يتكلم العربية بطلاقة. يعرفه المشاهدون العرب من خلال ظهوره المتكرر على الفضائيات ناطقاً باسم الخارجية الأميركية ومحللاً سياسياً محنكاً. وبعد مسيرة مهنية حافلة شغل فيها مناصب دبلوماسية في عدد من الدول عربية، يترك ألبرتو فرنانديز كرسي الضيف في برامج الفضائيات كي يدير «شبكة الشرق الأوسط للإرسال» المشرفة على قناة «الحرة». «الحرة» التي تأسست في عام 2004 لتكون صوتاً مختلفاً عن غيرها، بهتت صورتها في السنوات الأخيرة بين ضوضاء الفضائيات الجديدة. ومهمة فرنانديز هي إعادة الصوت واللون إلى القناة. المهمة ليست سهلة، لكن رؤيته لإدارة «الحرة» واضحة ومفصلة مع أنه لم يكمل أسبوعه الأول بمنصبه الجديد. ويقول: «لا أعرف إن كنت سأنجح في إحداث ثورة. لكنني ملتزم جدّاً بأهدافي». يرى فرنانديز، في حديث أجرته «الشرق الأوسط» هاتفياً، أن منصبه الجديد أكبر تحدٍّ من جميع المناصب الدبلوماسية التي شغلها «لأن السلك الدبلوماسي يتيح لمن يخوضه حرية التحرك منفرداً لإحداث تغييرات». ويضيف: «الأمر مختلف في شبكة يعمل فيها أكثر من 800 موظف والتغيير سيكون بطيئاً ويستغرق أشهراً». الكادر الضخم ليس التحدي الحقيقي، بل مهمة إعادة القناة إلى دربها بعد فترة من ضياع البوصلة. ذلك أن «الفكرة وراء إطلاق قناة (الحرة) بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) كانت توفير بديل للقنوات الأخرى آنذاك بمنهجية منبثقة من التجربة الأميركية»، بحسب قوله: ويضيف: «لكن القناة مرت بمرحلة ركود لعدد من السنوات، وفي غضون ذلك الوقت انطلقت كثير من القنوات الأخرى وأصبح المشهد الإعلامي العربي مشبعاً». المشهد الإعلامي العربي بات مزحوماً بالفضائيات، كان هذا لا يعني أنها تخاطب الجميع. ويضيف: «الإعلام العربي وصل إلى طريق مسدود تطغى عليه الطائفية والاستقطاب السياسي والخطوط الحمراء. هناك فراغ إعلامي يجب على أحد أن يملأه، ورؤيتي أن نساعد في ملء هذا الفراغ وأريد أن توفر (الحرة) صوتاً للمشاهدين وليس صدى للقنوات الأخرى». أولويات فرنانديز واضحة، يلخصها بأربع: «أولاً: أريد تكون القناة منبراً للأخبار الموضوعية والمنصفة من دون كلام بين السطور أو أجندة سرية. ثانيا: أسعى للتركيز على إنتاج تحقيقات استقصائية تنفرد بها القناة عن غيرها لأن معظم القنوات الأخرى مقيدة بالخطوط الحمراء». الأولوية الثالثة أن «يكون محتوى (الحرة) ليبرالياً من الأخبار إلى البرامج والتقارير. ولا أعني (ليبراليا) بالتعريف الأميركي، بل أعني المصطلح الدولي الذي يشمل حرية التعبير. ورابعاً: مهمتي تنفيذ ذلك بكل شجاعة وصراحة وعلنية مع أننا ممولون من قبل الحكومة الأميركية، لكن قناة مستقلة». ووفقا لفرنانديز ستتم تلك التعديلات على الشبكة مع الحفاظ على تقاليدها، ويشبه خطته بـ«إصلاح طائرة أثناء قيادتها في الجو». وحول ضمان سلامة مراسلي القناة الذين طالما تعرضوا للتهديدات أثناء مهامهم الميدانية، يقول: «هامش الحرية والسلامة يختلف من مكان إلى آخر، وبالفعل الصحافة محفوفة بالمخاطر في بعض الدول، لكنها مهنة للشجعان فقط الذين يؤمنون بالحقيقة». وحتى لو تفوقت «الحرة» على الفضائيات المنافسة بمجال التحقيقات الاستقصائية، لا تزال متأخرة في مجال التواصل الاجتماعي. ويدرك فرنانديز هذا ويرى ضرورة للتركيز على حسابات القناة على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن «المحتوى الخاص هو الذي يجذب المستهلك، الأمر الذي تفتقر له حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي. وسنعمل على تغيير ذلك لزيادة قاعدة متابعينا». وبالنسبة إلى تقليد القناة منذ انطلاقها بالتركيز على الأخبار الأميركية يقول: «سنستمر بالتركيز على الشأن الأميركي في محتوانا كالسابق، لكنني مهتم بالأخبار الأميركية التي تخاطب اهتمامات المشاهد العربي». * النسخة العراقية من القناة ورغم حالة الركود التي مرت بها «الحرة» في الآونة الأخيرة، لا تزال «الحرة عراق» هي الأكثر مشاهدة في بيوت العراقيين. ويأمل أن يحافظ فرنانديز على المرتبة الأولى، ويقول: «المفتاح هو الاستمرارية بإنتاج المحتوى الذي جذب المشاهدين عن طريق الأخبار التي وفرت لهم بديلاً عن القنوات التي وقعت في فخ الاستقطاب والطائفية. ومهمتنا التفرد عن غيرنا بالتغطية». وتصاحب الاستمرارية أيضاً قضايا جديدة ومهمة تستحق تسليط الضوء عليها في مناطق سيطرة الأكراد بأخبار تخاطب المشاهد الكردي أيضاً، حيث يقول فرنانديز: «هذه القضايا الراهنة تهمني شخصياً، وأعتقد أنه علينا تحسين تغطيتنا في شمال سوريا أيضاً». ويضيف: «التغطية الحالية تركز على العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، لكن علينا تسليط الضوء أيضاً على القضايا المرتبطة بالشؤون المدنية والعرقية وتحديات الحوكمة، بطريقة محترمة لكن بمتسع الحرية». ويتابع: «أسعى لفتح الباب لبدء حوار فارق حول واقع سوريا بعيداً عن دعاية نظام الأسد والفصائل المتطرفة إذ يجب التطرق لموضوع حقوق الإنسان في إدلب واللاذقية وغيرها، كما أريد أن نضاعف تغطيتنا لسوريا، وأدرس حالياً إطلاق برنامج مخصص لمناقشة القضايا السورية». وكشف فرنانديز أن رغم استمتاعه بجميع مناصبه الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الوقت الذي أمضاه في دمشق رئيساً للمركز الثقافي كان المفضل لديه، حيث يقول إن «السنوات التي أمضيتُها في العاصمة السورية كانت المفضلة لديَّ، رغم وجود نظام ديكتاتوري، تعرفت فيها على كثير من المثقفين والفنانين والمفكرين من السوريين وغير السوريين». سُئِل عن اسم القناة الذي يراه البعض مضحكاً لدى قوله بالإنجليزية، فضحك قائلاً: «(الهُرّة) نعم، قد يعتقد البعض أن الاسم مضحك، لكنها أصبحت علامة معروفة ولا يمكن محو التاريخ وتغيير الاسم». ويضيف: «لو استطعت العودة في الزمن لكنت قد غيرت اسمها، لكن علي العمل بالمتوفر لدي، ومع أنه ليس بمقدوري تغيير الاسم، فإنني آمل أن أستطيع أن أغير روح القناة».
مشاركة :