يحتاج الجسم إلى بعض العناصر الغذائية على الدوام، من أجل الوقاية وعدم الإصابة ببعض الأمراض، وهذه العناصر تتمثّل في الفيتامينات والمعادن وبعض الأملاح والبروتينات وغيرها، ولابد أن تكون هذه العناصر بنسب ومعدلات محددة، كي تقوم بدورها في الحماية والمساعدة على أداء الجسم لوظائفه.الفيتامينات تقوم بدور كبير في حماية الجسم من الأمراض، وفي حالة نقص نوع من الفيتامينات بشكل حاد، فإن ذلك يفتح الطريق للإصابة بالمرض. وسوف نتناول مرض الإسقربوط كأحد الأمراض التي يسبّبها نقص نوع معين من الفيتامينات، وكذلك نشرح المسبّبات والأعراض وطرق الوقاية للحد من هذا المرض، وأساليب العلاج المتّبعة في مثل هذه الحالات. ومرض الإسقربوط كان يظهر في الماضي بشكل كبير بين الأشخاص الذين يعملون في التجارة البحرية، ويتطلّب عملهم المكوث فترات طويلة تصل إلى أسابيع وشهور على متن السفن والمراكب، وكان طعامهم في هذه الحالة يتمثّل في بعض الأغدية الجافة مثل اللحوم المملحة والأسماك الجافة، والكعك والجبن، وبدأت تظهر عليهم أعراض غريبة مثل الإصابة بحالة نزيف من اللثة والأنف وتخلخل الأسنان، ويشعرون بحالة من الضعف والوهن الشديد، فأطلق على هذه الأعراض اسم مرض البحارة، أو داء الإسقربوط. نقص فيتامين «سي»يصاب الشخص بمرض الإسقربوط عندما يحدث نقص حاد في فيتامين «سي»، أو حمض الاسكوربيك، مما يسبب ضعف الشعيرات الدموية الدقيقة في أماكن معينة من الجسم، مثل الأنف واللثة والأسنان، وينتج عنه حدوث نزيف في اللثة باستمرار، وكذلك الأنف نتيجة انفجار هذه الشعيرات لأي سبب، كما يشعر الشخص بورم وألم في المفاصل والأطراف، ويصاب الشخص بحالة عامة من الوهن والضعف. وتوضح الدراسات أن الطفل يولد ولديه كميّات كافية من فيتامين «سي» مخزون في الجسم، وبالتالي لا يصاب بهذا المرض قبل أن يتخطى 6 أو 7 أشهر، ولكن يمكن أن يصيب المرض مَنْ هو دون هذا العمر في حالات قليلة، عندما يكون هناك نقص حاد في الغذاء من الأم، ويمثّل فيتامين «سي» عنصراً أساسياً يساعد على امتصاص الحديد في الجسم، ويعمل أيضاً على إنتاج الكولاجين. ولابد أن يحصل الجسم على هذا الفيتامين من مصدر خارجي، مثل الطعام أو الأدوية؛ لأن الجسم غير قادر على إنتاج هذا الفيتامين بشكل ذاتي.الفقراء وكبار السنويصيب مرض الإسقربوط عدداً غير قليل من الأشخاص على الرغم من التقدم الطبي ومحاولة محاصرة هذا المرض، فهو شائع بين الأشخاص المدمنين على الخمور، وأيضاً يظهر بين كبار السن بشكل ملحوظ، وبين الأشخاص في بعض الدول الفقيرة، وخاصة الأطفال بشكل كبير، نتيجة الأسباب الاقتصادية الصعبة والتفكّك الاجتماعي، وبين بعض اللاجئين الذين يعتمدون على المعلّبات غذاء رئيسياً لفترات طويلة، ولدى بعض الأشخاص الذين يتناولون وجبات غذائية خالية من الخضروات الطازجة بشكل معتاد، ولا يُقبلون على الفاكهة الطازجة، والسبب الرئيسي للإصابة بمرض الإسقربوط هو سوء التغذية، التي ينتج عنها انخفاض فيتامين «سي» بدرجة كبيرة من الجسم، وهو ما يجلب هذا المرض، ويمكن أن تدخل عدة عوامل أيضاً في المسببات، مثل انتشار الجفاف والمجاعات في بعض مناطق العالم، وانتشار الجهل والفقر، وفقدان الشهية لدى بعض الأشخاص، والاعتياد على تناول وجبات غذائية فقيرة من هذا الفيتامين بسبب الإصابة بمرض الحساسية، وأيضاً إذا كانت هناك صعوبات في تناول الطعام عن طريق الفم. ومن الأسباب أيضاً تناول بعض الأطفال للحليب المبستر، والذي فقد فيتامين «سي» بفعل الحرارة، وكذلك الأطعمة التي تتعرض لسوء التخزين وتفقد هذا الفيتامين، وسجّلت الأبحاث حالات من مرض الإسقربوط في الدول الصناعية نتيجة سوء التغذية.فقدان الشهية والضعفوتظهر بعض الأعراض نتيجة الإصابة بمرض الإسقربوط، حيث تبدأ هذه الأعراض بفقدان كبير للشهية، وعدم الإقبال على الطعام، ويتبعها فقدان كبير للوزن، ثم حالة من الضعف العام والوهن والكسل والإرهاق، كما يعاني المصاب نزيفاً في اللثة، والإصابة ببعض التقرّحات في اللثة، مع الشعور بتخلخل الأسنان، ثم يفقد المريض بعض أسنانه نتيجة الضعف وبعضها يتكسر، ويصاب المريض بفقر الدم وتورّم بعض أجزاء الجسم مثل الأطراف، مع الشعور بألم في المفاصل، ويشعر المريض بالحمى والتهيّج وسرعة التنفّس، وعند تطور الحالة وتفاقمها تظهر لدى المريض أعراض خطيرة، مثل تورّم الساقين بشكل كبير مع ألم حاد، ثم تأتي مرحلة الإصابة بالشلل بعد أعراض الساقين، ويظل التدهور في صحة المصاب إلى أن يتعرض للوفاة.بقع زرقاء ونزيفيعاني الأطفال المصابون بمرض الإسقربوط أعراضاً أيضاً مثل ارتفاع درجة الحرارة دون سبب، وجحوظ العينين وزيادة العصبية والانفعال، وضعف الإقبال على الطعام، والطفل الرضيع يتضايق ويرفض الرضاعة، وتحدث للأطفال اضطرابات في عملية الهضم، وتتوقف زيادة الوزن بل ينقص، وتظهر بقع زرقاء قاتمة أو سوداء على سطح البشرة، ويصاب الرضيع بحساسية من اللمس، وتتضرر عملية إنتاج العظام. وفي هذه المرحلة يظهر نزيف أسفل غلاف النسيج الضام للعظام، مسبّباً ألماً في العظام للطفل، وغالباً ما يأخذ الطفل وضعية الضفدع أثناء النوم، ويصبح الرضيع أكثر تعرضاً للنزيف من الأغشية المخاطية في اللثة، ويفقد الأطفال الأسنان مبكراً بسبب ضعف إنتاج الكولاجين، الذي يعد عنصراً أساسياً لصحة اللثة. وفي بعض الحالات للأطفال يحدث نزيف داخلي، ونزيف مختلط مع البول والجهاز الهضمي، وتتأخر عملية التئام وشفاء الجروح. وفي صور الأشعة السينية تكون العظام مثل الزجاج الخشن، كما تظهر بعض الكسور والنزيف أسفل غلاف العظم في الأشعة.الجوافة والبرتقال والفراولةاتباع نظام غذائي صحي يعمل على الوقاية من الإصابة بمرض الإسقربوط، ويكفي أن يتناول الشخص الفواكه الطازجة، ويُكثر من الخضراوات في الطعام، وذلك سيوفر كميّات كبيرة من فيتامين «سي»، وهو أساس الإصابة بمرض الإسقربوط. والجوافة من الفواكه الغنيّة بهذا الفيتامين، حيث تحتوي ثمرتها على ما يقرب من 35 ملليجراماً من فيتامين «سي»، كما يحتويها البرتقال واليوسفي والليمون، والطماطم والفلفل الحار، والفراولة والكيوي. وفي الخضروات مثل البطاطس والجزر والملفوف، والسبانخ والبروكلي والبقدونس، ويوجد فيتامين «سي» في بعض الأسماك والكبدة والمحار، ومنتجات الحيوانات مثل المخ والنخاع والكلاوي، مع العلم أن النظام الغذائي الذي يحتوي على اللحوم فقط يؤدي إلى الإصابة بمرض الإسقربوط، والابتعاد عن الأطعمة المعلّبة أيضاً نوع من الوقاية، كما يحتوي التوت والجريب فروت، على كميات جيدة من فيتامين «سي»، كما يمكن نشر ثقافة الغذاء الصحي بين الطبقات التي يتفشّى فيها الجهل والفقر، لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.المكمّلات الغذائيةيتمثّل علاج مرض الإسقربوط في تعويض النقص الحاد في فيتامين «سي»، وذلك عن طريق وصف الطبيب لأنواع من أدوية والمكمّلات الغذائية، التي تحتوي على هذا الفيتامين، وإمداد الجسم بالجرعات المناسبة التي تعوّض النقص الحاد في فيتامين «سي»، إلى جانب جدول الغذاء الذي يقرّره الطبيب المختص للمريض. فالعلاج مع النظام الغذائي كفيل بأن يقضي على مرض الإسقربوط، ويمكن أن يلجأ المريض إلى الجرجير والفجل والخس ،والكزبرة الخضراء لسرعة تخفيف أعراض مرض الإسقربوط، وأيضاً البطيخ والشمام. وفي الحالات الشديدة من المرض يمكن أن يتم العلاج عن طريق الحقن لسرعة التأثير والحصول على نتيجة، ويظل الغذاء المتكامل والغني بفيتامين «سي» هو العلاج الأفضل والأمثل. الأطفال.. ضحايا محتملون ينتشر مرض الإسقربوط بين الكثير من الأطفال في بعض الدول، بسبب سوء التغذية ونقص فيتامين «سي» أو حمض الأسكوربيك، كما أنه يصيب الكبار من كل المراحل، ولكن بصورة أكثر تفشياً بين الصغار، وهذا الفيتامين أحد العناصر الأساسية لإنتاج حمض البرولين الأميني، وهو المسؤول عن مقاومة الظروف الصعبة، ويساعد على إنتاج حمض الهيدروكسي برولين، وهما من الأحماض الأمينية التي تدخل بشكل رئيسي في تكوين مادة الكولاجين في الجسم، كما يعد فيتامين «سي» مضاداً قوياً للأكسدة يساعد على إبطال الكثير من المواد السامة داخل الجسم، وكان مرض الإسقربوط في الماضي يسبب حدوث الوفاة لدى بعض الأشخاص، ولكن بعد التقدم الطبي الكبير أصبحت السيطرة على حالات الوفاة بسبب هذا المرض جيدة، وتحدث فقط بشكل محدود للغاية بين بعض الحالات، وكان مرض الإسقربوط ينتشر بين الجنود والبحارة المحرومين من الخضراوات والفواكه الطازجة لفترات تصل من أسابيع إلى شهور، وكان يعالج في الماضي البعيد ببعض الأعشاب الطبيعية، وكان يشكل خطراً حقيقياً على المسافرين لمسافات طويلة عبر البحار، حيث كان يقتل عدداً كبيراً من هؤلاء، واهتمت دول أوروبا بهذا المرض في أثناء الحرب العالمية الأولى نتيجة تفشيه بين الكثير من الجنود.
مشاركة :