تجلت النزعة «الشعوبية» في خطاب أمير قطر المرتبك عندما ختمه بإعلان دعمه لانتفاضة الأقصى وإدانته للإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بحقه، متناسياً أن الغاز القطري هو من يشغل البوابات الإلكترونية التي وضعتها إسرائيل حاجزاً بين المسجد الأقصى والراغبين في الصلاة داخله، والناظر إلى الموقف القطري من القضية الفلسطينية منذ استيلاء حمد بن خليفة آل ثاني على السلطة بانقلابه الشهير على والده، يجده قائماً على انتهاجه خطاباً شعوبياً عاطفياً موجهاً للشارع العربي. بينما يحتفظ النظام بعلاقة دافئة مع دولة الكيان الصهيوني تجاوزت المحرمات الدولية، ناهيك عن الخطوط العربية الحمراء، مثل دعمه للمستوطنات، الذي كشفته الصحافة المصرية منذ العام 2013، فقطر التي تجيد لعبة الرقص على المتناقضات أسهمت عبر قناة الجزيرة في تعميم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتمرير الرواية الإسرائيلية عبر فتح أثيرها للمسؤولين الإسرائيليين لتبرير جرائم الاحتلال، بينما عززت الانقسام وشق الصف الفلسطيني بتقوية نفوذ حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير. تطبيع إعلامي وأعطت قناة الفتنة «الجزيرة»، المسؤولين الإسرائيليين حصة واسعة على منبرها ليعبروا عن الموقف الإسرائيلي، لتوصل رسالة بأن للاحتلال وجهة نظر والانتهاكات والعدوان على قطاع غزة رأي، ويخرج الإسرائيلي على المنبر الأكثر انتشاراً ليخاطب الجمهور العربي والفئة المستهدفة من 300 مليون لتبرير جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. ويقول المحلل السياسي مهند عبدالحميد، إن فضائية الجزيرة أتاحت للإسرائيليين مخاطبة الجمهور الفلسطيني والعربي من خلالها، وساوت الضحية بالجلاد، في حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لا تسمح لعربي أو فلسطيني بالرد على الجرائم الإسرائيلية عبر فضائياتها. تعزيز الانقسام وأشار المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن قناة الجزيرة بانحيازها الواضح وتحريضها على السلطة عززت الانقسام الفلسطيني، من خلال أخبارها وبرامجها، ومع ذلك هناك تطبيع بينها وبين إسرائيل وتحاول في الفترة الأخيرة اجتثاث الناصرية، في حين أن قطر تجلس على قاعدة أميركية وتحرض على أميركا، «هناك تناقض»، وتحقق في الوقت ذاته هدف إسرائيل بتعزيز فصل غزة عن الضفة. من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي عمر حلمي الغول، أن فضائية الجزيرة وجدت لتكون أداة فتنة في العالم العربي وليس في فلسطين فقط. من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د مخيمر أبو سعدة، إن قطر استغلت ما يحدث في الأقصى لإرسال رسالة إسناد ودعم للشعب الفلسطيني في مواجهته للإجراءات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى، بعد وضع البوابات الإلكترونية على أبوابه، وتناسى أميرها العلاقة الحميمة التي تربط نظامه بدولة الكيان الصهيوني، ومساعدته لها في تعزيز الانقسام الفلسطيني سواء عبر دعمه الإعلامي أو الدعم المادي المباشر. وذهب محلل فلسطيني آخر إلى القول إن قطر عندما كانت تفتح شاشاتها لنقل مشاهد الدمار في غزة ولا تنسى أن تستضيف المحللين الإسرائيلين لتبرير ذلكم العدوان، كان الجنود الذين يركبون الدبابات الإسرائيلية التي تقصف غزة يأكلون من المنتجات القادمة من الدوحة وأسرهم في المستوطنات تستخدم الغاز القطري في الطاقة المستخدمة بمنازلهم. وكانت وسائل الإعلام المصرية كشفت منذ العام 2013 النقاب عن قيام أمير قطر آنذاك حمد بن خليفة بزيارة سرية لإسرائيل قام خلالها بزيارة مستوطنة تبين أنه تبرع ببنائها. يومها أنكرت قطر الخبر وكذبته وهددت بملاحقة الصحف المصرية أمام القضاء. مر على الواقعة سنوات عدة قبل أن يتم مؤخراً الكشف فعلاً عن هذه الزيارة السرية من خلال شريط فيديو صوره الإسرائيليون للزيارة، وتبين أن محطة الجزيرة كانت تعلم بالزيارة لأن مراسلها رافق الأمير، ومع ذلك لم تذكر المحطة شيئاً عن الزيارة وعن فضيحة تبرع حاكم قطر لبناء المستوطنة الصهيونية. ويقول المحلل السياسي الفلسطيني هشام يوسف قصير إن «الشعبوية زائلة» والخطاب القطري بعد أن تكشف الدور المشبوه الذي تقوم به الدوحة من خدمة للأجندة الصهيونية لم يعد مؤثراً في الشعب الفلسطيني ونقول لقطر وأميرها: لا نرغب في دعم وتعاطف منكم، فقط كفوا أيديكم عنا. ويمضي هشام سارداً الشواهد على عمق العلاقات الإسرائيلية القطرية، مشيراً إلى أن الكهرباء التي تستخدمها«البوابات الإلكترونية» الموضوعة الآن على بوابات الأقصى ربما تكون منتجة بالغاز القطري، مؤكداً أن قطر إلى الآن لم تعلن إيقاف تصديره،وبورصتها في تل أبيب ما زالت أبوابها مشرعة. وقال «كانت الدوحة تتذرع بأن علاقاتها بإسرائيل أسهمت في حل قضايا وإشكالات كثيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكن هذه العلاقات كانت تتضارب مع احتضان قطر لحركة حماس، وخاصة زعيمها خالد مشعل»، بل إنها لعبت دوراً هاماً في انقلاب حماس على شرعية السلطة الفلسطينية بحركة انقلابية في قطاع غزة، فقد زار وزير خارجية قطر آنذاك، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، غزة قبل الانقلاب بأسبوعين، ويشتبه بأنه حرض حماس على ما فعلته. ويضيف، قطر وجماعة الإخوان بذلتا جهوداً كبيرة لإنجاح مشروع حماس في غزة، باعتباره مشروعاً إخوانياً مهد لإقامة كيان لهم داخل فلسطين، وتوظيف زيارة يوسف القرضاوي وأمير قطر لدعم حماس بغزة بالأموال. مثل هذا الدعم شجع حماس على مواجهة السلطة، وعلى إقامة سلطة موازية، بهدف فصل القطاع عن الضفة الغربية، وبالتالي إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية، الأمر الذي يعتبره الفلسطينيون يتقاطع مع الموقف الإسرائيلي. ويردف، قامت دولة الكرم المعطاءة بتقديم ستة ملايين دولار لبناء استاد في إسرائيل في مايو 2013، والتي كانت قبل ذلك بشهر واحد قد ضخت استثمارات بملايين أخرى من الدولارات في مستشفى «حداسة» داخل إسرائيل لتوفير السكن والعلاج والرفاهية.
مشاركة :