كيف يمكن تحويل كرة إلى قذيفة مدفع وبناء منزل على سطح القمر؟

  • 7/23/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هناك مسألة واضحة ولا تحتاج شرحاً: حاجات البشر تتزايد باستمرار، في حين أن حجم الموارد على الكرة الأرضيّة محدود تماماً. وتالياً، يمثّل التطور السريع للتكنولوجيا واندفاعها باتّجاه إيجاد مواد جديدة، أحد السبل الممكنة لإيجاد حلّ لتلك الإشكالية. في ذلك السياق، تظهر الأهمية الفائقة للتكنولوجيا المتصلة بالمواد الهجينة («هايبرد ماتريالز» Hybrid Materials). ما هي تلك المواد؟ كيف يجري تصميمها؟ ما هي آفاق استخداماتها؟ في مقابلة خصّصت حصريّاً لـ «الحياة»، تناول تلك الأسئلة البروفسور يوري إيسترن، الأستاذ الأكاديمي في قسم علوم المواد في «جامعة موناش» في ملبورن (أستراليا) وهو يحمل أيضاً دكتوراه فخريّة من «أكاديمية العلوم الروسيّة»، إضافة إلى كونه مديراً لـ «مختبر المواد الهجينة ذات البنية النانومترية» Hybrid Materials with Nanometric Structure في «الجامعة الوطنيّة للبحوث التكنولوجيّة» The National University of Science and Technology التي تشتهر باسمها المختصر «ميسيس نوست» MISIS NUST، وتعتبر الجامعة الروسيّة الأولى في علوم المواد وخلائطها، أو ما يعرف علميّاً بالـ «ميتاليرجي» Metallurgy، إضافة إلى العلوم المرتبطة بصناعة الفولاذ. استهل إيسترن مداخلته عن المواد الهجينة بإلقاء ضوء تعريفي عليها، إضافة إلى الفوائد المرتجاة منها. وبيّن أنّ المواد التقليدية المستخدمة حاضراً لديها خصائص طبيعيّة محدّدة، بمعنى أنّ ما تتمتع به من قوّة أو ليونة يقع ضمن حدّ معين ترسمه تركيبتها طبيعيّاً. في المقابل، ينشط العلماء لتخليق مواد «هجينة» بمعنى أنها تتألّف من عناصر عدّة تكون غير متجانسة في أغلب الأحيان، لكن كل مكوّن منها يحمل خاصيّة معينة. وتاليّاً، تكون النتيجة صنع مادة ليست موجودة طبيعيّاً، لكنها تتمتع بمجموعة من الخصائص التي رغب العلماء في الحصول عليها، بفضل التوليف الذرّي لمكوّنات من مواد مختلفة. ويقصد بالتوليف الذري أن تلك العملية تجري على مستوى الذرّة أو الجزيء، وهي غالباً ما تشمل مادتين مختلفتين، وأحياناً يكون عدد المواد أكثر من ذلك. وبقول آخر، لا تقتصر أهمية التهجين على الجوانب الكيماويّة للمواد «المختلطة» بعضها مع بعض، بل تشمل البنية الداخليّة للمادة الهجينة، ما يفتح الباب أمام إمكان التحكّم في الخصائص المرغوب توافرها فيها، عبر التحكّم في الخلائط على مستويي الذرّات والجزيئات.   التصغير مدخلاً للتغيير في حديثه عن التهجين، أشار إيسترن إلى وجود طرق متنوّعة لوضع تصاميم المواد الهجينة، مبيّناً أنّ «الجامعة الوطنيّة للبحوث التكنولوجيّة» تركّز على طريقتين أساسيّتين. تسمّى الطريقة الأولى «التحوّل المرن المكثّف». وتشمل عمليّات تغيّر في طبيعة بعض المواد التي تدخل «خلطة» التهجين بنسبة تفوق المئات (بل الآلاف) في المئة، ما يعطي فكرة عن مدى التغيير الذي يحصل في المواد عندما تتداخل بعضها مع بعض عبر عملية التهجين. وفي سياق «التحوّل المرن المكثّف»، يجري تمرير خلطة المواد في مصفوفة من القنوات المصمّمة لذلك الهدف، ويتكرّر ذلك التمرير مرات كثيرة. ويشبه ذلك ما يتعرض له اللحم في آلة الفرم، خصوصاً عندما يمرّر في المفرمة أكثر من مرّة، مع ملاحظة أن «الفرم» في عملية التهجين يكون على مستوى الذرّة والجزيء! وبالنتيجة، يحتفظ الخليط بشكله، لكنه يتعرض لتحوّل هائل في تركيبة المواد التي يتكوّن منها، خصوصاً عندما تصل عملية «الفرم» في البنية الداخلية إلى مستوى النانومتر (= جزء من بليون من المتر)، بل أحياناً أجزاء من النانومتر. عندما يصل التفتيت والتقسيم والتصغير إلى ذلك المستوى الفائق الصغر، تتبدّل خواص المادة بصورة جذريّة. (أنظر أيضاً «الحياة» في 18 تموز- يوليو 2017).   منازل في الفضاء الكوني «إذا اشتغل العلماء على صنع مادة هجينة من مواد لكل منها تركيب داخلي من بلّورات متنوعة، فعندها تكون كل مادة أشبه بمصفوفة من حبات قمح صغيرة جداً، وكل حبة تكون بحجم ميكرونات عدّة (الميكرون يساوي جزءاً من ألف من الملليمتر). وتؤدي عمليات التهجين إلى «فرم» تلك المواد، بمعنى تصغيرها لتصبح «حبّاتها» بأحجام على مستوى النانومتر. ويؤدّي ذلك التصغير إلى التحكّم بالبنية الداخلية للمادة الهجينة، والحصول على البنية الذريّة التي يرغب العلماء بها. واستطراداً، تملك المادة الهجينة خصائص فيزيائيّة وميكانيكيّة مختلفة نوعيّاً عن كل مكوّن من مكوّناتها، بفضل التصغير الفائق لـ «خلطة» المواد التي تكوّنت منها» وفق كلمات إيسترن. وفي مثل عملي، عند تطبيق طريقة «التحوّل المرن المكثّف» على المعادن، تكون النتيجة هي الحصول على معادن أنقى من نظيراتها الطبيعيّة بمئات المرّات، ما يجعل سبائكها أشدّ قوّة بما يتراوح بين 30 و20 في المئة. وبالمصطلحات العلميّة، توصف الطريقة الثانية في التهجين بـ «الأسلوب الطوبولوجي في الربط الذاتي»، ويعني ذلك أنها تركّز على التركيب الهندسي (الطوبولوجي) للذرّات والجزيئات، وكذلك الروابط بينها، في عملية التهجين. وشبّه إيسترن العملية باتّباع مبدأ «فرق تسد»، بمعنى تقسيم التركيب الداخلي للمواد التي تشملها عملية التهجين، من أجل التحكّم في خصائص المادة الهجينة التي ستنجم عنها. ويجري تقسيم كل مادة مشاركة في «خلطة» التهجين إلى كتل مستقلة، ثم تحدث عمليات تدخّل في الهيكل الهندسي كل كتلة، بمعنى التأثير في الروابط التي تشد ذرّاتــها وجزيئاتها إلى بعضها بعضاً، فتحدّد موضع كل منــها بالنسبة إلى الأخرى. لنفترض أن هناك قطاعاً معيّناً من الجزيئات يستند إلى 6 عناصر مجاورة له. هنا، يمكن التدخّل بطريقة تجعل كل ثلاثة منها تؤثّر بطريقة معاكسة للثلاثة الأخرى. وبديهي القول إن ثمة طرقاً متنوّعة تتيح التأثير في التركيب الهندسي الداخلي للمواد المتخالطة في عملية التهجين، وهو أمر شهد تعاوناً بين «الجامعة الوطنيّة للبحوث التكنولوجيّة» ونظيراتها في أستراليا. عن خزف يقاوم الصوت والزلازل قدّم إيسترن تشبيهاً لميزات المواد الهجينة التي تصنع باتّباع «الأسلوب الطوبولوجي في الربط الذاتي»، عبر الإشارة إلى الشقوق التي تحدث عندما يسقط حجر على لوح زجاج، مع الإشارة إلى أن المقصود بالتشبيه هو البنية الذريّة والجزيئيّة للمادة الهجينة. «في المادة التقليدية، تنتشر الشقوق انطلاقاً من نقطة سقوط الحجر على اللوح، ولا يحدث ذلك في المادة الهجينة لأن «تقسيم» التركيب الداخلي إلى قطاعات مستقلة يعني أن «الشق» الذي يحدث في قطاع معين لا ينتشر بالضرورة إلى بقية القطاعات. وبقول آخر، تكون المادة الهجينة شديدة القوّة، لأن الضرر الذي يحدث في منطقة معينة منها لا يطاول المادة نفسها ككل. وحتى لو تضرّر ربع المادة، تحتفظ بقية الأجزاء بسلامة تركيبتها. واستطراداً، من المستطاع ترميم الجزء الذي يتلف وحده، من دون التعرّض إلى المادة الهجينة بأكملها»، وفق كلمات إيسترن.   الاستغناء عن الماء قدّم إيسترن أمثلة عن تطبيق «الأسلوب الطوبولوجي في الربط الذاتي» في صنع مواد هجينة تصلح للمساهمة في عمليات اكتشاف الفضاء الكوني. وأشار إلى إمكان تركيب مواد هجينة قابلة للاستخدام في تشييد مبانٍ على سطح القمر أو المريخ، انطلاقاً مما يتوافر من المواد فيهما، بل حتى من دون الحاجة إلى الماء. وتكون المواد صلبة إلى حدّ أن إصابتها مباشرة بالنيازك لا يؤدي إلى انهيارها. وهناك تجارب طبّقت على الخزف بيّنت إمكان صنع مواد خزفية هجينة تكون عازلة للصوت بنسبة تصل إلى مئة في المئة. وفي أفق تلك التجارب، هناك إمكان لصنع حواجز من مواد خزفيّة هجينة، توضع على جوانب الطرق السريعة بهدف عزل الضجيج الصادر عن تلك الطرق. ومن الآفاق المثيرة للاهتمام، يظهر إمكان صنع مواد هجينة تقاوم الصدمات بمعنى أن الصدمة لا تؤثّر إلا على قسم صغير منها، فتستخدم في تشييد مبانٍ تكون مقاومة للزلازل. * مراسلة صحافيّة في «الجامعة الوطنيّة للبحوث التكنولوجيّة»

مشاركة :