لم يعد التقاط الصورة الذاتية باستخدام الهاتف النقال -«السيلفي Selfie » - مجرد ظاهرة اجتاحت العالم، بل بات هاجساً يلازم حياتنا اليومية في كل مكان وتحت أي ظرف وفي كل مناسبة... ولم تقتصر الظاهرة على الأشخاص العاديين فهناك رؤساء وحكام ومسؤولون كبار يلتقطون السيلفي ويتنافسون في ذلك.. نحن لا نعرف بالضبط سبب شغفنا في ال «سيلفي» ولا الدوافع التي تجعلنا نلتقط الصور بشكل لا إرادي في الشارع، في الطائرة، في الأسواق، وفي غيرها من الأماكن.. يستوقفنا مشهد التقاط السيلفي من قبل البعض دون أن يكون هناك مبرر لذلك، عندما نقود السيارة أو ونحن في الطائرة أو أثناء التسوق في المحال.. فما الداعي لالتقاط السيلفي، وما سبب هذا الولع بالتصوير الذاتي؟! سلاح ذو حدَّين يجيبنا استشاري الطب النفسي الدكتور عادل الزايد موضحاً أسباب انتشار ظاهرة السيلفي فيقول: ليست كل ظاهرة جديدة مثل ظاهرة السيلفي ظاهرة غير صحية.. فهناك عديد من الظواهر التي ظهرت وكان ظهورها مستغرباً من قبل المجتمع في بدايتها ولا سيما أن كل شيء في البداية يأخذ بعداً كبيراً، فمثلاً عندما ظهر الواتساب، والفيسبوك ثار التساؤل الممتعض نفسه حول انتشار هذه الوسائل وكذلك السناب تشات وغيرها من التقنيات التي ظهرت وتعلق بها جيل الشباب وأصبحت جزءاً من حياته اليومية. لذا فإن كل مستحدث في حياتنا قد يُستخدم بالشكل الصحيح أو الخاطئ بمعنى فيكون له أثر سلبي وآخر إيجابي، وهذا ما عايشته البشرية عند ظهور السيارة والتلفزيون والراديو والستلايت وغيرها من الاختراعات، حيث كانت موضع تشكيك واعتراض ثم أصبحت من الضروريات أو الأمور النمطية المعتادة. ويضيف د. الزايد قائلاً: المسألة تتوقف على كيفية الاستخدام، فعندما ظهر الواتساب كانت هناك بعض السلبيات التي ركز البعض عليها متجاهلين أنه على الجانب الآخر كانت له إيجابيات كثيرة مثل سهولة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة أو الأصدقاء، كذلك الإنستجرام الذي منح بعض الشباب فرصة للترويج عن مشاريعهم وأفكارهم ووفر لهم الوقت والمادة للوصول للمستهلك بسهولة ويسر... وهكذا بالنسبة للسيلفي فقد يكون البعض استخدموه استخداماً خاطئاً وسلبياً لكن هذا لا ينبغي تعميمه لأن أغلبية الناس تتعامل معه لالتقاط لحظات مميزة في حياتنا أو توثيق لحالة مهمة أو حدث بارز. أما فيما يتعلق بالنرجسية واستخدام السيلفي من قبل البعض إرضاء لغرورهم فيقول د. عادل الزايد: النرجسية هي طبيعة لدى بعض الناس وعندما تتوافر بعض العوامل أو الأدوات سوف يظهر هؤلاء النرجسية من خلالها فالسيلفي أظهر النرجسية لدى فئة محددة من الناس لديها القابلية لتضخم الذات. ويختتم د. الزايد حديثه مؤكداً أهمية التركيز على الجانب الإيجابي في أي ظاهرة مستحدثة كي نقلل من ظهور السلبيات لأن السلبية موجودة في حياة الإنسان ولا نستطيع إلغاءها، بل يجب العمل على إبراز الجانب المشرق والإيجابي والمفيد. تلقائية بلا تكلف عبد العزيز الناصر يرى في السيلفي ظاهرة إيجابية تنقل واقع الشخص وتوثق اللحظة التي يعيشها، ويقول: ما يميز السيلفي أنها عملية تلقائية وبسيطة دون تكلفة فهي مجرد توثيق للحظة أو مشهد ما فلماذا يجد فيها بعض الناس نوعاً من الأنانية.؟. ويضيف: أرى أن السيلفي جعل التصوير أسهل بكثير من السابق دون الحاجة لشخص آخر يلتقط لك الصور. وأنا أعتبر هذه النوعية من الصور من أحلى جمل الذكريات لأنها بعيدة عن التكلف والمبالغة فأجمل ما في السيلفي أنها صور عفوية وتلقائية. وحالياً أصبحت أكثر نتشاراً مع إمكان التركيز عند التقاط الصورة باستخدام عصا السيلفي للحصول على صور فردية أو جماعية جميلة. من جهته ينتقد سعود العازمي المبالغة في ظاهرة السيلفي فيقول: أصبحت مثل الإدمان لدى البعض فهم لايشعرون بما يقومون به من حركات عند التصوير... وأحياناً أرغب بطرح السؤال على من يقوم بذلك خاصة في الطائرة أو في المراكز التجارية، فهذا الوضع يستوقفني كثيراً ولا أعلم السبب.. كذلك هناك من يلتقط لنفسه سيلفي عند الوقوف في إشارة المرور بانتظار أولوية المرور ..وفي اعتقادي أن من يقوم بذلك لا يفقه معنى السيلفي وما دوره وفائدته.. السيلفي هو توثيق للحظة مهمة مثلًا عند التخرج في الجامعة أو في مكان تاريخي أو سياحي أو تأكيد لحادث ما وغير ذلك من الأسباب المهمة. ويضيف العازمي قائلاً: اختلفت الآراء حول أهمية السيلفي إلا أن دوره يرتبط بتسجيل موقف أو حدث.. فأنا لست ضد السيلفي ولكن بما يتماشى مع طبيعة حياتنا. لافتاً إلى أن البعض قد يكون مصاباً بالنرجسية وحب الذات فتراه يستخدم السيلفي في كل وقت وكل مكان. تقليد النجوم تجد نورا الفلاح في السيلفي عادة جديدة وممتعة إذا تم استخدامها بالشكل الصحيح والمطلوب فتسأل: ما الغرابة في تصوير السيلفي؟ وتجيب: بعد أن كانت الهواتف الثابتة فقط ظهرت الجوالات وتطورت حتى باتت تغني عن استخدام الكمبيوتر لإرسال الإيميلات والرسائل فكل شيء في جهاز واحد وهكذا بالنسبة للتصوير الفوتوغرافي. كما أن السيلفي يوثق لنا اللحظة والمكان والذكرى ولكن قد تكون هناك سلبية في السيلفي تتمثل في سلب خصوصية الشخص وعليه يجب أن نكون أكثر دقة في أماكن التقاط السيلفي وحسن اختيار الأوقات الملائمة. ويرجع فواز الشمري حمى السيلفي إلى التطور التكنولوجي وانتشار الهواتف النقالة التي أصبحت في متناول أيدي الجميع خاصة بين فئات الشباب، ويقول: يستهوي الشباب التقاط الصور ونشرها على مواقعهم للحصول على نِسب عالية من الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن للأسرة دوراً في ضبط الظاهرة لئلا يسيء الشباب من الجنسين إلى أنفسهم من حيث لا يشعرون وذلك بمتابعة أبنائها وتوجيههم خاصة الفتيات فالبعض يلتقطن صوراً في المنزل والحفلات والمناسبات الخاصة وهذا لا يجوز لأن مجتمعاتنا محافظة وهناك تقاليد تحكمنا، إلا أن السبب يعود للتقليد الأعمى لمجتمعات تختلف عنا في موازين القيم والمقبول والمرفوض. ويعتقد الشمري أن استخدام المشاهير ونجوم الفن للسيلفي جعل الكثير من الناس يقومون بتقليدهم خاصة مع سهولة التقاط الصور عبر الهواتف الذكية. وتلخص سوسن صالح رأيها حول السيلفي فتقول: هو نوع من أنواع التواصل الاجتماعي فالبعض يلتقط الصور وينشرها على الفيسبوك ليكون متواصلاً مع أصحابه.. والشباب هم أكثر من يلتقطون السيلفي باستخدامها كتقنية عصرية من واقع حالهم. وتتابع: شخصياً أحب التقاط السيلفي خلال السفر ولكن أفضل استخدام عصا السيلفي أو قيام شخص بالتقاط الصور لي كي تبدو أجمل وبحجم وقياس مناسب. وترى سوسن أن التطور التكنولوجي وانتشار الهواتف الذكية ساعد في توسع هذه الظاهرة في المجتمعات، كما أن سهولة التقاط الصورة سبب للسيلفي على عكس ما كان معروفاً في الماضي. وتقول: منذ انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ازداد انتشار السيلفي وأصبحت ظاهرة، حيث يقوم الشخص بتصوير نفسه منفرداً أو مع أصدقائه. ماذا يقول التاريخ وعلم النفس؟ عنيت عدة دراسات بظاهرة السيلفي كظاهرة شبابية وحاولت تحديد دوافعها التي تجعل الشخص شغوفاً بالتقاط الصور الذاتية. فقد أشارت دراسة أجرتها مؤخراً الرابطة الأمريكية للطب النفسي (APA)، إلى أن انتشار هذه الظاهرة بشكل واسع بين بعض الشباب، قد يشير إلى الإصابة باضطراب عقلي عندما تصبح حالة مزمنة وتشبه الإدمان. ومن جانب آخر أشارت الدراسة إلى أن الإفراط في السيلفي يسبب خللاً نفسياً لدى البعض، نتيجة للتصوير الذاتي وعدم الشعور بالرضا عن المظهر الخارجي، وهو انعكاس لهوس الشخص بمظهره الخارجي. وإذا كان كثير من الناس يعتقدون أن السيلفي هي ظاهرة عصرية حديثة فإن نشأتها تعود إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث كان المصورون الذين يلتقطون تلك الصور الشخصية يستعينون بمرايا لالتقاطها. ووفقاً لمكتبة الكونجرس الأمريكي، فإن أول صورة سيلفى فى التاريخ هي للعالم روبرت كورنيليوس، صورها وهو يقف في الجزء الخلفي من متجر طلاء الفضة عام 1839 في فيلادلفيا. ويعود تسمية سيلفي إلى 2002 قبل أن يتم اعتمادها بشكل أوسع سنة 2012. وتمت إضافتها في قاموس أوكسفورد الإنجليزي في نهاية عام 2013 واعتبارها كلمة العام وأصبح تعريفها هناك: (صورة ملتقطة ذاتياً بواسطة هاتف ذكي أو ويبكام وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي). أما عصا السيلفي فقد ابتكرها المصمم الياباني Hiroshi Ueda الذي يعمل في شركة متخصصة في مجال الكاميرات في 1983 أي منذ أكثر من 30 سنة وانتشرت مع انتشار السيلفي. انتشرت حمى السيلفي في بداية 2011، وأظهرت نتائج selfiecity المشروع البحثي الذي يشرف عليه البروفيسور ليف مانوفيتش الأستاذ بمركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك أن الرجال أكثر استخداماً للسيلفي وذلك وفق دراسات ميدانية في عدة مدن بالعالم. كما أظهرت دراسة قامت بها جيسي فوكس الأستاذة المساعدة بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية أن السيلفي سلوك يرتبط بالنرجسية ما يعني الاهتمام الزائد بالنفس. أما أبرز الرؤساء والحكام الذين التقطوا الصور الذاتية «سيلفي» فهم: الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وغيرهم. أما نجوم الفن فغالباً ما يقومون بتصوير السيلفي مع الجمهور أو خلال الرحلات والزيارات أو في مواقع عملهم.. من بين هؤلاء الفنانة هند صبري، درة، فيفي عبده، غادة عبد الرازق، تامر حسني، ماجد المصري، المطربة أديل، ريهانا، كريستينا أغليرا، مادونا، جاستن بيبر، سيلينا غوميز، جنيفر لوبيز.....
مشاركة :