أشار بنك الكويت الوطني، إلى دخول الاقتصاد المصري مرحلة التعافي، في أعقاب التباطؤ الشديد الذي مر به في عام 2016، إذ أدى قرار تعويم الجنيه المصري وإطلاق برنامج الإصلاحات الشاملة، إلى التغلب على شح العملات الأجنبية الذي كان سبباً في إعاقة النشاط الاقتصادي.ولفت البنك في تقريره الاقتصادي، إلى أن تطبيق الإصلاحات المالية في عام 2016، أدى إلى احداث تأثيرات ايجابية بالفعل على عجز الموازنة، كما ساعدت اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 12 مليار دولار في تعزيز الثقة بين المستثمرين، وأدى ذلك أيضاً إلى تحسن ملحوظ في الاحتياطات الأجنبية خلال السبعة أشهر الأخيرة.وتوقع التقرير أن تؤدي الإصلاحات إلى تشديد السياسة المالية والنقدية، وأن يكون الاستثمار الأجنبي هو الدافع الرئيسي للنمو، وأن يتلقى قطاعا الصادرات والسياحة في الوقت ذاته، دعماً من ارتفاع تنافسية العملة وإمكانية تحسن البيئة التشغيلية.وكشف عن بدء آثار ذلك تنعكس بالفعل مع تحسن هذين القطاعين في الربع الأخير من 2016، والربع الأول من 2017، إذ ارتفعت الاستثمارات الأجنبية مدفوعة من قبل التعهدات الكبيرة التي تلقتها من المؤسسات الدولية.ولفت إلى أنه قد لا تتحقق تلك التوقعات في حال عدم إحراز تقدم في الإصلاحات، وإن كانت الأمور تسير على ما يرام حتى الآن على هذا الصعيد، منوهاً بتقديم صندوق النقد الدولي لتقييم إيجابي، إذ أيّد دفع الشريحة الثانية من القرض الممنوح لمصر، ورأى أن السلطات قامت باتخاذ تدابير من شأنها ان تضع الدين العام على الطريق نحو الاستدامة، كما تشير آخر الأرقام أيضاً إلى أنه يتم إحراز تقدم في السيطرة على العجز المالي.وبين التقرير أنه من جانب آخر، فإن قرار مصر قطع العلاقات مع قطر، لن يكون له على الأرجح تأثير كبير على الاقتصاد المصري، بحيث يقيم في قطر نحو 250 ألف مصري ولم يطلب منهم المغادرة، ويقومون بتحويل 4 أو 5 في المئة فقط من إجمالي التحويلات المالية.وأفاد أنه في حين تقوم قطر بإمداد أكثر من 60 في المئة، من واردات مصر للغاز الطبيعي المسال عام 2016، إلا ان تلك الشحنات لم يتم وقفها حتى الآن، في حين صرحت السلطات المصرية ان الاستثمارات القطرية في مصر لن تتأثر، على الرغم من أنها تمثل ما بين 1 و2 في المئة فقط من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.وذكر أنه بعد تباطؤ الاقتصاد المصري بشدة خلال العام 2016، بدأ النمو يستعيد عافيته بنهاية العام، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.5 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2016، مقارنة بمتوسط نمو لم يتخطَ 2 في المئة خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2016.وذكر أن هذا التحسن نتج إلى حد كبير عن التحسن في قطاع التصنيع، الذي سجل نمواً بنسبة بلغت 6.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2016، في حين ظل النمو ضعيفاً في باقي القطاعات.وأظهر التقرير أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بدأ بالاستمرار في التحسن خلال الربع الأول من 2017، بحيث شهد هذا الربع تحسناً طال انتظاره في قطاع السياحة، وسط ارتفاع عدد السياح القادمين لمصر إلى نحو 580 ألف سائح في المتوسط خلال الربع الاول من عام 2017.وأضاف أنه على الرغم من أن هذا الرقم يعد أدنى بكثير من القدرة الاستيعابية للقطاع، إلا انه ارتفع بنسبة 49 في المئة على أساس سنوي، إذ انعكس هذا التحسن في انتعاش مؤشر الإنتاج المصري الذي سجل نمواً، بنسبة بلغت 81 في المئة على أساس سنوي في مارس.وأكد التقرير أن القطاع مازال متأثراً بالمخاوف الأمنية بعد إسقاط الإرهابيين لطائرة الركاب الروسية في أكتوبر 2015، إذ مازالت بعض الدول الأوروبية تحذر او تمنع مواطنيها من السفر إلى مصر.ورأى أن السياحة التي بدأت معاناتها منذ انطلاق الربيع العربي عام 2011، مازالت تحت معدلاتها الطبيعية، بحيث يقدر تراجع عدد السياح إلى المدن المصرية بنحو نصف مستواه في العام 2010.وأشار مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة «ماركيت»، إلى عودة النمو إلا انه قد يشير الى نمو ضئيل نسبياً، بحيث ارتفع المؤشر من مستواه المنخفض البالغ 42 نقطة في نوفمبر 2016 إلى 47 نقطة في يونيو.وتابع أنه رغم تحسن المؤشر، إلا انه مازال عند مستوى نمو يعادل 2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وأنه رغم ذلك أظهر المؤشر نمواً قوياً في الصادرات على وجه الخصوص، إذ ارتفع مكون الصادرات إلى اعلى مستوى يحققه منذ نشأته مع تسجيله 54.8 نقطة في مايو.تحسن الاقتصادتوقع التقرير ان يواصل الاقتصاد تحسنه خلال عام 2017، رغم التحديات الناتجة عن الموقف المالي والنقدي الأكثر تشدداً، مرجحاً أن يبلغ متوسط النمو 3 في المئة خلال السنة المالية 2016 /2017، مرتفعاً من 2.3 في المئة عن السنة المالية السابقة، وتسارع وتيرة النمو الى 4 في المئة للسنة المالية 2017 /2018، والى 5 في المئة للسنة المالية 2018 /2019.وأفاد أنه في يناير الماضي قام صندوق النقد الدولي بنشر تفاصيل برنامج الإصلاح، الذي ارتكزت على أساسه اتفاقية منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر 2016.ويتضمن هذا البرنامج عدداً من الإصلاحات المالية، مثل استحداث ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى معايير تقتضي تطبيق تخفيضات أكبر للدعوم، وتقليل نمو الرواتب، وإنعاش وتيرة خلق التوظيف، وتحسين الاستثمار الأجنبي والصادرات وبيئة الأعمال، من خلال قوانين من شأنها تنظيم الاستثمار والتسجيل الصناعي والإفلاس.كما تأمل الإصلاحات تحرير الحساب الخارجي، من خلال تعويم العملة والتخلص من ضوابط رؤوس الأموال منذ العام 2011.وأشار التقرير إلى البدء بتطبيق معظم تلك الإصلاحات، إذ كان تعويم الجنيه ضمن الشروط المتفق عليها مع صندوق النقد، وضرورة لمعالجة الاختلالات الخارجية.ونوه بأن تراجع قيمة الجنية 50 في المئة، أدى إلى تحسين القدرة التنافسية لمصر، والتي ساعدت بدورها في تعزيز الصادرات غير النفطية، بأكثر من 29 في المئة على أساس سنوي في الربع الرابع من 2016، كاشفاً أنه منذ ذلك الحين، استقر اوضاع الجنيه المصري نسبياً حول سعر 18 جنيهاً مقابل الدولار.التضخم... مرتفعرأى التقرير أن التراجع الشديد في قيمة الجنيه نتج عنه نمو كبير في التضخم، إذ إن ارتفاع أسعار السلع المستوردة أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع المحلية.وأشار إلى تسارع معدل نمو التضخم إلى 30 في المئة خلال يونيو 2017، متوقعاً أن يبقى معدل التضخم في تلك الحدود المرتفعة خلال معظم العام 2017، قبل ان يهدأ بنهاية العام، ويتراجع إلى مستويات أقل خلال عام 2018، متوقعاً أن يتراجع معدل التضخم إلى 20 في المئة تقريباً بنهاية عام 2017، ثم إلى 10 في المئة بنهاية عام 2018.وأفاد التقرير أنه من خلال سعيه للسيطرة على التضخم، قام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ قرار تعويم الجنيه، بحيث قام في المرة الأولى برفع أسعار الفائدة بمعدل 300 نقطة أساس في نوفمبر، وقام أيضاً برفع أسعار الفائدة بمعدل 300 نقطة أساس على ثلاث مراحل خلال الاثني عشر شهراً الماضية، ثم عاود رفع أسعار الفائدة في مايو ويوليو بمعدل 200 نقطة أساس لكل مرة.تقليص العجزتمثلت أهم أولويات الحكومة في معالجة العجز المالي، والذي يعد مصدراً رئيسياً لإختلال التوازن الاقتصادي، وقد تم إحراز بعض التقدم في هذا المجال بالفعل.وأشار التقرير إلى استبدال الحكومة ضريبة المبيعات بضريبة القيمة المضافة في عام 2016، كما بذلت جهوداً للسيطرة على الأجور وتخفيض الدعوم الحكومية، واستحداث ضريبة الدمغة المالية والتي يتوقع أن يكون تأثيرها المالي محدود.وبين أنه لوحظ بالفعل انعكاس تلك التدابير على الصورة المالية، بحيث تقلص العجز خلال التسعة أشهر الأولى من السنة المالية 2016 /2017 حتى مارس 2017، وبلغت نسبته 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد نتج التحسن الذي بلغت نسبته 1.1 نقطة مئوية عن زيادة التحكم في فاتورة الأجور وتحسن نمو الايرادات الضريبية. ولفت التقرير إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية بنسبة 27 في المئة على أساس سنوي، بفضل استحداث ضريبة القيمة المضافة، بينما تراجع العجز الأولي (اي باستثناء خدمة الدين) بأكثر من النصف، إلى نحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي.وتوقع ان يستمر هذا التوجه الإيجابي على مدار العامين المقبلين، إذ من المقدر ان يتقلص العجز إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016 /2017، مقارنة بنسبة 12 في المئة خلال العام السابق، على أن يعاود التراجع مجدداً إلى 9 في المئة خلال 2017 /2018، وإلى 8 في المئة خلال 2018 /2019.وكشف التقرير عن لجوء الحكومة إلى أسواق الدين العالمية، في محاولة منها لتقليل الاعتماد على التمويل الداخلي لسد العجز، بحيث قامت بجمع 4 مليارات دولار من بيع السندات في يناير، وفاقت تغطية هذا الإصدار أكثر من 3.5 ضعف الحجم المعروض، كما كان التسعير أفضل من المتوقع.وأفاد أن عملية الإصدار والتي تعد أكبر إصدار في تاريخ أفريقيا، كانت على شرائح لأجل 5 أعوام، و10 أعوام و30 عاماً، كما تم جمع 3 مليارات دولار إضافية في مايو بنفس آجال الاستحقاق، منوهاً بأنه ومرة أخرى، قوبل الإصدار بإقبال قوي وتضاعف الحجم ما استهدفته الحكومة.تدهور الحساب الجاريولفت التقرير إلى تدهور وضع الحساب الجاري في عام 2016 بشدة، نتيجة لانهيار السياحة وتراجع تحويلات المصريين بالخارج، إلا انها تحسنت بعد ذلك في الربع الأول من عام 2017، إذ انخفضت عوائد السياحة بأكثر من النصف وصولاً إلى 2.6 مليار دولار، مع عزوف السياح عن زيارة مصر بعد تفجير طائرة الركاب الروسية. وكشف عن تراجع تحويلات العاملين في الخارج بواقع 9 في المئة، إذ بلغت 16 مليار دولار، بحيث أدى تدني سعر الصرف الرسمي إلى توجه العاملين في الخارج لاستخدام قنوات غير رسمية للتحويل، الأمر الذي أدى إلى الإضرار بالتحويلات.وذكر التقرير أنه قد قابل تلك الاتجاهات السالبة، والتي يتوقع لها ان تبدأ في الانحسار في عام 2017، باتجاهات أكثر إيجابية في الميزان التجاري، كاشفاً عن تقلص العجز التجاري بنسبة 5 في المئة بفضل قوة الصادرات، في حين تلقت الصادات غير النفطية دفعة قوية عام 2016، مرتفعة بنسبة 17 في المئة وبلغت 14.4 مليار دولار.
مشاركة :