تحولت أسهم الشركات التي تتداول تحت سقف القيمة الدفترية في بورصة الكويت إلى ظاهرة تجذب انتباه الأوساط الاستثمارية، خصوصاً بعد أن باتت تشكل رقماً صعباً من إجمالي الشركات المدرجة.وفي رصد لـ «الراي» تبين أن هناك نحو 111 شركة (من أصل نحو 190 سهماً مدرجاً) بما يعادل 58 في المئة من الأسهم المدرجة تقريباً، باتت أسعارها السوقية أقل من القيمة الدفترية (P/B)، في الوقت الذي اتضح أن 46 شركة تتداول دون نصف هذه القيمة.وأمام هذه الظاهرة فتح النقاش في عالم المتداولين، ماذا يعني تداول الشركة دون نصف قيمتها الدفترية؟ وما السبب الذي يدفعها لذلك؟ وتأثير ذلك على الشركات المُدرجة وخططها الاستثمارية والاستراتيجية المُعتمدة؟ وهل السوق بلغ حد عدم قراءة بعض الفرص التي تعكسها تلك القيم؟في السابق كان تداول السلع تحت سقف القيمة الدفترية عامل جذب كبيرا، لتسابق المحافظ والصناديق لاقتنائها، إلا أن ذلك تلاشى مع الوقت وظهرت معايير أخرى.وفي رصد لـ «الراي» تبين أن القطاعات الرئيسية في البورصة تتضمن أعداداً متباينة من السلع التي تتداول تحت القيمة الدفترية أو دون نصفها، وبحسب إقفالات الخميس تتداول شركات قطاع النفط والغاز تحت القيمة باستثناء «نابيسكو» التي تتداول عند 3.39 مرة، فيما شركتان تتداولان دون النصف.وفي قطاع المواد الأساسية تتداول «السكب» تحت القيمة الدفترية، أما في قطاع الصناعة فتتداول 18 شركة تحت القيمة.وفي قطاع السلع الاستهلاكية توجد واحدة، وفي الخدمات الاستهلاكية 6 شركات، وفي الاتصالات شركتان، وعلى مستوى البنوك تتداول 3 بنوك بأقل من القيمة الدفترية هي «التجاري» و«الأهلي» و«الإثمار».وفي التأمين 7 من أصل 8 شركات تحت القيمة، وتتداول 28 شركة في قطاع العقار تحت القيمة الدفترية من أصل 33 سهما تمثل قوام القطاع، ولوحظ أخيراً أن هناك 37 شركة استثمارية أو تعمل في قطاع الخدمات المالية تتداول بأقل من القيمة الدفترية.ويرى مسؤولو الاستثمار في مؤسسات مالية أن هناك 12 سبباً وراء تردي أسعار شريحة واسعة من الأسهم، عبارة عن الآتي:1- عزوف المتداولين عن السوق2- انخفاض معدلات السيولة بشكل غير مسبوق3 - انكشاف الأوضاع المالية غير المستقرة لشريحة من الشركات4 - عدم الاعتداد بالقيمة الدفترية كعنصر جذب5 - حالة الركود التي تشهدها القطاعات ذات العلاقة بالبورصة6 - الأوضاع السياسية المتقلبة إقيليماً وتأثيرها على النفط7 - الترقب لتحقيق خسائر جسيمة للشركة8 - تحول ديون بعض الشركات إلى ديون صعبة التحصيل9 - افتقار الشركة لرؤية واضحة أو خطط استثمارية وفقاً لنموذج واضح10 - هروب رؤوس الأموال إلى الخارج11 - غياب صناعة السوق الحقيقية عن البورصة12 - جمود الملكيات وعدم ليونة المساهمين في طرح نسبة من أسهمهم والاعتماد على السلوك المضاربي في ظل غياب مفاهيم القيم العادلة.هل الأسعار الحالية مواتية ومغرية للاستثمار؟يجيب عن ذلك مدير استثمار، «ليس بالضرورة، هناك شركات نفخت بالمضاربات ثم عادت الى حجمها الطبيعي بسبب هزات السوق وأزماته».وأضاف أن السوق يمر أحياناً بفترات إحجام عن التداول تنخفض خلالها شهيّة الشراء والاستثمار، باستثناء بعض السلع التي تكشف عن تفاصيل وتطورات جديدة تتعلق بأرباح وغيرها، لافتاً إلى أن كثيراً من المتعاملين يعتقدون أن انخفاض أسعار هذا العدد الكبير من الأسهم دون القيم الدفترية له ما يبرره.وتُعرف القيمة الدفترية للسهم بأنها «ناتج تقسيم حقوق المساهمين لدى شركة على عدد أسهمها المُصدرة، وتأتي في ظل تقييمات لأصول واستثمارات تقع ضمن ملكيات الشركة وموجوداتها».ويعتبر البعض أن ذلك ساعد على إيجاد قراءة عادلة للفرص المتاحة في سوق الأوراق المالية، إلا أن غالبية الشركات تعتمد على نموذج عمل غير واضح، في ظل غياب تام للتدفقات النقدية.وأضافت مصادر أن القيمة الدفترية لا تكفي وحدها للكشف عن حال الشركة، فما نفع أن يكون مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية (P/B) أقل من واحد أو أقل من 0.5 مرة إذا كانت الشركة لا تحقق أرباحاً ولا تعطي أي توزيعات لمساهميها، أو على الأقل ليست أرباحها ذات صفة متكررة، لذلك لا بد للمستثمر أن ينظر أولاً وأخيراً إلى العائد، وإلى طبيعة الأرباح ومدى استمراريتها مستقبلاً.وأشارت إلى أن في البورصة شركات كثيرة تتمتع بمعدل (P/B) جذاب، لكن معدل مكررات أسعارها إلى الربحية منخفض، وهذا لا يقلل من حقيقة أن هناك عشرات الشركات الجذابة على صعيد القيمة الدفترية والأرباح في آن معاً، وهذا ما ينطبق خصوصاً على العديد من الشركات العقارية والصناعية، التي تجاوزت ضغوطات الأزمة وتردي وضع السوق وباتت لديها تدفقات نقدية منتظمة.ولا يقلل هذا الحديث عن القيمة الدفترية من تأثير الأجواء العامة في السوق، خصوصاً في ظل شُح السيولة الذي انعكس على الحركة العامة للتداول، فعندما تكون النظرة سلبية، تضيع الكثير من الفرص.وتاريخياً، لم يكن هناك هذا الكم الكبيرمن الشركات التي تتداول تحت القيمة الدفترية (111 شركة) قبل الأزمة المالية التي لا زالت تعاني من تبعاتها بعض المجموعات ومن انعكاساتها السلبية حتى اليوم، علماً بأن عدد الشركات المُتداولة لم يختلف كثيراً عن اليوم، بإستثناء مجموعة الشركات المنسحبة أو المشطوبة لعدم توافقها مع القانون والقواعد الرقابية التي صاحبت تدشين هيئة أسواق المال.وفي ظل ما تشهده وتيرة التداول اليومية في البورصة من تقلبات تظل الأسهم التشغيلية في منأى عن تأثير تلك التقلبات، إذ يستوعبها السوق وتظل فرصة للإقتناص، خصوصاً بعد ان بلغت مستويات مغرية لم تشهدها منذ سنوات طويلة، ولكن تبقى السيولة الشريان الأساسي لحياة السوق.
مشاركة :