخل قطر تشكك في قدرة الحكومة على نجاعة إدارة البلاد مع أول أزمة حقيقية تمر بها الدوحة. وبرزت في هذا السياق مقالات عبدالله السليطي في صحيفة الراية القطرية الذي طالب بـ”التفكير بصوت عال”. ورغم أن السليطي لم يعش في بلد يسمح بنوعية التفكير أو كيفيته أو حدود الصوت الاعلامي العالي عندما يتعلق الأمر بنقد الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية في قطر، فإن هذا الصوت الناقد شكل على ندرته بداية ظاهرة استياء قد تتصاعد في الأروقة الإعلامية القطرية، الأمر الذي يعبر عن تصاعد الأصوات الناقمة والناقدة للسياسات الحكومية.المراقبون الإعلاميون لا يتوقعون أكثر من مقـالات وآراء في الـصحافة القطرية لا تتجـاوز الخطوط الحمراء المرسومة ويدرك غالبية الكتاب والصحافيين القطريين الحدود المسموحة لهم بنقد السلطات والعمل الحكومي، وهي أوطأ الخطوط الحمراء المرسومة لهم، إذا ما قورنت بمس الأسرة الحاكمة والفساد بأي طريقة نقد بناء من أجل مصلحة البلاد، إلا أن بعضهم بدأ يمرر أفكارا وأراء شجاعة تكشف الاختلال داخل بنية الحكم. ويتساءل القطريون عادة هل تحسب الدولة خططها لمستقبل البلاد بشكل علمي مدروس، بعد أن ثبتت الهشاشة السياسية والتخطيطية بمجرد فرض الدول المجاورة لقرارات المقاطعة على قطر؟ هل نحن دولة ثرية حقا؟ وطرحت بعض التساؤلات عما إذا كانت قطر تمتلك مواصفات “دولة” بعدما شهدت الدوحة فوضى اقتصادية غير مسبوقة إثر قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية معها مما عطل خطوط النقل، وأدى إلى نقص في الإمدادات. ويتساءل القطريون في دواوينهم ومجالسهم عما إذا كانت قطر فعلا دولة ثرية، وتتأزم اقتصاديا بمجرد قطع الحدود البرية مع السعودية والإمارات! لكن مثل هذه التساؤلات الحرجة يندر أن تصل إلى وسائل الإعلام والصحف القطرية. وكشفت الأزمة أن قطر لا تمتلك حتى مصنعا صغيرا لإنتاج الألبان. ووجدت الدوحة نفسها مجبرة على استيراد منتجات الألبان التركية، فماذا عن المصانع والمعامل الإنتاجية الأخرى؟ ويقولون كيف نتحدث عن دولة ثرية لا يوجد فيها مصنع للألبان؟ هل سبق وأن عرضت الصحافة القطرية مثل هذا الأمر أم مشغولة بأخبار ونشاطات المسؤولين وزياراتهم؟ ويحاول الكاتب عبدالله السليطي في مقالاته تصوير الوضع المختل في البلاد بحذر شديد، دون أن ينتقد الإجراءات والخطط الحكومية، وبدا وكأنه يتحرك في وسط حقل ألغام، يبدأ مقالاته بالثناء ثم يمرر أراءه المشككة والمتسائلة بشأن أوضاع البلاد الاقتصادية. واعتبر السليطي في أحد مقالاته المنشورة في صحيفة الراية أنهم في قطر “كانوا بحاجة إلى هذه الصدمة”، ووفق رأيه، فقد جعلتهم هذه الصدمة يفيقون “لمراجعة خطط التنمية، وخطط الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي”. وطالب السليطي الذي يكتب مقالا يوميا قصيرا في صحيفة الراية، بـ”عدم الركون لتأمين استهلاكنا اليومي والاستراتيجي من الغذاء وغيره، إلى الدول الأخرى، وألا نرهن مصيرنا الحيوي بأي دولة مهما كانت درجة الصداقة والتعاون معها”، من دون أن يجرؤ على تسمية تركيا أو إيران. وكتب في مقال آخر “تساءل عدد من الخبراء والمواطنين في البلاد عن جدوى وجود أكثر من 1300 مزرعة مرخصة لا تغطي حاجة البلاد من الخضراوات والفواكه، والدواجن والمواشي”! وانتقد في مقال آخر عجز الحكومة عن بناء ميناء يتناسب مع حاجة قطر الفعلية. وقال “تكلمت عن أهمية تطوير وتحديث وتوسعة موانئ الخور والرويس” وأضاف منتقدا “كان على الشركة القطرية لإدارة الموانئ (موانئ قطر) بذل جهودها في توسيع وتطوير وتهيئة ميناء الرويس في أقصى شمال قطر، ليكون إضافة هامة في تصدير واستيراد مختلف السلع والبضائع والمواد المتوسطة والخفيفة والثقيلة”. وتوجه باللوم علنا إلى البنية التحتية للبلاد وضعف إمكانيات الموانئ في استقبال الحد الأدنى من الواردات، حيث أن ميناء خليفة الجديد أصغر من حجم الواردات التشغيلية للبلد، فماذا عن استعدادات تنظيم المونديال؟ وقال “إن الميناء لا يكفي لوحده لتحمّل تبعات تشغيل متطلبات الاستيراد والتصدير المستمرة، من السلع والبضائع والمواد المختلفة التي تحتاجها البلاد”. ومنذ بداية الأزمة برزت مقالات السليطي كصوت يدعو إلى التهدئة، فقد طالب “يا دول الخليج تعالوا إلى كلمة سواء، ندفن هذه الفتنة، ونئد شرها المتطاير منها، (…) فأهل الشر والفتن يتربصون بنا”. وكان قد أشار في بداية الأزمة إلى تدخل تركيا وإيران بقوله “ومع تطور الزمن والأحداث، تداخلت الظروف بين دول الخليج، وجاء الدخلاء ليفرقوا بين الأخ وأخيه، والصديق وصديقه، وبين العائلة الواحدة، وبين الدولة الخليجية والأخرى”، طبعا دون تسمية هؤلاء “الدخلاء” المعروفين للجميع. مساحة نقد في الصحف القطرية وعبر مراقب صحافي عن سعادته بنشر مقالات السليطي التي توفر بقعة ضوء في مساحة معتمة تغطي الصحف القطرية التي لا تحتوي سوى على كتابات لا تقدم أي أفكار سوى الثناء على الأمير تميم والنشاط الحكومي. وقال في تصريح لـ”العرب”، “أن تجد مساحة نقد في صحيفة قطرية، فهذا أمر يبعث بنوع من الأمل ويشكل ظاهرة صحية”. ورغم أن المراقبين الإعلاميين لا يتوقعون أكثر من مقالات وآراء في الصحافة القطرية لا تتجاوز الخطوط المرسومة لهم، إلا أنه أمر صحي في النهاية. وينتاب الصحافيين والكتاب القطريين توجس أن يلقوا نفس مصير بعض الإعلاميين والشعراء المعارضين في قطر إذا ما انتقدوا الأداء الحكومي والخطط المستقبلية في استثمار الأموال الطائلة التي تدرها حقول الغاز في البلاد.الصحافيون القطريون يتخوفون من مصير بعض الإعلاميين والشعراء المعارضين إذا ما انتقدوا الأداء الحكومي وسبق وأن عوقب الصحافي القطري فرج مزهر الشمري، المرشح السابق للمجلس البلدي، على معارضته للسلطات بتجريده من الجنسية ومن أملاكه ونفيه خارج البلاد. وكان الشمري كتب مقالا بعنوان “عين عذارى” يطالب فيه بتخفيض الرسوم والضرائب على القطريين، وذلك في عموده الصحافي الذي كان يحمل عنوان “البُعد الرابع”، في صحيفة الراية القطرية. وجرت هذه الأحداث في ظل ضوضاء نشرتها قناة الجزيرة القطرية ومسؤولون بقطر حول ضرورة نشر الحريات بلا حدود في المنطقة، وشعارات تخص حماية الصحفايين من أي ملاحقات تعاقبهم على آرائهم. وعبر صحافي قطري مقيم في العاصمة البريطانية لندن عن المبالغة في التعويل على مقال أو إثنين في الصحافة القطرية لتغيير الأوضاع. وقال في تصريح لـ”العرب” معتذرا عن ذكر اسمه “إن المؤسسات الإعلامية في قطر مثلها مثل أي دولة مركزية أخرى تدار من قبل أعلى السلطات، وغير مسموح لرؤساء التحرير ولا للمحررين بتجاوز ما هو مرسوم لهم”. وعن مقالات السليطي في صحيفة الراية، قال “السليطي أخ وصديق عزيز، يدرك مثل غيره من الصحافيين القطريين ما هو مسموح له وما لا يمكن تناوله”. وقال “من المبالغة التعويل على مقال في صحيفة الراية القطرية لتغيير الأوضاع ودفع الكتاب الآخرين إلى ممارسة حرية إبداء الآراء والأفكار”. وأضاف “ما هو مسموح لقناة الجزيرة غير مسموح للصحف والقنوات الإعلامية القطرية المحلية الأخرى، فالجزيرة مشروع إعلامي موجه للخارج، وغير معنية أطلاقا بالأحداث الداخلية في قطر”. وذكّر بكلام أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بقوله إن “الجزيرة تاج على رأس دولة قطر”، مشيرا إلى أنه لم يقل مثل هذا الكلام على أي مؤسسة إعلامية قطرية أخرى.
مشاركة :